حول نازلة للذّكر مثل حظّ الأنثيين
صفحة 1 من اصل 1
حول نازلة للذّكر مثل حظّ الأنثيين
الدكتور: محمد بوزغيبة : رئيس وحدة بحث فقهاء تونس، جامعة الزّيتونة.
تقديم:
ما انفكّت النّخب الليّبراليّة والسّياسيّة تتفنّن في النّيل من النّصّ الدّيني الشّرعي (القرآن و السنّة النّبويّة) تحت غطاء التّطوّر والحداثة والضّرورة الحياتيّة و الاتفاقيات الدّوليّة... ضاربة عرض الحائط قداسة النّصّ الشّرعي لمّا يكون قطعيّ الدّلالة و الثّبوت، فنقرأ في هذه الأيّام من يريد أن يضغط على السّلطة لفرض المساواة في الميراث بين الجنسين ، أو لفسح مجال التّوارث بين أهل الدّيانات. ونقرأ و نسمع في نفس الفترة انتقادات للنّخبة الفكريّة الدينيّة لصمتها وعدم توضيح رأي الشّرع في هذه المسائل .
*النّخب الدّينيّة و الإعلام:
رغم القرارات السّياسيّة الدّاعية إلى ضرورة الارتقاء بالإعلام المكتوب وتقديم الرّأي والرّأي الآخر دون ثلب أو تهجّم, بل بالاعتماد على الدليل والبرهان. على أن يكون النّقد والتعليق أو التّوضيح بأسلوب حضاريّ, إلاّ أنّ بعض الوسائل الإعلاميّة ترفض نشر آراء وأطروحات أهل الاختصاص في الشّريعة الإسلاميّة, وتمكّن بقيّة النّخب من نشر أفكارهم دون رقابة.
وللتّاريخ فإنّي من بين الباحثين الذين منعت آراؤهم وتعليقاتهم من النّشر في أكثر من صحيفة أو مجلّة, وعلى سبيل المثال لا الحصر اتّصلت بي مجلّة تونسيّة لتقديم وجهة نظري بصفتي التّخصّصيّة (رئيس وحدة فقهاء تونس بجامعة الزّيتونة) حول موضوع الزّواج المثلي واللّواط والسّحاق والضجّة الإعلاميّة التي أحدثها كتاب " حيرة مسلمة", ولقد غطّت قراءتي للقضية سبع صفحات وجاءت وعود متكرّرة بنشر وجهة نظري, إلاّ أنّ المجلّة تنشر كلّ الآراء المؤيّدة لصاحبة الكتاب ولم تنشر الحوار الذي تمّ معي, مع أنّي ترفّعت عن التّعليق عن الكتاب وركّزت كلامي على رأي الشّرع في المسائل آنفة الذّكر ـ وللتّاريخ فإنّي أحتفظ بنسخة مصوّرة من الحوارـ وما خفي كان أعظم. ورغم ذلك أرجو لكلمتي هذه أن ترى النّور لتثري الحوار الأكاديمي بين النّخب التّونسيّة وسأضمّنها رأي الشّرع في عدم المساواة في الميراث, ثمّ رأيه في عدم التّوارث بين أهل ملّتين.
*قضيّة عدم المساواة في الميراث:
منذ أن تأسّست جمعيّة النّساء الدّيمقراطيات, وعضواتها تحاولن الضّغط على المشرّع التّونسي لينقّح الفصل 103 وما بعده. ونصّ هذا الفصل:
" بنات الصّلب لهنّ أحوال ثلاث:
1 ـ النّصف للواحدة إذا انفردت
2ـ والثّلثان للاثنين فصاعدا,
3ـ والإرث بتعصيب أخيّهنّ لهنّ للذّكر مثل حظّ الأنثيين".
فنشرت مقالا على صفحات مجلّة "حقائق" تحت عنوان: "حول المساواة في الميراث: لا اجتهاد مع النّصّ". وممّا جاء في خاتمة هذا المقال: "للذّكر مثل حظّ الأنثيين وكفى, ولو أرادت نساؤنا الدّيمقراطيات طرح قضايا تعود بالنّفع على المجموعة, فعليهنّ أن يقترحن مثلا بعض الجزئيات الجريئة التي لم يصدر فيها نصّ قطعيّ في مجال المواريث مثل إرث العمّة وإرث الخالة عند الجمهور...أو يقترحن فتح ملفّ جوهريّ مثل توقيت شغل المرأة, أمّا أن تنظر المرأة للجنس المكمّل لها نظرة عدائيّة وتعتبر الزّواج حربا ضروسا بين الرّجل والمرأة, فالنّصّ المقدّس يقول صراحة: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها, وجعل بينكم مودّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون﴾
و بعد بضعة سنين, وبمناسبة الاحتفاء بخمسينيّة مجلّة الأحوال الشّخصيّة (1956ـ2006). تطالعنا جريدة الصّباح بآراء بعض المثقّفات و معهنّ الأستاذ ساسي بن حليمة, وطالب الجميع بضرورة تنقيح الفصل 103 آنف الذّكر, فنشرت مقالا على صفحات نفس الجريدة بعنوان: "يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين: نصّ قطعي لا مجال للاجتهاد فيه". ذكرت في التّقديم الكلمة التّالية: "كلّما تقترب مناسبة الاحتفاء بمجلّة الأحوال الشخصيّة التّونسيّة, تتعالى أصوات اللّيبراليين واليساريين منادية بالمساواة في الميراث بين الجنسين, وبعدم التّقيّد بالنّصّ الشّرعي قطعيّ الدّلالة, وذلك باسم التّطوّر والتّحرّر والحداثة وما بعدها, إلاّ أنّ المشرّع التّونسي تمسّك بما ورد في كتاب الله العزيز وقال صراحة: " لا اجتهاد مع النّصّ الشّرعي قطعيّ الدّلالة "ثمّ تناولت المسألة في العناصر التّالية:
- مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة مجلّة فقهيّة.
- للذّكر مثل حظّ الأنثيين.
- لا مجال للاجتهاد في مورد النّصّ.
- الحكمة من تقسيم الميراث
وأخيرا وبمناسبة العيد العالمي للمرأة (8 مارس) تطالعنا إحدى الصّحف التّونسيّة, في صفحة "شؤون عالميّة " بعنوانين:
الأوّل: سناء بن عاشور تكسّر المحظور= براهين كريمة الشّيخ الفاضل لتحقيق المساواة في الإرث بين المرأة و الرّاجل
قدّمت الأستاذة سناء في ذكرى مائويّة والدها العلاّمة البحر محمّد الفاضل ابن عاشور - طيّب الله ثراه-(1909-2009) خمسة عشر برهانا دعت فيها إلى إلغاء قانون الإرث المعمول به حاليّا, وإقرار المساواة في الإرث بين الجنسين.
الثّاني: حزب الوحدة الشّعبيّة: من أجل قانون عاجل يضمن المساواة في الإرث بين الجنسين؟ جاء في خاتمة المقال: " هل تجرؤ المعارضة على تقديم مشروع قانون جديد في القريب العاجل، وقبيل 13 أوت القادم موعد الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التّونسيّة، حول إلغاء التّمييز في الإرث؟ وهل نشهد فاطمة وخديجة وعيشة وغيرهنّ يقتسمن الإرث بالتّساوي مع محمد وعلي والحبيب وسهيل وغيرهم .
وبعيدا عن الرّدود، سأقدّم مقصد الشّارع العزيز من تقسيم الميراث بين الابن والبنت للذكر مثل حظّ الأنثيين، ثمّ سأتناول الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل، والتي يجهلها كلّ من تطاول على النّصّ القرآني واتّهمه بإيثار الرّجل على المرأة، وأبدأ بالتوضيح.
*لا اجتهاد في النّصّ القطعي:
قال تعالى: ﴿هو الذّي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات﴾ [آل عمران:7].
قال الشّيخ ابن عاشور عند شرحه لهذه الآية الكريمة: أطلق المحكم في هذه الآية على واضح الدّلالة على سبيل الاستعارة لأنّ في وضوح الدّلالة منعا لتطرّق الاحتمالات الموجبة للتردّد في المراد. ثمّ نقل ما قاله ابن عبّاس عن المحكم:" المحكم ما لا تختلف فيه الشّرائع" وذكر صاحب المنار بأنّ المحكمات هنّ أمّ الكتاب أي أصله وعماده أو معظمه، وهذا ظاهر لا ينطبق على بعض الأقوال. وقال الإمام محمد عبده أنّ معنى ذلك أنّها هي الأصل الذي دعي النّاس إليه ويمكنهم أن يفهموها ويهتدوا بها, وعنها يتفرّع غيرها.
و لقد اختلف رجال الأصول في تعريف المحكم والمتشابه, وأحسن تعريف هو أنّ المحكم ماله دلالة واضحة, والمتشابه ماله دلالة غير واضحة. وقد عرّفوا أيضا المحكم بأنّه ما لا يحتمل من التّأويل ألاّ وجها واحدا, والمتشابه ما احتمل عدّة أوجه .
فالآية المحكمة واضحة الدّلالة و لا مجال للاجتهاد فيها, جاء في مجلّة الأحكام العدليّة قاعدة أصوليّة نصّها: "لا مساغ للاجتهاد في مورد النصّ" . قال الشّيخ أحمد الزّرقا عند شرحه لهذه القاعدة: "لأنّ الحكم الشّرعي حاصل بالنّصّ فلا حاجة لبذل الوسع في تحصيله, ولأنّ الاجتهاد ظنّي والحكم الحاصل به حاصل بظنّي بخلاف الحاصل بالنّصّ فإنّه يقيني ولا يترك اليقيني للظنّي.
و المراد بالنصّ الذي لا مساغ للاجتهاد فيه هو المفسّر المحكم, والمحكم هو ما أحكم المراد منه من غير احتمال تأويل ولا نسخ .
فلا اجتهاد في النّصّ الشّرعي قطعيّ الدّلالة والثّبوت. وإنّ الآية الكريمة: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين ﴾. واضحة الدّلالة فهي نصّ قطعيّ لا مجال للاجتهاد فيه بالنّسخ أو التّبديل أو التّحريف أو التّحوير ...
فالآية تنادي بعدم المساواة في الميراث بين الجنسين, ولسائل أن يسأل: هل حابى الله تعالى الرّجل على المرأة وفضّله عليها, هل كان الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى معين من مخلوقاته, فآثر الرّجل ليوفّر له حاجته, تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
- إذن ما هي الحكمة من عدم المساواة وما هي مقاصد ذلك؟
- ثمّ ما هي الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل؟
- ثمّ ما هي الحالات التي تحجب فيها المرأة الرّجل حجب إسقاط؟
- وما هي الحالات التي يتساوى فيها الذّكور مع الإناث؟
تعالوا معي نفصّل هذه الحالات بلغة التخصّص وبعيدا عن الكلام العام الذي يهدف أهله إلى النّيل من النّصّ الشّرعي المقدّس, فنبدأ بكلمة حول علم المقاصد, ثمّ مقصد عدم المساواة:
* كلمة حول علم المقاصد:
يقول الله تعالى:﴿أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا و أنّكم إلينا لا ترجعون﴾
انطلاقا من هذه الآية الكريمة, يتبيّن لنا أنّ الشّريعة الإسلاميّة لم تأت عبثا, ولم يضع الشّارع الأحكام اعتباطا وعبثا, بل جيئت الأحكام التي حدّدها النّصّ التّأسيسي والحديث النّبوي, بمقاصد وعلل وحكم وغايات, تحت قواعد وضوابط محدّدة.
ومن بين هذه الأحكام التي نيطت بمقاصد وحكم - قسمة التّركات - لكن كيف يبلور هذا العلم, وكيف أرسى الفقهاء قواعده و ضوابطه, وهل هو علم مستقلّ بذاته كما يرى بعض الفقهاء, أو هو علم منبثق من علم أصول الفقه مثلما يرى الجمهور, هذا من جهة, ومن جهة ثانية ما هو مقصد الشّارع بعلم الميراث, ثمّ ما هو مقصد التّفاضل في الميراث؟
منذ نزول القرآن الكريم على رسوله الأمين صلّى الله عليه وسلّم, وآيات الكتاب العزيز تتعاقب على تأكيد ارتباط الأحكام الشّرعيّة الكلّي منها والجزئي, بالحكم والمصالح والمعاني والمباني التي تكفل سعادة الإنسان في عاجله وآجله ودنياه وآخرته. وتغدو هذه الحقيقة واضحة مستقرّة بتتبّع كثير من النّصوص التّشريعيّة التي تبيّن الصّلة الوثقى بين الأحكام والحكم, وتوضّح أنّ الأحكام الفقهيّة ما هي إلاّ وسائل لتحقيق مقاصد عليا, تتجسّد مصالح حيويّة واقعيّة في حال إقامتها و الامتثال بها.
فالآيات الخاصّة بالميراث على سبيل المثال, تبيّن من جهة ارتباط الأحكام الشّرعيّة بقانون الغاية, وتنفي من جهة أخرى قانون العبثيّة والفوضويّة والنّفعيّة في التّشريع ومن التّشريع.
ومثَل هذا السّنن العام الذي مضى عليه الشّارع في تشريعه, واستقرّ حقيقة ثابتة لا تقبل النّقض, يعكس معقوليّة الشّريعة الإسلاميّة, وتدعو المجتهدين إلى تبيّن هذه المقاصد والمعقوليّة, التي تمثّل الأساس الذي قام عليه البناء التّشريعي كلّه .
ومن هنا ظهر علم المقاصد الذي كان مبثوثا في أطروحات كبار الفقهاء, الذين استعملوا مصطلحات أخرى كالمصالح والمنافع والحكم والعلل والغايات…
ونجد ذلك مبثوثا في كتب الشّافعيّة بدءا برسالة الإمام الشّافعي والبرهان للجويني والمستصفى للغزالي وقواعد الأحكام في مصالح الأنام للعزّ بن عبد السّلام, أو في كتب المالكيّة كفروق شهاب الدّين القرافي, وموافقات الإمام الشّاطبي, وصولا إلى علاّمة القطر التّونسي الشّيخ الإمام محمد الطّاهر ابن عاشور. ولأصحاب المذاهب الأخرى فطاحل في علم المقاصد لا يسمح المقام لذكرهم…
والمقاصد الشّرعيّة هي جملة ما أراده الشّارع الحكيم من مصالح تترتّب على الأحكام الشّرعيّة, كمصلحة الزّواج التي هي إعمار الكون وإنجاب الذرّيّة وغضّ البصر والابتعاد عن الرّذيلة, ومصلحة المعاملات الماليّة أو المعاوضات التي هي حفظ المال وصيانته من الضّياع أو الرّكود والتّبذير أو الإسراف, والحثّ على الكسب الحلال والبحث على الرّزق والعمل وجعله قربة يثاب عليها صاحبها وإباحة البيوعات والإيجارات وكلّ ما يسهم بطريق مشروع في تبادل الأموال وترويجها بين النّاس, وتحريم المعاملات التي فيها غرر وضرر وغبن وغشّ وتوثيق العقود والدّيون وتشريع الرّهون ومصلحة قسمة التّركات لضمان حقوق الورثة الأيتام والصّغار والإناث وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه للإبقاء على التّماسك الأسري وغيرها... كلّ ذلك يندرج ضمن قاعدة مقاصديّة أساسيّة: درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
ومن مظاهر اعتبار الشّريعة الإسلاميّة للمصلحة, أنّها لم تكتف بتقرير مراتب المصالح الثّلاث: الضّروريات والحاجيات والتّحسينيات, وإنّما ألحقت بكلّ مرتبة من هذه المراتب مكمّلات توثّق إقامة المصلحة في الواقع وفي ا لوجود, وتؤكّد حكمتها واعتبارها, حيث إنّ فوات المصلحة المكمّلة يضعف من قوّة المصالح المكمّلة, فمقصد التّفاضل في الميراث انبثق عنه مقصد عدم المساواة في تقسيم التّركة بين الجنسين.
*مقصد عدم المساواة:
إنّ إعطاء المرأة نصف ما يعطى الذّكر في الميراث من القضايا التي تثار دوما بدعوى أنّ الشّرع ظلم المرأة ولم ينصفها وفضّل الرّجل عليها، وهذا لا يتناسب مع تطوّر المجتمع الحديث ما يجعل تغيير الأحكام المتعلّقة بميراث الذّكر والأنثى مطلبا ضروريّا, وهي دعوى مغرضة وحجّة واهية وذلك لعدّة اعتبارات:
1- إنّ الأحكام الدّينيّة ومنها المواريث تشريع إلهي, فالله سبحانه وتعالى هو الذي تولّى بيان المستحقّين لتركة الميّت ولم يتركها للبشر، قال تعالى: ﴿فريضة من الله إنّ الله كان عليما حكيما﴾ [النّساء:11] فهذا التّفضيل هو حكم الله تعالى, فلا يجوز لأحد أن يملك حقّ الزّيادة أو النّقصان أو التّغيير أو التّبديل.
2- إنّ القول بمساواة الذّكر والأنثى فيما فرض الله فيه التّفضيل, هو حكم جائر بحيث يلزم المسلمين بأن يتوارثوا الأموال بغير حقّ, ولئن كان الإسلام لا يعارض مبدأ التّطوير الذي يتماشى مع المقاصد الشّرعيّة والمصالح الإنسانيّة المعتبرة, فهو يعارض كلّ مطلب تطوير يسعى لتحريف الأحكام الشّرعيّة بجعل الحرام حلالا والواجب ليس بواجب, مثل ما فعله النّصارى حين أجازوا لعلمائهم القسّيسين أن يغيّروا الشّريعة كيفما شاءوا و اشتهوا, لأنّهم اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
3- إنّ إعطاء المرأة نصف نصيب الرّجل ليس قاعدة عامّة ولا حكما مطّردا في توريث كلّ الذّكور وكلّ الإناث, بل توجد في الميراث حالات كثيرة, تفضّل فيها الأنثى على الذّكر, وحالات يتساوى فيها الذّكر والأنثى .
4 - إنّ النّظرة المتعجّلة لقاعدة: "للذّكر مثل حظّ الأنثيين" توهم بأنّ في ذلك انتقاصا من شأن المرأة ,وهضما لحقّها كإنسان له حقوق متساوية مع الرّجل, لكنّ الواقع على خلاف ذلك, فالإسلام هو أبعد ما يكون عن أن يجعل من ذلك مبرّرا للنّظر إلى المرأة نظرة متدنّية, حيث إنّ السّبب الأساسي لهذه التّفرقة في الميراث يعود إلى الالتزامات التي تقع على كاهل كلّ من الرّجل والمرأة.
5- ضمن حكم عدم المساواة في الميراث، لأنّ الرّجل ملزم بالإنفاق على زوجته وعلى أفراد أسرته, وفي الوقت نفسه لا يلزم الإسلام المرأة بأيّة التزامات ماليّة لغيرها .
فإذا قمنا بعمليّة حسابيّة بسيطة, لرأينا أنّ المرأة عندما تأخذ نصف ما يأخذه الرّجل من الميراث, فإنّها تكون بذلك في وضع ماليّ أفضل من وضع الرّجل لكون ما يأخذه الرّجل يجب عليه شرعا أن ينفق منه على زوجته وأسرته من البنين والبنات, وعلى أمّه و أبيه إذا ما لم يكن لهما مورد رزق, وعلى إخوته إذا لم يكن لهنّ عائل.
و معنى هذا أنّ ما يأخذه الرّجل من ميراث, إنّما يكون في حقيقة الأمر في تناقص مستمرّ بسبب هذه الالتزامات الكثيرة.
أمّا المرأة فإنّها لا تسأل إلاّ عن نفسها, وهي حرّة في ميراثها, حيث تستطيع أن تنمّيه في استقلال تامّ عن الرّجل, وليس عليها أيّة التزامات ماليّة تجاه أفراد الأسرة, وإنّما زوجها هو الملزم بنفقتها حتّى و لو كانت ذات ثراء, وهذا يعني أنّ ميراثها سيكون في ازدياد مستمر.
لقد شرّع الله تعالى العمل وفق هذه القاعدة بالنّظر إلى كون المرأة مكتفية المؤنة والحاجة, فنفقتها واجبة على أبيها وأخيها أو غيرهم من الأقارب ونفقات الرّجل أكثر والتزاماته الماليّة أضخم, وبالتالي فإنّ حاجته إلى المال تكون أكبر من حاجة المرأة إليه, فهو الذي يتولّى دفع مهر الزّوجة ويكلّف علاوة عن ذلك بدفع نفقة المسكن, وبالطّعام و الملبس للزّوجة وللأولاد فيما بعد, والرّجل ملزم بدفع أجور التّعليم للأولاد وتكاليف العلاج والدّواء للزّوجة والأبناء بدفعها هو وحده دون المرأة .
وأضافت الباحثة آمال التيساوي قولها: ولو أنّ المتعجّل للأمور أمعن النّظر واستنبط الحقائق, لما جاز له أن يعتبر أنّ الإسلام قد ظلم المرأة ولم ينصفها في حقّها من الميراث, باعتبار أنّه ليس هناك ظلم أو إنقاص من شأنها, بل إنّ العكس هو الصّحيح, وكفّة الميراث هنا تميل لصالح المرأة أكثر من بني جنسها من الرّجال باعتبار كون المصاريف والنّفقات متعدّدة, والاحتياجات متزايدة من يوم إلى آخر و مختلفة من شخص لآخر ، وهي كلّها على كاهل الرّجل قد كلّفته بها الشّريعة الإسلاميّة, وبأمر الحكيم العليم بعباده انطلاقا من قوله جلّ ثناؤه: ﴿لينفق ذو سعة من سعته, ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله﴾ [الطلاق: 7]
ثمّ قالت بعد استشهادها بهذه الآية الكريمة: "فهذه النّظرة الخاطفة تبيّن لنا حكمة الله الجليلة في التّفريق بين نصيب الذّكر و الأنثى, فلمّا كانت النّفقات على الشّخص أكثر والالتزامات عليه أكبر وأضخم, استحقّ هو في مقابل ذلك بمنطق العدل والإنصاف أن يكون نصيبه أكثر وأوفر.
ومع أنّ الإسلام أعطى للذّكر ضعف الأنثى, فإنّه مع ذلك غمر المرأة برحمته وفضله العظيم, وأعطاها فوق ما كانت تتصوّر, فهي والحالة هذه مرفّهة ومنعّمة أكثر من الرّجل, لأنّها تشاركه في الإرث دون أن تتحمّل شيئا من التّبعات.
فهي التّي تأخذ ولا تعطي، تغنم ولا تغرم وتدّخر دون أن تدفع شيئا من النّفقات، أو تشارك الرّجل في تكاليف الحياة ومتطلّباتها. والشّريعة الإسلامية لا توجب على المرأة كذلك أن تنفق شيئا من مالها حتّى على نفسها أو على أولادها مهما كانت غنيّة ميسورة مع وجود الزّوج، لأنّه هو المكلّف بالنّفقة عليها وعلى جميع الأولاد في السّكن والمطعم والملبس، كما في قوله تعالى: ﴿وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف﴾ (البقرة :233).
ثمّ قدّمت الباحثة آمال التّيساوي مثالا تقريبيّا بيّنت فيه حكمة الشّارع في التّفريق بين ميراث الذّكر والأنثى: "هلك هالك وترك ابنا وبنتا، وقيمة التّركة تقدّر بثلاثة آلاف دينار، واستنادا إلى القاعدة المعمول بها في الميراث يأخذ الابن سهمين وتأخذ البنت سهما واحدا.
وإذا أراد الابن أن يتزوّج، فإنّه سيدفع المهر لزوجته، ولنفترض أنّ المهر مقدّر بألفي دينار، فسيدفع الابن كلّ ما ورثه من أبيه مهرا لزوجته، فلن يبقى معه شيء، ثمّ يكلّف بعد الزّواج بكلّ النّفقات...
أمّا البنت فإنّها إذا أرادت أن تتزوّج فهي تأخذ المهر من الزّوج ولنفرض أنّه ألفا دينار فهي قد ورثت ألف دينار من أبيها وأخذت ألفي دينار مهرا من زوجها فأصبح مجموع ما لديها ثلاثة آلاف دينار، ثمّ إنّها لا تكلّف بإنفاق شيء من مالها مهما كانت غنية لأنّ نفقتها أصبحت على زوجها. فهو الوحيد القادر على النّفقة، وهو المكلف والملزم بتأمين السّكن لها والإنفاق عليها ما دامت في عصمته، فمالها زاد وماله نقص، وما ورثته من أبيها بقي وما ورثه هو عن أبيه ذهب وضاع على حدّ عبارة الشّيخ محمد علي الصّابوني.. ومن الذّي يكون أسعد حالا وأكثر وأوفر حظّا من الآخر: الذّكر أم الأنثى؟ ومن الذي ينعّم ويرفّه أكثر الذّكر أم الأنثى؟
ولتأكيد العدل الإلهي عند قسمة التّركات, حدّد الفقهاء الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل:
الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل:
حدّد الباحث محمد عبد المنعم همبر في رسالته:" التّفاضل في الميراث في الإسلام" نقلا عن الشّيخ فتحي العبيدي وغيره, الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل, وحصرها في 25 حالة:
1) بنت مع زوج, فللبنت النّصف لانفرادها, وللزّوج الرّبع لوجود الفرع الوارث وهو أقلّ من النّصف.
2) بنت ابن مع زوج, فلبنت الابن النّصف, وللزّوج الرّبع لوجود الفرع الوارث وهو أقلّ من النّصف.
3) بنت مع شقيقين, فللبنت النّصف وللشّقيقين الباقي بالتّعصيب, و يصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
4) بنت مع أخوين لأب, فللبنت النّصف, وللأخوين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
5) بنت مع ابني أخوين شقيقين, فللبنت النّصف, ولابني الأخوين الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
6) بنت مع عمّين شقيقين, فللبنت النّصف, وللعمّين الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منها الرّبع وهو أقلّ من النّصف
7) بنت مع عمّين لأب, فللبنت النّصف وللعمّين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
بنت مع ابني عم شقيقين, فللبنت النّصف, ولابني عم الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
9) بنت مع ابني عم لأب, فللبنت النّصف, ولابني العم لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
10) بنت ابن مع شقيقين, فلبنت الابن النّصف, وللشقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
11) بنت ابن مع أخوين لأب, فلبنت الابن النّصف و للأخوين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
12) بنت ابن مع عمّين لأب, فلبنت الابن النّصف وللعمّين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منها الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
13) بنت ابن مع ابني عم شقيق, فلبنت الابن النّصف, ولابني العم الشّقيق الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منها الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
14) بنتان مع أمّ و مع أب: أصل المسألة من ستّة, ثلثاها أربعة: اثنان لكلّ بنت, وسدسها واحد لأمّ وسدسها واحد لأب بالفرض, ولم يبق له شيء, وهنا يأخذ الأب ربع نصيب البنتين.
15) أمّ مع أخ لأمّ, فللأمّ الثّلث لعدم وجود الفرع الوارث, واثنين مع الإخوة على الأقلّ, وللأخ لأمّ السّدس لإنفراده وهو أقلّ من الثّلث.
16) شقيقة مع أخ لأمّ, فللشّقيقة النّصف بالفرض لانفرادها, وللأخ لأمّ السّدس وهو أقلّ من النّصف.
17) أخت لأب مع أخ لأمّ, فللأخت لأب النّصف بالفرض لانفرادها, وللأخ لأمّ السّدس وهو أقلّ من النّصف.
18) زوجة مع أخ لأمّ, فللزّوجة الرّبع بالفرض لعدم وجود الفرع الوارث, ولأخ لأمّ السّدس وهو أقلّ من الرّبع.
19) شقيقة مع عمّين شقيقين, فللشّقيقة النّصف وللعمّين الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
20) شقيقة مع عمّين لأب, فللشّقيقة النّصف و للعمّين للأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
21) شقيقة مع ابني عم لأب, فللشّقيقة النّصف ولابني العم لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع و هو أقلّ من النّصف.
22) شقيقة مع أخوين لأب, فللشّقيقة النّصف, وللأخوين لأب الباقي بالتّعصيب ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
23) زوج مع بنت و مع أب: أصل المسألة من اثني عشر ربعها للزّوج ثلاثة و نصفها للبنت ستّة, و سدسها اثنان للأب بالفرض, ويبقى واحد من اثني عشر يستحقّه الأب بالتّعصيب, فيصير نصيبه ثلاثة: وهنا يستحقّ كلّ من الأب والزّوج نصف نصيب البنت.
24) زوج مع بنت ومع عم: أصل المسألة من أربعة: ربعها للزّوج واحد, ونصفها للبنت اثنان و الباقي للعمّ بالتّعصيب وهو واحد, وهنا يصحّ للزّوج والعمّ نصف نصيب البنت.
25) زوجة مع أمّ مع شقيقين: أصل المسألة من اثني عشر, وتصحّ من أربع وعشرين, تأخذ الزّوجة الرّبع وهو ستّة, وتأخذ الأمّ السدس وهو أربعة , وتبقى أربعة عشر سهما للشّقيقين بالتّعصيب, يأخذ كلّ واحد منهما سبعة فيكون نصيب كلّ شقيق أقلّ من نصيب الزّوجة والأمّ .
فهذه الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل. وفيما يلي مثال توضيحيّ يفنّد مزاعم الحائرة والتّائهة والمتحاملة على شرع الله للتّحامل و لقناعاتها الإيديولوجية, ولكلّ من يبحث عن النّيل من قدسيّة القرآن العظيم, ومن عصمة نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.
مثال يعطي للبنت أكثر من الابن:
• ماتت امرأة و تركت زوجا و أبا و أمّا و بنتا, وتركة تقدّر بـ 156 دينارا, توزّع هذه التّركة على الورثة وفق هذا النّحو: الزّوج يأخذ الرّبع والأب يأخذ السّدس والأمّ تأخذ السّدس والبنت تأخذ النّصف, وهنا تعول المسألة من 12 إلى 13, ويكون مقدار السّهم الواحد مساو إلى 12 ونضربه في نصيب كلّ وارث
- فيأخذ الزّوج الرّبع أي 3 ×12=36 دينارا
- و يكون سهم الأب السّدس أي 2×12=24 دينارا
- وتأخذ الأم كذلك بنفس الطّريقة =24 دينارا
- وترث البنت النّصف أي 6×12=72 دينارا
12 13 156د
14 زوج
3 3 36د
1/6 أب
2 2 24د
1/6 أم
2 2 24د
½ بنت
6 6 72
ولو كان الابن محلّ البنت, سيرث أقلّ منها وصورة ذلك أنّه إذا ماتت امرأة و تركت زوجا وأبا وأمّا وابنا, سيكون فرض الزّوج الرّبع, ويأخذ الأب السّدس والأمّ أيضا السّدس ويرث الابن الباقي بالتّعصيب, وبما أنّ مقدار التّركة التي خلّفتها المرأة الهالكة=156 دينارا, سنجد أنّ الأب يرث الرّبع من أصل 12 أي3, والأب السّدس من12 أي 2, والأمّ كذلك و يبقى للابن 5 من 12 وهذا جدول توضيحي لهذه الفريضة.
12 156
¼ زوج
3 39د
1/6 الأب
2 26د
1/6 الأم
2 26د
التّعصيب للابن أي الباقي
5 65د
فالبنت ورثت 72 دينارا والابن أخذ 65 دينارا, فرغم أنّ البنت ليست مطالبة بالنّفقة ونجدها ترث أكثر من أخيها الابن, هذا دليل يلجم أفواه من يدّعي أنّ الإسلام ظلم المرأة ولم يعطها حقّها, وطالب بإلغاء النّصّ الشّرعي المنادي بإعطاء الذّكر ضعف الأنثى . هذا التّقسيم بين أبناء الصّلب ثابت بإجماع علماء الإسلام قديما وحديثا, جاء في كتاب "الإقناع في مسائل الإجماع" قول صاحبه: "جعل الله تبارك وتعالى مال الميّت بين جميع ولده للذّكر مثل حظّ الأنثيين, إذا لم يكن معهم أحد من أصحاب الفروض, فإذا كان معهم من له فرض معلوم بُدئ بفرضه فأُعطيه, وجعل الفاضل من المال بين الولد للذّكر مثل حظّ الأنثيين, وهذا ممّا أجمع عليه أهل العلم.
الإحالات:
-1 مجلّة حقائق عدد 816 أوت 2001 ص22، 23
2- جريدة الصّباح: الجمعة 10 مارس 2006
3- هكذا، و الصّواب سناء ابن عاشور
4-هكذا، و الصّواب طبعا: المرأة و الرّجل
5-من السبت 7 إلى الجمعة 13 مارس 2009 ص 5
6- التّحرير و التّنوير: 3/154 وما بعدها ط دار السّلام مصر
7-العلوي: علي بن الشّريف: أبواب الدّخول لفهم علم الأصول: 37. 37 ط النّجاح الجديدة: المغرب1997
8-المادّة 14 من مجلّة الأحكام العدليّة العثمانيّة
9- الزّرقا, أحمد: شرح القواعد الفقهيّة: 147 : دار القلم, دمشق: 1989
10- المحمود, عبد الله بن زيد. حكمة التّفاضل في الميراث بين الذّكور والإناث, ص 11: المكتب الإسلامي: 1986
11- التّيساوي أمال: حظّ المرأة في الميراث: رسالة ختم الماجستير المهني: شعبة قسم الفريضة: المعهد العالي لأصول الدّين 2007: 136-137 بإشراف الدكتور محمد بوزغيبة.
12-الصّابوني, محمد علي: المواريث في الشّريعة الإسلاميّة في ضوء الكتاب و السنّة دار القلم دمشق: 1989
13-التّيساوي: م.س: 138-139
14- همبر: محمد عبد المنعم: التّفاضل في الميراث في الإسلام: رسالة ختم الماجستير المهني: شعبة قسم الفريضة: المعهد العالي لأصول الدّين: 2008: 40-41. بإشراف الدكتور محمد بوزغيبة
15-التّيساوي, أمال: م.س:174 وما بعدها
16-القطّان, أبو الحسن عليّ: الإقناع في مسائل الإجماع: دار القلم دمشق: 3/1409,ط:2003[/color]
تقديم:
ما انفكّت النّخب الليّبراليّة والسّياسيّة تتفنّن في النّيل من النّصّ الدّيني الشّرعي (القرآن و السنّة النّبويّة) تحت غطاء التّطوّر والحداثة والضّرورة الحياتيّة و الاتفاقيات الدّوليّة... ضاربة عرض الحائط قداسة النّصّ الشّرعي لمّا يكون قطعيّ الدّلالة و الثّبوت، فنقرأ في هذه الأيّام من يريد أن يضغط على السّلطة لفرض المساواة في الميراث بين الجنسين ، أو لفسح مجال التّوارث بين أهل الدّيانات. ونقرأ و نسمع في نفس الفترة انتقادات للنّخبة الفكريّة الدينيّة لصمتها وعدم توضيح رأي الشّرع في هذه المسائل .
*النّخب الدّينيّة و الإعلام:
رغم القرارات السّياسيّة الدّاعية إلى ضرورة الارتقاء بالإعلام المكتوب وتقديم الرّأي والرّأي الآخر دون ثلب أو تهجّم, بل بالاعتماد على الدليل والبرهان. على أن يكون النّقد والتعليق أو التّوضيح بأسلوب حضاريّ, إلاّ أنّ بعض الوسائل الإعلاميّة ترفض نشر آراء وأطروحات أهل الاختصاص في الشّريعة الإسلاميّة, وتمكّن بقيّة النّخب من نشر أفكارهم دون رقابة.
وللتّاريخ فإنّي من بين الباحثين الذين منعت آراؤهم وتعليقاتهم من النّشر في أكثر من صحيفة أو مجلّة, وعلى سبيل المثال لا الحصر اتّصلت بي مجلّة تونسيّة لتقديم وجهة نظري بصفتي التّخصّصيّة (رئيس وحدة فقهاء تونس بجامعة الزّيتونة) حول موضوع الزّواج المثلي واللّواط والسّحاق والضجّة الإعلاميّة التي أحدثها كتاب " حيرة مسلمة", ولقد غطّت قراءتي للقضية سبع صفحات وجاءت وعود متكرّرة بنشر وجهة نظري, إلاّ أنّ المجلّة تنشر كلّ الآراء المؤيّدة لصاحبة الكتاب ولم تنشر الحوار الذي تمّ معي, مع أنّي ترفّعت عن التّعليق عن الكتاب وركّزت كلامي على رأي الشّرع في المسائل آنفة الذّكر ـ وللتّاريخ فإنّي أحتفظ بنسخة مصوّرة من الحوارـ وما خفي كان أعظم. ورغم ذلك أرجو لكلمتي هذه أن ترى النّور لتثري الحوار الأكاديمي بين النّخب التّونسيّة وسأضمّنها رأي الشّرع في عدم المساواة في الميراث, ثمّ رأيه في عدم التّوارث بين أهل ملّتين.
*قضيّة عدم المساواة في الميراث:
منذ أن تأسّست جمعيّة النّساء الدّيمقراطيات, وعضواتها تحاولن الضّغط على المشرّع التّونسي لينقّح الفصل 103 وما بعده. ونصّ هذا الفصل:
" بنات الصّلب لهنّ أحوال ثلاث:
1 ـ النّصف للواحدة إذا انفردت
2ـ والثّلثان للاثنين فصاعدا,
3ـ والإرث بتعصيب أخيّهنّ لهنّ للذّكر مثل حظّ الأنثيين".
فنشرت مقالا على صفحات مجلّة "حقائق" تحت عنوان: "حول المساواة في الميراث: لا اجتهاد مع النّصّ". وممّا جاء في خاتمة هذا المقال: "للذّكر مثل حظّ الأنثيين وكفى, ولو أرادت نساؤنا الدّيمقراطيات طرح قضايا تعود بالنّفع على المجموعة, فعليهنّ أن يقترحن مثلا بعض الجزئيات الجريئة التي لم يصدر فيها نصّ قطعيّ في مجال المواريث مثل إرث العمّة وإرث الخالة عند الجمهور...أو يقترحن فتح ملفّ جوهريّ مثل توقيت شغل المرأة, أمّا أن تنظر المرأة للجنس المكمّل لها نظرة عدائيّة وتعتبر الزّواج حربا ضروسا بين الرّجل والمرأة, فالنّصّ المقدّس يقول صراحة: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها, وجعل بينكم مودّة و رحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون﴾
و بعد بضعة سنين, وبمناسبة الاحتفاء بخمسينيّة مجلّة الأحوال الشّخصيّة (1956ـ2006). تطالعنا جريدة الصّباح بآراء بعض المثقّفات و معهنّ الأستاذ ساسي بن حليمة, وطالب الجميع بضرورة تنقيح الفصل 103 آنف الذّكر, فنشرت مقالا على صفحات نفس الجريدة بعنوان: "يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين: نصّ قطعي لا مجال للاجتهاد فيه". ذكرت في التّقديم الكلمة التّالية: "كلّما تقترب مناسبة الاحتفاء بمجلّة الأحوال الشخصيّة التّونسيّة, تتعالى أصوات اللّيبراليين واليساريين منادية بالمساواة في الميراث بين الجنسين, وبعدم التّقيّد بالنّصّ الشّرعي قطعيّ الدّلالة, وذلك باسم التّطوّر والتّحرّر والحداثة وما بعدها, إلاّ أنّ المشرّع التّونسي تمسّك بما ورد في كتاب الله العزيز وقال صراحة: " لا اجتهاد مع النّصّ الشّرعي قطعيّ الدّلالة "ثمّ تناولت المسألة في العناصر التّالية:
- مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة مجلّة فقهيّة.
- للذّكر مثل حظّ الأنثيين.
- لا مجال للاجتهاد في مورد النّصّ.
- الحكمة من تقسيم الميراث
وأخيرا وبمناسبة العيد العالمي للمرأة (8 مارس) تطالعنا إحدى الصّحف التّونسيّة, في صفحة "شؤون عالميّة " بعنوانين:
الأوّل: سناء بن عاشور تكسّر المحظور= براهين كريمة الشّيخ الفاضل لتحقيق المساواة في الإرث بين المرأة و الرّاجل
قدّمت الأستاذة سناء في ذكرى مائويّة والدها العلاّمة البحر محمّد الفاضل ابن عاشور - طيّب الله ثراه-(1909-2009) خمسة عشر برهانا دعت فيها إلى إلغاء قانون الإرث المعمول به حاليّا, وإقرار المساواة في الإرث بين الجنسين.
الثّاني: حزب الوحدة الشّعبيّة: من أجل قانون عاجل يضمن المساواة في الإرث بين الجنسين؟ جاء في خاتمة المقال: " هل تجرؤ المعارضة على تقديم مشروع قانون جديد في القريب العاجل، وقبيل 13 أوت القادم موعد الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التّونسيّة، حول إلغاء التّمييز في الإرث؟ وهل نشهد فاطمة وخديجة وعيشة وغيرهنّ يقتسمن الإرث بالتّساوي مع محمد وعلي والحبيب وسهيل وغيرهم .
وبعيدا عن الرّدود، سأقدّم مقصد الشّارع العزيز من تقسيم الميراث بين الابن والبنت للذكر مثل حظّ الأنثيين، ثمّ سأتناول الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل، والتي يجهلها كلّ من تطاول على النّصّ القرآني واتّهمه بإيثار الرّجل على المرأة، وأبدأ بالتوضيح.
*لا اجتهاد في النّصّ القطعي:
قال تعالى: ﴿هو الذّي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات﴾ [آل عمران:7].
قال الشّيخ ابن عاشور عند شرحه لهذه الآية الكريمة: أطلق المحكم في هذه الآية على واضح الدّلالة على سبيل الاستعارة لأنّ في وضوح الدّلالة منعا لتطرّق الاحتمالات الموجبة للتردّد في المراد. ثمّ نقل ما قاله ابن عبّاس عن المحكم:" المحكم ما لا تختلف فيه الشّرائع" وذكر صاحب المنار بأنّ المحكمات هنّ أمّ الكتاب أي أصله وعماده أو معظمه، وهذا ظاهر لا ينطبق على بعض الأقوال. وقال الإمام محمد عبده أنّ معنى ذلك أنّها هي الأصل الذي دعي النّاس إليه ويمكنهم أن يفهموها ويهتدوا بها, وعنها يتفرّع غيرها.
و لقد اختلف رجال الأصول في تعريف المحكم والمتشابه, وأحسن تعريف هو أنّ المحكم ماله دلالة واضحة, والمتشابه ماله دلالة غير واضحة. وقد عرّفوا أيضا المحكم بأنّه ما لا يحتمل من التّأويل ألاّ وجها واحدا, والمتشابه ما احتمل عدّة أوجه .
فالآية المحكمة واضحة الدّلالة و لا مجال للاجتهاد فيها, جاء في مجلّة الأحكام العدليّة قاعدة أصوليّة نصّها: "لا مساغ للاجتهاد في مورد النصّ" . قال الشّيخ أحمد الزّرقا عند شرحه لهذه القاعدة: "لأنّ الحكم الشّرعي حاصل بالنّصّ فلا حاجة لبذل الوسع في تحصيله, ولأنّ الاجتهاد ظنّي والحكم الحاصل به حاصل بظنّي بخلاف الحاصل بالنّصّ فإنّه يقيني ولا يترك اليقيني للظنّي.
و المراد بالنصّ الذي لا مساغ للاجتهاد فيه هو المفسّر المحكم, والمحكم هو ما أحكم المراد منه من غير احتمال تأويل ولا نسخ .
فلا اجتهاد في النّصّ الشّرعي قطعيّ الدّلالة والثّبوت. وإنّ الآية الكريمة: ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين ﴾. واضحة الدّلالة فهي نصّ قطعيّ لا مجال للاجتهاد فيه بالنّسخ أو التّبديل أو التّحريف أو التّحوير ...
فالآية تنادي بعدم المساواة في الميراث بين الجنسين, ولسائل أن يسأل: هل حابى الله تعالى الرّجل على المرأة وفضّله عليها, هل كان الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى معين من مخلوقاته, فآثر الرّجل ليوفّر له حاجته, تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
- إذن ما هي الحكمة من عدم المساواة وما هي مقاصد ذلك؟
- ثمّ ما هي الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل؟
- ثمّ ما هي الحالات التي تحجب فيها المرأة الرّجل حجب إسقاط؟
- وما هي الحالات التي يتساوى فيها الذّكور مع الإناث؟
تعالوا معي نفصّل هذه الحالات بلغة التخصّص وبعيدا عن الكلام العام الذي يهدف أهله إلى النّيل من النّصّ الشّرعي المقدّس, فنبدأ بكلمة حول علم المقاصد, ثمّ مقصد عدم المساواة:
* كلمة حول علم المقاصد:
يقول الله تعالى:﴿أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا و أنّكم إلينا لا ترجعون﴾
انطلاقا من هذه الآية الكريمة, يتبيّن لنا أنّ الشّريعة الإسلاميّة لم تأت عبثا, ولم يضع الشّارع الأحكام اعتباطا وعبثا, بل جيئت الأحكام التي حدّدها النّصّ التّأسيسي والحديث النّبوي, بمقاصد وعلل وحكم وغايات, تحت قواعد وضوابط محدّدة.
ومن بين هذه الأحكام التي نيطت بمقاصد وحكم - قسمة التّركات - لكن كيف يبلور هذا العلم, وكيف أرسى الفقهاء قواعده و ضوابطه, وهل هو علم مستقلّ بذاته كما يرى بعض الفقهاء, أو هو علم منبثق من علم أصول الفقه مثلما يرى الجمهور, هذا من جهة, ومن جهة ثانية ما هو مقصد الشّارع بعلم الميراث, ثمّ ما هو مقصد التّفاضل في الميراث؟
منذ نزول القرآن الكريم على رسوله الأمين صلّى الله عليه وسلّم, وآيات الكتاب العزيز تتعاقب على تأكيد ارتباط الأحكام الشّرعيّة الكلّي منها والجزئي, بالحكم والمصالح والمعاني والمباني التي تكفل سعادة الإنسان في عاجله وآجله ودنياه وآخرته. وتغدو هذه الحقيقة واضحة مستقرّة بتتبّع كثير من النّصوص التّشريعيّة التي تبيّن الصّلة الوثقى بين الأحكام والحكم, وتوضّح أنّ الأحكام الفقهيّة ما هي إلاّ وسائل لتحقيق مقاصد عليا, تتجسّد مصالح حيويّة واقعيّة في حال إقامتها و الامتثال بها.
فالآيات الخاصّة بالميراث على سبيل المثال, تبيّن من جهة ارتباط الأحكام الشّرعيّة بقانون الغاية, وتنفي من جهة أخرى قانون العبثيّة والفوضويّة والنّفعيّة في التّشريع ومن التّشريع.
ومثَل هذا السّنن العام الذي مضى عليه الشّارع في تشريعه, واستقرّ حقيقة ثابتة لا تقبل النّقض, يعكس معقوليّة الشّريعة الإسلاميّة, وتدعو المجتهدين إلى تبيّن هذه المقاصد والمعقوليّة, التي تمثّل الأساس الذي قام عليه البناء التّشريعي كلّه .
ومن هنا ظهر علم المقاصد الذي كان مبثوثا في أطروحات كبار الفقهاء, الذين استعملوا مصطلحات أخرى كالمصالح والمنافع والحكم والعلل والغايات…
ونجد ذلك مبثوثا في كتب الشّافعيّة بدءا برسالة الإمام الشّافعي والبرهان للجويني والمستصفى للغزالي وقواعد الأحكام في مصالح الأنام للعزّ بن عبد السّلام, أو في كتب المالكيّة كفروق شهاب الدّين القرافي, وموافقات الإمام الشّاطبي, وصولا إلى علاّمة القطر التّونسي الشّيخ الإمام محمد الطّاهر ابن عاشور. ولأصحاب المذاهب الأخرى فطاحل في علم المقاصد لا يسمح المقام لذكرهم…
والمقاصد الشّرعيّة هي جملة ما أراده الشّارع الحكيم من مصالح تترتّب على الأحكام الشّرعيّة, كمصلحة الزّواج التي هي إعمار الكون وإنجاب الذرّيّة وغضّ البصر والابتعاد عن الرّذيلة, ومصلحة المعاملات الماليّة أو المعاوضات التي هي حفظ المال وصيانته من الضّياع أو الرّكود والتّبذير أو الإسراف, والحثّ على الكسب الحلال والبحث على الرّزق والعمل وجعله قربة يثاب عليها صاحبها وإباحة البيوعات والإيجارات وكلّ ما يسهم بطريق مشروع في تبادل الأموال وترويجها بين النّاس, وتحريم المعاملات التي فيها غرر وضرر وغبن وغشّ وتوثيق العقود والدّيون وتشريع الرّهون ومصلحة قسمة التّركات لضمان حقوق الورثة الأيتام والصّغار والإناث وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه للإبقاء على التّماسك الأسري وغيرها... كلّ ذلك يندرج ضمن قاعدة مقاصديّة أساسيّة: درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
ومن مظاهر اعتبار الشّريعة الإسلاميّة للمصلحة, أنّها لم تكتف بتقرير مراتب المصالح الثّلاث: الضّروريات والحاجيات والتّحسينيات, وإنّما ألحقت بكلّ مرتبة من هذه المراتب مكمّلات توثّق إقامة المصلحة في الواقع وفي ا لوجود, وتؤكّد حكمتها واعتبارها, حيث إنّ فوات المصلحة المكمّلة يضعف من قوّة المصالح المكمّلة, فمقصد التّفاضل في الميراث انبثق عنه مقصد عدم المساواة في تقسيم التّركة بين الجنسين.
*مقصد عدم المساواة:
إنّ إعطاء المرأة نصف ما يعطى الذّكر في الميراث من القضايا التي تثار دوما بدعوى أنّ الشّرع ظلم المرأة ولم ينصفها وفضّل الرّجل عليها، وهذا لا يتناسب مع تطوّر المجتمع الحديث ما يجعل تغيير الأحكام المتعلّقة بميراث الذّكر والأنثى مطلبا ضروريّا, وهي دعوى مغرضة وحجّة واهية وذلك لعدّة اعتبارات:
1- إنّ الأحكام الدّينيّة ومنها المواريث تشريع إلهي, فالله سبحانه وتعالى هو الذي تولّى بيان المستحقّين لتركة الميّت ولم يتركها للبشر، قال تعالى: ﴿فريضة من الله إنّ الله كان عليما حكيما﴾ [النّساء:11] فهذا التّفضيل هو حكم الله تعالى, فلا يجوز لأحد أن يملك حقّ الزّيادة أو النّقصان أو التّغيير أو التّبديل.
2- إنّ القول بمساواة الذّكر والأنثى فيما فرض الله فيه التّفضيل, هو حكم جائر بحيث يلزم المسلمين بأن يتوارثوا الأموال بغير حقّ, ولئن كان الإسلام لا يعارض مبدأ التّطوير الذي يتماشى مع المقاصد الشّرعيّة والمصالح الإنسانيّة المعتبرة, فهو يعارض كلّ مطلب تطوير يسعى لتحريف الأحكام الشّرعيّة بجعل الحرام حلالا والواجب ليس بواجب, مثل ما فعله النّصارى حين أجازوا لعلمائهم القسّيسين أن يغيّروا الشّريعة كيفما شاءوا و اشتهوا, لأنّهم اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
3- إنّ إعطاء المرأة نصف نصيب الرّجل ليس قاعدة عامّة ولا حكما مطّردا في توريث كلّ الذّكور وكلّ الإناث, بل توجد في الميراث حالات كثيرة, تفضّل فيها الأنثى على الذّكر, وحالات يتساوى فيها الذّكر والأنثى .
4 - إنّ النّظرة المتعجّلة لقاعدة: "للذّكر مثل حظّ الأنثيين" توهم بأنّ في ذلك انتقاصا من شأن المرأة ,وهضما لحقّها كإنسان له حقوق متساوية مع الرّجل, لكنّ الواقع على خلاف ذلك, فالإسلام هو أبعد ما يكون عن أن يجعل من ذلك مبرّرا للنّظر إلى المرأة نظرة متدنّية, حيث إنّ السّبب الأساسي لهذه التّفرقة في الميراث يعود إلى الالتزامات التي تقع على كاهل كلّ من الرّجل والمرأة.
5- ضمن حكم عدم المساواة في الميراث، لأنّ الرّجل ملزم بالإنفاق على زوجته وعلى أفراد أسرته, وفي الوقت نفسه لا يلزم الإسلام المرأة بأيّة التزامات ماليّة لغيرها .
فإذا قمنا بعمليّة حسابيّة بسيطة, لرأينا أنّ المرأة عندما تأخذ نصف ما يأخذه الرّجل من الميراث, فإنّها تكون بذلك في وضع ماليّ أفضل من وضع الرّجل لكون ما يأخذه الرّجل يجب عليه شرعا أن ينفق منه على زوجته وأسرته من البنين والبنات, وعلى أمّه و أبيه إذا ما لم يكن لهما مورد رزق, وعلى إخوته إذا لم يكن لهنّ عائل.
و معنى هذا أنّ ما يأخذه الرّجل من ميراث, إنّما يكون في حقيقة الأمر في تناقص مستمرّ بسبب هذه الالتزامات الكثيرة.
أمّا المرأة فإنّها لا تسأل إلاّ عن نفسها, وهي حرّة في ميراثها, حيث تستطيع أن تنمّيه في استقلال تامّ عن الرّجل, وليس عليها أيّة التزامات ماليّة تجاه أفراد الأسرة, وإنّما زوجها هو الملزم بنفقتها حتّى و لو كانت ذات ثراء, وهذا يعني أنّ ميراثها سيكون في ازدياد مستمر.
لقد شرّع الله تعالى العمل وفق هذه القاعدة بالنّظر إلى كون المرأة مكتفية المؤنة والحاجة, فنفقتها واجبة على أبيها وأخيها أو غيرهم من الأقارب ونفقات الرّجل أكثر والتزاماته الماليّة أضخم, وبالتالي فإنّ حاجته إلى المال تكون أكبر من حاجة المرأة إليه, فهو الذي يتولّى دفع مهر الزّوجة ويكلّف علاوة عن ذلك بدفع نفقة المسكن, وبالطّعام و الملبس للزّوجة وللأولاد فيما بعد, والرّجل ملزم بدفع أجور التّعليم للأولاد وتكاليف العلاج والدّواء للزّوجة والأبناء بدفعها هو وحده دون المرأة .
وأضافت الباحثة آمال التيساوي قولها: ولو أنّ المتعجّل للأمور أمعن النّظر واستنبط الحقائق, لما جاز له أن يعتبر أنّ الإسلام قد ظلم المرأة ولم ينصفها في حقّها من الميراث, باعتبار أنّه ليس هناك ظلم أو إنقاص من شأنها, بل إنّ العكس هو الصّحيح, وكفّة الميراث هنا تميل لصالح المرأة أكثر من بني جنسها من الرّجال باعتبار كون المصاريف والنّفقات متعدّدة, والاحتياجات متزايدة من يوم إلى آخر و مختلفة من شخص لآخر ، وهي كلّها على كاهل الرّجل قد كلّفته بها الشّريعة الإسلاميّة, وبأمر الحكيم العليم بعباده انطلاقا من قوله جلّ ثناؤه: ﴿لينفق ذو سعة من سعته, ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله﴾ [الطلاق: 7]
ثمّ قالت بعد استشهادها بهذه الآية الكريمة: "فهذه النّظرة الخاطفة تبيّن لنا حكمة الله الجليلة في التّفريق بين نصيب الذّكر و الأنثى, فلمّا كانت النّفقات على الشّخص أكثر والالتزامات عليه أكبر وأضخم, استحقّ هو في مقابل ذلك بمنطق العدل والإنصاف أن يكون نصيبه أكثر وأوفر.
ومع أنّ الإسلام أعطى للذّكر ضعف الأنثى, فإنّه مع ذلك غمر المرأة برحمته وفضله العظيم, وأعطاها فوق ما كانت تتصوّر, فهي والحالة هذه مرفّهة ومنعّمة أكثر من الرّجل, لأنّها تشاركه في الإرث دون أن تتحمّل شيئا من التّبعات.
فهي التّي تأخذ ولا تعطي، تغنم ولا تغرم وتدّخر دون أن تدفع شيئا من النّفقات، أو تشارك الرّجل في تكاليف الحياة ومتطلّباتها. والشّريعة الإسلامية لا توجب على المرأة كذلك أن تنفق شيئا من مالها حتّى على نفسها أو على أولادها مهما كانت غنيّة ميسورة مع وجود الزّوج، لأنّه هو المكلّف بالنّفقة عليها وعلى جميع الأولاد في السّكن والمطعم والملبس، كما في قوله تعالى: ﴿وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف﴾ (البقرة :233).
ثمّ قدّمت الباحثة آمال التّيساوي مثالا تقريبيّا بيّنت فيه حكمة الشّارع في التّفريق بين ميراث الذّكر والأنثى: "هلك هالك وترك ابنا وبنتا، وقيمة التّركة تقدّر بثلاثة آلاف دينار، واستنادا إلى القاعدة المعمول بها في الميراث يأخذ الابن سهمين وتأخذ البنت سهما واحدا.
وإذا أراد الابن أن يتزوّج، فإنّه سيدفع المهر لزوجته، ولنفترض أنّ المهر مقدّر بألفي دينار، فسيدفع الابن كلّ ما ورثه من أبيه مهرا لزوجته، فلن يبقى معه شيء، ثمّ يكلّف بعد الزّواج بكلّ النّفقات...
أمّا البنت فإنّها إذا أرادت أن تتزوّج فهي تأخذ المهر من الزّوج ولنفرض أنّه ألفا دينار فهي قد ورثت ألف دينار من أبيها وأخذت ألفي دينار مهرا من زوجها فأصبح مجموع ما لديها ثلاثة آلاف دينار، ثمّ إنّها لا تكلّف بإنفاق شيء من مالها مهما كانت غنية لأنّ نفقتها أصبحت على زوجها. فهو الوحيد القادر على النّفقة، وهو المكلف والملزم بتأمين السّكن لها والإنفاق عليها ما دامت في عصمته، فمالها زاد وماله نقص، وما ورثته من أبيها بقي وما ورثه هو عن أبيه ذهب وضاع على حدّ عبارة الشّيخ محمد علي الصّابوني.. ومن الذّي يكون أسعد حالا وأكثر وأوفر حظّا من الآخر: الذّكر أم الأنثى؟ ومن الذي ينعّم ويرفّه أكثر الذّكر أم الأنثى؟
ولتأكيد العدل الإلهي عند قسمة التّركات, حدّد الفقهاء الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل:
الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل:
حدّد الباحث محمد عبد المنعم همبر في رسالته:" التّفاضل في الميراث في الإسلام" نقلا عن الشّيخ فتحي العبيدي وغيره, الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل, وحصرها في 25 حالة:
1) بنت مع زوج, فللبنت النّصف لانفرادها, وللزّوج الرّبع لوجود الفرع الوارث وهو أقلّ من النّصف.
2) بنت ابن مع زوج, فلبنت الابن النّصف, وللزّوج الرّبع لوجود الفرع الوارث وهو أقلّ من النّصف.
3) بنت مع شقيقين, فللبنت النّصف وللشّقيقين الباقي بالتّعصيب, و يصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
4) بنت مع أخوين لأب, فللبنت النّصف, وللأخوين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
5) بنت مع ابني أخوين شقيقين, فللبنت النّصف, ولابني الأخوين الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
6) بنت مع عمّين شقيقين, فللبنت النّصف, وللعمّين الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منها الرّبع وهو أقلّ من النّصف
7) بنت مع عمّين لأب, فللبنت النّصف وللعمّين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
بنت مع ابني عم شقيقين, فللبنت النّصف, ولابني عم الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
9) بنت مع ابني عم لأب, فللبنت النّصف, ولابني العم لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
10) بنت ابن مع شقيقين, فلبنت الابن النّصف, وللشقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
11) بنت ابن مع أخوين لأب, فلبنت الابن النّصف و للأخوين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
12) بنت ابن مع عمّين لأب, فلبنت الابن النّصف وللعمّين لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منها الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
13) بنت ابن مع ابني عم شقيق, فلبنت الابن النّصف, ولابني العم الشّقيق الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منها الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
14) بنتان مع أمّ و مع أب: أصل المسألة من ستّة, ثلثاها أربعة: اثنان لكلّ بنت, وسدسها واحد لأمّ وسدسها واحد لأب بالفرض, ولم يبق له شيء, وهنا يأخذ الأب ربع نصيب البنتين.
15) أمّ مع أخ لأمّ, فللأمّ الثّلث لعدم وجود الفرع الوارث, واثنين مع الإخوة على الأقلّ, وللأخ لأمّ السّدس لإنفراده وهو أقلّ من الثّلث.
16) شقيقة مع أخ لأمّ, فللشّقيقة النّصف بالفرض لانفرادها, وللأخ لأمّ السّدس وهو أقلّ من النّصف.
17) أخت لأب مع أخ لأمّ, فللأخت لأب النّصف بالفرض لانفرادها, وللأخ لأمّ السّدس وهو أقلّ من النّصف.
18) زوجة مع أخ لأمّ, فللزّوجة الرّبع بالفرض لعدم وجود الفرع الوارث, ولأخ لأمّ السّدس وهو أقلّ من الرّبع.
19) شقيقة مع عمّين شقيقين, فللشّقيقة النّصف وللعمّين الشّقيقين الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
20) شقيقة مع عمّين لأب, فللشّقيقة النّصف و للعمّين للأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
21) شقيقة مع ابني عم لأب, فللشّقيقة النّصف ولابني العم لأب الباقي بالتّعصيب, ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع و هو أقلّ من النّصف.
22) شقيقة مع أخوين لأب, فللشّقيقة النّصف, وللأخوين لأب الباقي بالتّعصيب ويصحّ لكلّ واحد منهما الرّبع وهو أقلّ من النّصف.
23) زوج مع بنت و مع أب: أصل المسألة من اثني عشر ربعها للزّوج ثلاثة و نصفها للبنت ستّة, و سدسها اثنان للأب بالفرض, ويبقى واحد من اثني عشر يستحقّه الأب بالتّعصيب, فيصير نصيبه ثلاثة: وهنا يستحقّ كلّ من الأب والزّوج نصف نصيب البنت.
24) زوج مع بنت ومع عم: أصل المسألة من أربعة: ربعها للزّوج واحد, ونصفها للبنت اثنان و الباقي للعمّ بالتّعصيب وهو واحد, وهنا يصحّ للزّوج والعمّ نصف نصيب البنت.
25) زوجة مع أمّ مع شقيقين: أصل المسألة من اثني عشر, وتصحّ من أربع وعشرين, تأخذ الزّوجة الرّبع وهو ستّة, وتأخذ الأمّ السدس وهو أربعة , وتبقى أربعة عشر سهما للشّقيقين بالتّعصيب, يأخذ كلّ واحد منهما سبعة فيكون نصيب كلّ شقيق أقلّ من نصيب الزّوجة والأمّ .
فهذه الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرّجل. وفيما يلي مثال توضيحيّ يفنّد مزاعم الحائرة والتّائهة والمتحاملة على شرع الله للتّحامل و لقناعاتها الإيديولوجية, ولكلّ من يبحث عن النّيل من قدسيّة القرآن العظيم, ومن عصمة نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.
مثال يعطي للبنت أكثر من الابن:
• ماتت امرأة و تركت زوجا و أبا و أمّا و بنتا, وتركة تقدّر بـ 156 دينارا, توزّع هذه التّركة على الورثة وفق هذا النّحو: الزّوج يأخذ الرّبع والأب يأخذ السّدس والأمّ تأخذ السّدس والبنت تأخذ النّصف, وهنا تعول المسألة من 12 إلى 13, ويكون مقدار السّهم الواحد مساو إلى 12 ونضربه في نصيب كلّ وارث
- فيأخذ الزّوج الرّبع أي 3 ×12=36 دينارا
- و يكون سهم الأب السّدس أي 2×12=24 دينارا
- وتأخذ الأم كذلك بنفس الطّريقة =24 دينارا
- وترث البنت النّصف أي 6×12=72 دينارا
12 13 156د
14 زوج
3 3 36د
1/6 أب
2 2 24د
1/6 أم
2 2 24د
½ بنت
6 6 72
ولو كان الابن محلّ البنت, سيرث أقلّ منها وصورة ذلك أنّه إذا ماتت امرأة و تركت زوجا وأبا وأمّا وابنا, سيكون فرض الزّوج الرّبع, ويأخذ الأب السّدس والأمّ أيضا السّدس ويرث الابن الباقي بالتّعصيب, وبما أنّ مقدار التّركة التي خلّفتها المرأة الهالكة=156 دينارا, سنجد أنّ الأب يرث الرّبع من أصل 12 أي3, والأب السّدس من12 أي 2, والأمّ كذلك و يبقى للابن 5 من 12 وهذا جدول توضيحي لهذه الفريضة.
12 156
¼ زوج
3 39د
1/6 الأب
2 26د
1/6 الأم
2 26د
التّعصيب للابن أي الباقي
5 65د
فالبنت ورثت 72 دينارا والابن أخذ 65 دينارا, فرغم أنّ البنت ليست مطالبة بالنّفقة ونجدها ترث أكثر من أخيها الابن, هذا دليل يلجم أفواه من يدّعي أنّ الإسلام ظلم المرأة ولم يعطها حقّها, وطالب بإلغاء النّصّ الشّرعي المنادي بإعطاء الذّكر ضعف الأنثى . هذا التّقسيم بين أبناء الصّلب ثابت بإجماع علماء الإسلام قديما وحديثا, جاء في كتاب "الإقناع في مسائل الإجماع" قول صاحبه: "جعل الله تبارك وتعالى مال الميّت بين جميع ولده للذّكر مثل حظّ الأنثيين, إذا لم يكن معهم أحد من أصحاب الفروض, فإذا كان معهم من له فرض معلوم بُدئ بفرضه فأُعطيه, وجعل الفاضل من المال بين الولد للذّكر مثل حظّ الأنثيين, وهذا ممّا أجمع عليه أهل العلم.
الإحالات:
-1 مجلّة حقائق عدد 816 أوت 2001 ص22، 23
2- جريدة الصّباح: الجمعة 10 مارس 2006
3- هكذا، و الصّواب سناء ابن عاشور
4-هكذا، و الصّواب طبعا: المرأة و الرّجل
5-من السبت 7 إلى الجمعة 13 مارس 2009 ص 5
6- التّحرير و التّنوير: 3/154 وما بعدها ط دار السّلام مصر
7-العلوي: علي بن الشّريف: أبواب الدّخول لفهم علم الأصول: 37. 37 ط النّجاح الجديدة: المغرب1997
8-المادّة 14 من مجلّة الأحكام العدليّة العثمانيّة
9- الزّرقا, أحمد: شرح القواعد الفقهيّة: 147 : دار القلم, دمشق: 1989
10- المحمود, عبد الله بن زيد. حكمة التّفاضل في الميراث بين الذّكور والإناث, ص 11: المكتب الإسلامي: 1986
11- التّيساوي أمال: حظّ المرأة في الميراث: رسالة ختم الماجستير المهني: شعبة قسم الفريضة: المعهد العالي لأصول الدّين 2007: 136-137 بإشراف الدكتور محمد بوزغيبة.
12-الصّابوني, محمد علي: المواريث في الشّريعة الإسلاميّة في ضوء الكتاب و السنّة دار القلم دمشق: 1989
13-التّيساوي: م.س: 138-139
14- همبر: محمد عبد المنعم: التّفاضل في الميراث في الإسلام: رسالة ختم الماجستير المهني: شعبة قسم الفريضة: المعهد العالي لأصول الدّين: 2008: 40-41. بإشراف الدكتور محمد بوزغيبة
15-التّيساوي, أمال: م.س:174 وما بعدها
16-القطّان, أبو الحسن عليّ: الإقناع في مسائل الإجماع: دار القلم دمشق: 3/1409,ط:2003[/color]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت مايو 21, 2011 12:37 am من طرف Admin
» خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
السبت مايو 21, 2011 12:32 am من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
الجمعة مايو 20, 2011 10:10 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
الجمعة مايو 20, 2011 10:00 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
الجمعة مايو 20, 2011 9:17 pm من طرف Admin
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 9:08 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:50 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:21 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
الجمعة مايو 20, 2011 7:38 pm من طرف Admin