تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
صفحة 1 من اصل 1
تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
المبحث الثالث
الأحرف في قراءته و إقرائه وقراءة الصحابة وإقرائهم
المطلب الأول:أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف
تـمهيد:
لقد كان للعرب لهجات شتى تختلف في جرسها وأصواتها وحروفها بحسب لسان كل قبيلة.
وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغتها ورقة لسانها، إذا أتتها الوفود من العرب تخيّرت من كلامها وأشعارها أجود لغاتها وأصفى كلامها، فاجتمع ما تخيرت من تلك اللغات إلى سليقتها التي جبلت عليها فصارت بذلك أفصح العرب، وأفضلها لسانا وأعذبها منطقا، فكان طبيعيا أن يتنزل القرآن أول ما يتنزل بلغة قريش.
ولما توافد الناس على الإسلام وانتقل القرآن إلى القبائل المجاورة، كانت الضرورة تستدعي أن يخاطب هؤلاء ببعض ما ألفوا من لهجات ولغات، رفعا للحرج وتيسيرا للفهم والقراءة والحفظ، وكانت رحمة الله بهذه الأمة أن أنزل القرآن على سبعة أحرف تأليفا للعرب وتحقيقا لإعجاز القرآن حين يسقط في أيديهم أن يأتوا بمثله أو بسورة منه.
وقد جاء في السنة المطهرة عدة أحاديث كلها تتناول موضوع نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف
الرواية الأولى:
عن أبى كعب قال: « كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله ، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبة، فأمرهما رسول الله فقرآ، فحسن النبي شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ، فلما رأى رسول الله ما قد غشيني ضرب في صدري ففظت عرقا وكأني أنظر إلى الله عزّ وجلّ فقال لي يا أبي، أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددت أن هوّن على أمتي، فردّ إلي الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فردّ إلى الثالثة:اقرأه على سبعة أحرف،فلك بكل ردّة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي،وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى. إبراهيم «
الرواية الثانية:
وعن أبي بن كعب أن النبي كان عند إضاءة بني غفار ، قال: فأتاه جبريل فقال: « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتان الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاث أحرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيّما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا » .
الرواية الثالثة:
وعن أبي كعب قال: لقي رسول الله جبريل فقال: « يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ والغلام والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال:يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف » .
الرواية الرابعة:
عن أبي بكرة أن جبريل قال: « يا محمد، اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل استزده، فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك:تعال وأقبل وهلمّ واذهب وأسرع وأعجل ».
الرواية الخامسة:
عن أبي طلحة قال: « قرأ رجل عند عمر فغيّر عليه، فقال قرأت على رسول الله ولم يغيّر عليّ، قال فاجتمعنا عند رسول الله قال فقرأ أحدهما على النبي ، فقال له أحسنت، قال فكان عمر وجد في نفسه من ذلك، فقال النبي : يا عمر أن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ».
الرواية السادسة:
عن جندب بن عبد الله قال: قال النبي « إقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه » .
الرواية السابعة:
عن عمر بن الخطاب أنه قال: « سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على أحرف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله … إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ».
نكتفي بهذا القدر من الروايات، وقد تعمدنا انتقاء أجمع الأحاديث وأبلغها في الدلالة على المعاني المتعلقة بهذا المبحث الشائك.
ذكر السيوطي أنه قد روى هذا الحديث جمع من الصحابة وعد منهم واحدا وعشرين صحابيا: وهم أبي كعب، وانس، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وسمرة بن جندب، وسليمان بن حرد وابن عباس وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن أبي سلمة، وعمر بن العاص، ومعاذ بن جبل، وهشام بن حكيم، وأبو بكرة وأبو جهيم وأبو سعيد الخذري، وأبو طلحة الأنصاري، وأبو هريرة، وأم أيوب . وقد نص أبو عبيده على تواتره.
ما يستفاد من هذه الروايات:
1- أن هذه التوسعة إنما كانت في الألفاظ ولم تكن في المعاني ولا الأحكام، وأنها كانت في المعنى الواحد يقرأ بألفاظ مختلفة دلّ عليه قول النبي لكل من المختلفين « كلاكما محسن » .
2- أن هذه التوسعة والإباحة في اختيار أي حرف من الحروف السبعة إنما كانت في حدود ما نزل به جبريل وما سمعه الصحابة من النبي إذ لم يكن للرأي فيها مجال، بدليل قول الصحابي: « أقرأنيها رسول الله « وكذا تعقيب النبي على كل قراءة بقوله: « هكذا أنزلت »
3-أن نزول القرآن على حرف واحد، فيه مشقة للأمة العربية، من أجل ذلك حرص النبي على الاستزادة من الحروف حتى بلغت سبعة حروف.
4- أن النبي لم يكن يقرئ كل واحد من أصحابه جميع الحروف وإنما كان يقرئ بعضهم حرفا أو أكثر ويقرئ الآخر غير ما يقرئ الأول.
5- أن الاختلاف بين الأحرف ، اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وكله حق وصواب، وأن المرجع في اختلاف القراءات هو الرسول .
6- أن هذه الرخصة لم تكن في بداية الدعوة، بل كانت بعد الهجرة وبعد أن توافد الناس من غير قريش على الإسلام ، دل عليه حديث مسلم « .. إن النبي كان عند أضاءة بني عفار … » و أضاءة بني غفار بالمدينة.
7- أن النبي لم يوجب على الأمة استيعاب جميع الأحرف، وإنما خيرها في القراءة بأي حرف شاءت بدليل قوله « فاقرؤوا ما تيسر منه » .
9- أن نزول الأحرف لم يكن دفعة واحدة وإنما كان على فترات وتنزلات دل عليها حرف العطف الذي يفيد التراخي كما في حديث أبي « ثم جاء الثانية … ثم جاء الثالثة.. ثم » .
10- لا تجوز القراءة بلفظ لم ينزله الله تعالى ولو أدى معنى صحيحا في ذاته، أو كان مع ذلك مرادفا للفظ أنزله الله تعالى، ولو كانت صحة معنى اللفظ في ذاته تكفي لجواز القراءة به ولو لم يكن منزلا من عند الله تعالى، لصرح النبي بذلك لمن اختلفوا في أمر القراءة وتحاكموا إليه، ولكنه لم يصرح بذلك مطلقا مع تعدد حوادث الاختلاف في القراءة بين الصحابة وتعدد رفع الأمر إليه، بل كان في كل مرة يحتج لجواز القراءة بأنها هكذا أنزلت، لا بمجرد كونها صحيحة المعنى أو مرادفة لقراءة أخرى منزلة.
11- ما كان من اليقظة والحرص البالغ على القرآن الكريم وصيانته من التحريف والتبديل، وحسبنا شاهدا على هذا ما كان من سيدنا عمر مع هشام بن حكيم، حتى همّ أن يأخذ بتلابيبه وهو في الصلاة.
المطلب الثاني: أقوال العلماء في المراد بالأحرف
أولا: معنى الحرف في اللغة
يطلق الحرف في اللغة ويراد به عدة معان، هذه أشهرها:
1-الحرف : ويراد به الطريقة، يقال هو من أمره على طريقة واحدة أو على حرف واحد.
قال تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ الحج 11 أي على وجه واحد .
2-ويطـلق الـحرف ويـراد بـه اللـغة، دل عـليه قـول عـثمان للـرهط القـريشيين الثـلاثة « إذا اخـتلفتم انـتم وزيـد بن ثـابت في شيء من القرآن فاكتبوه بـلسان قـريش فإنما نـزل بـلسانهم » ، واللسـان هو اللغة ومنه قوله عز و جلّ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِابراهيم4 أي بلغتهم .
3 - وكل كلمة في القرآن تقرأ على وجوه تسمى حرفا، تقول هذا حرف ابن مسعود .
4-وحرف كل شيء طرفه وشفيره وحده، ومنه حرف الجبل وهوأعلاه المحدد .
5- والحرف مـن الإبل النـجية الـماضية الـتي أضنـتها الأسفار، وقـيل هـي الصـلبة شبـهت بـحرف الـجبل في شدتها وصلابتها .
6-الحرف: الأداة التي تسمى الرابطة لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل كعن وعلى ونحوهما .
هذا مجمل ما جاء في معنى الحرف عند اللغويين، فما المراد به في الأحاديث السابقة ؟
ثانيا: معنى الحرف في الاصطلاح
اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة وتشعبت أقوالهم حتى بلغت أربعين قولا وحصرها القرطبي في خمسة وثلاثين قولا، منها ما يصلح للاعتبار والنظر ومنها ما ذكر من غير دليل ولا برهان .
ولم تزل مسألة الأحرف بين أخذ ورد لدى العلماء، اضطربت فيها الأقوال اضطرابا شديدا حتى وصفها بعضهم بأنها من المتشابه الذي لا يدرك معناه.
فلا يكاد الباحث في هذه المسألة يرجح رأيا حتى يتعقبه غيره بترجيح آخر، وأيّا كان الأمر، فإننا سنقتصر على ذكر المختار منها ،ونناقش كل قول مناقشة علمية على ضوء ما قدمنا من روايات، آخذين بعين الاعتبار تلك الأصول التسعة التي استخلصناها من الأحاديث السابقة، لتكون المساعد الأول في ترجيح المذهب المختار.
القول الأول:
أن لفظ الأحرف في الحديث هو من المتشابه الذي لا يدرى معناه.
وإلى هذا القول ذهب السيوطي حيث قال: " في المراد به أكثر من ثلاثين قولا حكيتها في الإتقان والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدرى تأويله "
القول الثاني:
أن لفظ سبعة في الحديث لا يراد به حقيقة العدد، بل المراد التسهيل والسعة والتيسير .
وإلى هذا القول ذهب القاضي عياض رحمه الله ، ومن المعاصرين الشيخ جمال الدين القاسمي .
القول الثالث:
أن المراد بالأحرف سبع قراءات ، حـكي هذا القول عن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ونسبة الباقلاني إلى قوم دون أن يعينهم .
القول الرابع:
أن المراد بالأحرف، سبعة وجوه يرجع إليها اختلاف القراءات.
وقد ذهب إلى هذا القول أبو حاتم السجستاني ، وابن قتيبة وأبو طاهـر بن أبي هـشام وأبو بكر الباقلاني وأبو الفضل الـرازي وأبو الحـسن السـخاوي وابن الجـزري وسـبقهم جمـيعا إلى نـحو مـنه أبو العـباس أحمد بن واصل .
القول الخامس:
أن المراد بالأحرف سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن.
فمعنى أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن، فيعبر عن المعنى فيه بعبارة قريش مرة، ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ .
وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وثعلب .
القول السادس:
أن المراد بالأحرف السبعة، أسماء الله عز وجلّ.
مثل: (الغفور الرحيم )، ( الحكيم العليم )، (السميع البصير )،فبإمكان القارئ إبدال (غفور رحيم )، (بـ سميع بصير )، وهكذا .
القول السابع:
المراد سبعة أصناف من الكلام.
واختلف القائلون بذلك اختلافا واسعا حتى بلغت خمسة وثلاثين قولا ، نكتفي بذكر بعضها.
الأول: وعد ووعيد، حلال وحرام، ومواعظ وأمثال، واحتجاج
الثاني: حلال وحرام، وأمر ونهي وزجر وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال
الثالث: أمر وزجر، وترغيب وترهيب، وجدل وقصص، ومثل
الرابع: محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخصوص وعموم، وقصص
الخامس: أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار
السادس: أمر ونهي، وبشارة ونذارة، وإخبار وأمثال
السابع: الحذف والصلة، والتقديم والتأخير، والاستعارة والتكرار والكتابة، والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب
الثامن: إيمان بالله، ومباينة الشرك، وإثبات الأوامر، ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة الرسول.
التاسع: إظهار الربوبية، وإثبات الوحدانية، وتعظيم الألوهية والتعبد لله، ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب.
العاشر: أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه، وأمثال
القول الثامن:
أن المراد سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني أو تقاربها وعدم اختلافها وتناقضها، وذلك مثل:هلم وتعال واقبل وإليّ ونحوي وقصدي وقربي، فهذه سبعة ألفاظ اختلف مسموعها واتحد مضمونها وهو طلب الإقبال .
وإلى هذا القول ذهب سفيان بن عيينه وابن جرير الطبري والطحاوي وابن وهب واختاره القرطبي ونسبه ابن عبد البر لأكثر أهل العلم.
أدلة كل فريق:
دليل الفريق الأول:
استدل الفريق الأول الذي يرى أن حديث الأحرف من المتشابه الذي لا يدري معناه بما يلي:
بأن الحرف في اللغة له معان عدة، فقد يطلق على الكلمة أو على الجهة أو قد يقصد به المعنى، وبناء عليه فهو مشترك لفظي بين هذه المعاني، ولا يمكن تعيينه بحال من الأحوال، والتوقف فيه أسلم.
دليل الفريق الثاني:
واستدل الفريق الذي يرى أن لفظ السبعة لا يراد منه حقيقة العدد بما يلي:
أن هذا اللفظ يطلق عند العرب ويراد به معنى الكثرة والكمال في الآحاد، كما يطلق السبعون في المئات والسبعمائة في المئين، وحقيقة العدد هنا غير مرادة، خاصة إذا تعلق الأمر بالإلهيات، كالسماوات السبع و الأراضين السبع، وأبواب الجنة والجحيم، فالقرآن الكريم في لغته وتركيبه كأنه حدود وأبواب .
دليل الفريق الثالث:
أما الذين قالوا بأن المراد من الأحرف السبعة هي تلك القراءات السبع، فيمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام
أ- القسم الأول: يرى أن القرآن الكريم أنزل ليقرأ على سبع قراءات
ب - القسم الثاني: يرى أن نزول القرآن على سبع قراءات حصل في بعض الآيات وبه تم معنى الحديث، قال الباقلاني: قال قوم: "ظاهر الحديث يوجب أن توجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث" .
جـ – القسم الثالث: لا يشترط مجيء سبع قراءات في كلمة واحدة، بل المراد أن بعض كلماته تقرأ بوجه وأخرى بوجهين، وأخرى بثلاثة وجوه.. وهكذا حتى تصل إلى السبعة، ولا تتعداها، ويصدق عليها قول النبي أنزل القرآن على سبعة أحرف .
دليل الفريق الرابع:
أما الذين قالوا بأوجه التغاير السبعة التي يرجع إليها اختلاف القراءات، فقد استدلوا على ذلك بأدلة تكاد تكون واحدة لما بينها من تشابه وتداخل، إذ جميعها تجمعها رابطة قوية ووشيجة متشابكة، من أجل ذلك سنعرض هذه الأدلة معزوة إلى أصحابها ليتضح الفرق فيما بينها.
أولا:قول أبي حاتم السيجستاني
حدد أوجه التغاير بما يلي:
الأول: إبدال لفظ بلفظ آخر له ذات المنزلة كقولهفَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِاللَّهِالجمعة9 فامضوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .
الثاني: إبدال حرف بحرف (الصِّرَاطَ) الفاتحة 5 قرئ (السراط)
الثالث: تقديم وتأخير إما في الكلمة أوفي الحروففيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ قرئ فيقتلون و يقتلونالتوبة 111
الرابع:زيادة حرف أو نقصانهيَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ الزخرف 77 رويت مال ليقض علينا ربك
الخامس: اختلاف حركات البناء (يحسب) ( يحسب) الهمزة 3 .
السادس:اختلاف حركات الإعراب مَا هَذَا بَشَرًا يوسف31 قرئت ما هذا بشر
السابع: إشباع الصوت بالتفخيم والإظهار.
ثانيا: قول القاضي أبى بكر محمد بن الطيب الباقلاني
قال رحمه الله:" تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا" .
الأول:ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته هنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود77 بضم الراء وفتحها .
الثاني:مالا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثلَربَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا سبأ 19 قرئت بإسكان الدال وفتحها في كلمة (باعد) .
الثالث:ما تتغير صورته ومعناه باختلاف الحروف مثل قوله ننْشِزُهَا قرئت نشرها البقرة 259 .
الرابع:ما تتغير صورته ويبقى معناه مثلكَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة 4 رويت كالصوف المنفوش .
الخامس:ما تتغير صورته ومعناه باختلاف صورة الحرف طَلْحٍ مَنْضُودٍالواقعة29 رويت وطلع منضود.
السادس: التقديم والتأخير كقوله تعالى وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّق21 رويت وجاءت سكرة الحق بالموت .
السابع: الزيادة والنقصان مثل قوله: تسع وتسعون نعجة أنثى و تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ص22 .
ثالثا: قول ابن قتيبة. والباقلاني
قال ابن قتيبة: "وقد تدبرت وجوه الاختلاف في القراءات فوجدتها سبعة " .
الأول: ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل قوله وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ البقرة281 بفتح الراء وضمها .
الثاني: ما يتغير بتغير الفعل مثل قوله ربنا بعّد بين أسفارنا ، ربنا باعدّ بين أسفارنا الأول بصيغة الطلب والثاني بصيغة الماضي.
الثالث: ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشزها ثم ننشرها الأول بالراء المهملة والثاني بالزاي
الرابع: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج من الآخر مثل طلح قرئت طلع .
الخامس: ما يغير بالتقديم والتأخير وجاءت سكرة الموت بالحق ، وجاء سكرة الحق بالموت .
السادس:ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل وما خلق الذكر و الأنثى الليل 3 والذكر و الأنثى .
السابع: ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل: كالعهن المنفوش كالصوف المنفوش .
رابعا: قول أبي الفضل الرازي
قال أبو الفضل :الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف
الأول: اختلاف الأسماء ومن إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث وغيرها..
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
الثالث: وجوه الإعراب.
الرابع: النقص والزيادة.
الخامس: التقديم والتأخير.
السادس: الإبدال ويدخل تحته إبدال حرف بآخر، إبدال كلمة بأخرى.
السابع: اختلاف اللغات كالفتح وإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك .
خامسا: قول ابن الجزري:
قال رحمه الله: قد تتبعت صحيح القراءات، وشاذها، وضعيفها ومنكرها، فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها .
الأول:الاختلاف في الحركات،بلا تغير في المعنى والصورة، مثلقَرْحٌ آ ل عمران 140 بفتح القاف وضمها.
الثاني: الاختلاف في الحركات بتغير المعنى فقط مثل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ البقرة 37 برفع كلمات ونصبها .
الثالث: الاختلاف في الحروف بتغير المعنى لا الصورة مثلهُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْيونس 30 قرئ (تبلو ) و (نبلو ) .
الرابع: الاختلاف في الحروف بتغير الصورة لا المعنى نحوالصراط الصراط الفاتحة 5 .
الخامس: الاختلاف في الحروف بتغير الصورة والمعنى مثلفَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الجمعة 9 قرئت ( فامضوا إلى ذكر الله).
السادس: الاختلاف بالتقديم والتأخير مثل قوله تعالى فيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ قرئ فيقتلون ويقتلون التوبة111
السابع: الاختلاف في الزيادة والنقصان مثل وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ. قرئت وأوصى بها إِبْرَاهِيمُ.البقرة 132
هذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها ـ على حد قول بن الجزري ـ ولم يعتبر ما اعتبره أبو الفضل الرازي من اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والنقل، وعزا ذلك كله إلى الوجه الأول، وحجته أن ذلك ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ .
دليل الفريق الخامس:
أما الذين قالوا بتفرق سبع لغات من لغات العرب في القرآن فقد استدلوا بما يلي:
ما روي عن ابن عباس ا وعمر من عدم فهمهما لبعض الكلمات في كتاب الله ، فقد غاب عن ابن عباس ا فهم المراد من قوله عز وجلّ فاطِرِ السماوات وَالْأَرْضِ فاطر 1 حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها وقال الآخر أنا فطرتها أي ابتدأتها فعلم المراد.
وكذلك ما خفي عن عمر من معنى في قوله تعالى أو يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ النحل 47 وكذلك ما خفي عنه من مراد في قوله تعالى وَفَاكِهَةً وَأَبًّاعبس 31 .
فعمر وابن عباس كلاهما قريشي، وخفي عنهما المراد من مثل هذه الألفاظ دلّ ذلك على أن في القرآن ألفاظا بغير لغة قريش.
دليل الفريق السادس:
أما الذين قالوا بأسماء الله عز وجلّ يبدلها القارئ كيف ما شاء فقد استدلوا بما يلي:
- حديث أبى طلحة أنه قال: « قرأ رجل عند عمر فغير عليه، فقال قرأت على رسول الله ولم يغير علي قال فاجتمعنا عند رسول الله قال فقرأ أحدهما على النبي ، فقال له:أحسنت قال فكان عمر وجد في نفسه من ذلك، فقال النبي يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة » .
دليل الفريق السابع:
ليس من بين الأقوال العشرة ما يصلح للاعتبار سوى الأخير منها -وهو ما سنذكر دليله- ، والذي دعاني لذكرها، كونها مشتهرة في الكتب من جهة ومحاولة الإلمام بأطراف الموضوع من جهة أخرى.
عن ابن مسعود أن رسول الله قال : « نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد و نزل القرآن على سبعة أبواب زاجرا و آمرا و حلالا و حراما و محكما و متشابها و أمثالا، فاحلوا حلاله و حرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به و انتهواعما نهيتم عنه و اعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه و قولوا آمنا كل من عند ربنا » .
دليل الفريق الثامن:
أما الذين قالوا بسبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني فقد استدلوا على رأيهم بما يلي:
1- ما ورد من روايات ثابتة عن بعض الصحابة فقد تماروا في تلاوة القرآن وخالف بعضهم بعضا حتى احتكموا إلى النبي، فاستقرأ كل واحد منهم، ثم صوبهم جميعا وأقرّ قراءاتهم على اختلافها.
2- حديث أبي بكرة الذي جاء فيه عن الأحرف قول النبي « كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك: تعال وأقبل وهلم واذهب، وأسرع وأعجل » .
ولقد أوضح أصحاب هذا الرأي مقصدهم من ذلك فقالوا: ليس معناه أنّ كل كلمة كانت تقرأ بألفاظ سبعة بل المراد، أن غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في حصول المعنى هو سبع، فما اتفقت اللغات في معناه يعبر عنه بلفظ واحد وإذا دعت الضرورة إلى التوسعة يعبر عنه بلفظين، وهكذا إلى سبع.
ففي الحديث عن أنس أنه قرأ هذه الآية إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي وأقوم. فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد .
مناقشة الأدلة:
بعد سرد أدلة كل فريق وبسطها، لم يبق إلا أن نناقشها على ضوء ما قدمنا من روايات وما استخلصنا من أصول، ليتمحص الرأي الصواب وليتجلى المذهب المختار ـ إن شاء الله ـ
أما القول الأول فيجاب عليه بما يلي:
أ- كون الحرف مشتركا لفظيا لا يلزم منه الإشكال ولا التوقف، وإنما يكون ذلك إذا لم تقم قرينة صارفة أو مرجحة تعين على فهم المراد، والقرينة هنا قائمة لا محال
- إذ لا يصح أن يطلق الحرف ويراد به حرف الهجاء، فالقرآن الكريم مؤلف من جميع الحروف وليس من سبعة فقط
- كما لا يصح أن يكون المراد الكلمة، فالقرآن كذلك مؤلف من كثير من الكلمات.
- كما لا يصح أيضا أن يراد به المعنى، فمعاني القرآن كثيرة لا تحصى، فتعين أن يكون المراد: الجهة والجهة تأتي بمعنى الوجه، ويشهد لهذا قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ الحج11 أي على وجه واحد.
ب - لو كان من المتشابه لما وسع رسول الله أن يفض به نزاع الصحابة الذي دار حول التلاوة، إذ كان كثيرا ما يجيب سائليه بقوله « أنزل القرآن على سبعة أحرف »، فيقوم الصحابة من مجلسه وقد رضي كل واحد منهم بقراءة صاحبه، ففي هذا القول والفعل دلالة واضحة على أن النبي بيّن لأصحابه المراد من نزول القرآن على سبعة أحرف وعليه فالقول بتشابه الحديث قول مردود.
ويجاب على القول الثاني :
بأن الروايات الواردة لا تشهد لهم بذلك، ويكفي في الرد عليهم أن نورد حديث أبي وفيه يقول النبي« فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة.. » ففي طلب الاستزادة والانتهاء إلى سبعة، إشارة صريحة إلى حقيقة العدد وانحصار الحروف في سبعة.
ويجاب على القول الثالث :
أ- أن أوجه الاختلاف بين القراءات وفي بعض المواضع تنيف عن السبعة كقوله تعالىوَعَبَدَ الطَّاغُوتَ المائدة 60 فهي تقرأ باثنين وعشرين وجها .. وفي كلمة أُفٍّ الإسراء 23 الآنبياء67 الأحقاف 17 فهي تقرأ بسبع وثلاثين وجها
ب- أن هذه الأقوال لا تتحقق معها حكمة التيسير المرادة من قوله« أنزل القرآن على سبعة أحرف »، فالكلمات التي تقرأ بوجوه سبعة قليلة جدا في القرآن الكريم، ولا يمكن أن ينزل التيسير في جزء يسير من بعض الكلمات .
قال أبو شامة: "ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة،إنما يظن ذلك بعض أهل الجهل ".
ويجاب على القول الرابع ( بأقسامه الأربعة )
أ- أن الوجوه التي حددوها تفتقر إلى الأدلة النقلية التي تعضد آراءهم، فهم على اختلاف أقوالهم وتداخلها لم يذكر أحد منهم دليلا واحدا على ما ذهب إليه، سوى أنه تتبع وجوه القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع، فهذا التتبع لا يعدو أن يكون استقراء، يحتمل الخطأ والصواب.
ب - ثم هو استقراء ناقص، بدليل أن طريق تتبع ابن الجزري، مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة و الباقلاني و الرازي، فالرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من هؤلاء، وكذلك ما جعله أبو الفضل وجها سابعا في اختلاف اللغات، من فتح وإمالة وترقيق لم يعتبره ابن الجزري …
فهذا يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع، وبذلك يكون الحصر في هذه الوجوه غير موثوق به ولا متعين .
جـ – أن التيسير المراد من نزول القرآن على سبعة أحرف أوسع من أن ينحصر في أوجه الخلاف المذكورة،فلا نتصور أن هناك مشقة، في قراءة ما ذكروا يحتاج رفعها إلى الأحرف، فأي مشقة بين ( أطهر ) بالرفع و( أطهر ) بالنصب وأين المشقة في قراءة اسم ذكر مفردا أو مثنى أو جمعا.
ولنا أن نتساءل:هل القراءة بهذه الوجوه المختلفة توجب مشقة يسأل النبي ربه المعافاة منها ؟
د – إن بعض وجوه الاختلاف التي ذكرها هؤلاء، وردت بقراءات الآحاد، ولا خلاف بين المسلمين، أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواترا.
هـ – أن الرخصة والإباحة بالأوجه المختلفة صدرت ولم يكن يومئذ من يكتب ولا يعرف الرسم إلا القليل، وأصحاب هذه الأقوال جعلوا من الأحرف، اختلاف الحركات كالفتحة والضمة مع الاتفاق في الرسم، كالباء والتاء في (تبلو) أو الاختلاف فيه كالصاد والسين في (الصراط) و (السراط ) وهذه الأشياء لا يفهمها إلا من يعرف الكتابة والرسم، والعرب حينذاك أميون لا يعرفون ذلك، وإنما يعرفون ذوات الكلمات وينطقون بها دون معرفة لرسم حروفها وحركاتها فكيف يخاطبون بما لا يفهمون.
و- أصحاب هذه الأقوال يجعلون كل حرف من الأحرف السبعة مكونا من أمرين متقابلين، كالتقديم والتأخير، والزيادة والنقصان ونحو ذلك، فيلزم أنه لا يجوز للقارئ أن يقتصر فيما يتكون منه الحرف على وجه دون وجه، بل لابد من الجمع في قراءته بين الوجهين معا حتى يكون قارئا للقرآن على حرف من الأحرف السبعة، ولم يقل بذلك أحد.
وبناء عليه فالقول بأوجه التغاير السبعة مردود على أصحابه، لخلوه من حكمة النزول على سبعة أحرف من جهة، وللاعتبارات السابقة من جهة أخرى ، والله أعلم.
ويجاب على القول الخامس :
أ- أنه لم تشهد له أي رواية من الروايات السابقة، بل يتنافى والأصول التي استخلصناها، فمقتضى كلامهم أن القرآن الكريم أبعاض وأجراء، فلو كان القرآن الكريم مركبا من عدة لغات ـ كما يزعمون ـ لما أمكن لأهل كل لغة أن يقرؤوا منه إلا جزءا واحدا،وهو ما يوافق لغتهم دون غيرها، والله عز وجلّ كلف الجميع قراءة القرآن كله وفهمه والعمل به، وبرأيهم هذا لا يتحقق الغرض الذي لأجله نزل القرآن على سبعة أحرف.
ب - كون القرآن يشتمل ألفاظا لغير لغة قريش لا يصلح أن يكون دليلا، فقد سبق وأن أوضحنا أن قريشا كانت تتخير من لغات العرب أفصح الألفاظ وأبينها وتستعملها فتصير بذلك قرشية، أو أن هذه الألفاظ مما تشترك فيها قريش مع غيرها .
جـ - أما ما استندوا إليه من عدم إدراك عمر وابن عباس لمعنى بعض الألفاظ الواردة في القرآن، لا يصلح أن يكون دليلا، فلغة العرب ولغة قريش خاصة أوسع من أن تحصر، وليس شرطا أن يكلف الإنسان بالإلمام بجميع أطراف لغته، فاللغة كما قال عنها الشافعي: لا يحيط بها إلا نبي
ويجاب على القول السادس:
أ - أن حديثي أبي هريرة وأبي كعب ، إنما جاءا بمثال عن الأحرف السبعة ولم يستقصياها جميعا، وتحديدها بفواصـل الآي لا يصلـح أبدا أن يكـون دليلا
ب - إن الإجماع لدى العلماء منعقد على حرمة تغيير أي كلمة بأخرى، وقد تواتر عدم تساهل الصحابة في تبديل أي حرف من حروف القرآن فضلا عن كلماته وجمله.
جـ – إن كان هناك من توجيه لهذين الحديثين فينبغي حملهما على ما يقبل شرعا كحالة السهو مثلا.
ويجاب على القول السابع:
أ - أن الحديث مجمع على ضعفه ، كما قال ابن عبد البر والضعيف لا يصلح أن يكون حجة في موضع نزاع قوي كموضوع الأحرف.
ب - على فرض صحة الحديث فإنه لم يرد لبيان معنى الأحرف السبعة وإنما سيق لبيان أبواب الجنة .
القول المختار
إن الناظر والمتأمل في الروايات السابقة، يتبين له جليا أن الرسول إنما أراد من الحرف اللغة، دل على ذلك حديث عمر وهشام بن حكيم رضى الله عنهما، اللذين اختلفا في قراءة سورة واحدة هي سورة الفرقان ودل عليه أيضا حديث أبي بكرة وأبي كعب وحديث عبد الله بن مسعود، فهذه الأحاديث وغيرها مما ورد بطريق صحيح كلها نصت على أكثر من قراءة للكلمة الواحدة، مما يؤكد أن المراد بالأحرف اللغات.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام نزل القرآن على سبع لغات من لغات العرب
وعن أبي العباس أنه سئل عن الأحرف في قوله نزل القرآن على سبعة أحرف ؟ فقال: ما هي إلا لغات
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: " إن المراد بالحديث أنزل القرآن على سبع لغات، وهذا هو القول الصحيح وما قبله لا يثبت عند السبك، وهذا اختيار ثعلب وابن جرير ".
وسئل سفيان بن عيينه عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل تدخل في الأحرف السبعة ؟ فقال: لا. إنما السبعة كقولهم هلمّ، أقبل، تعال: أي ذلك قلت أجزئك.
قال ابن عبد البر معلقا على قول: سفيان ومعنى هذا أن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة .
وهكذا تبين - بعد سرد تلك الأقوال وبسط أدلتها وتسجيل المحترزات عليها وعرضها على ما استخلصناه من أصول - أن القول الثامن الذي ذهب إليه الطبري ومن قبله سفيان بن عيينه واختاره القرطبي هو القول الأقوى والأظهر ، والله تعالى أعلم بالصواب .
دواعــي الاخــتيار
1ـ هذا القول يتفق والروايات السابقة الدالة على اختلاف الصحابة وتنازعهم في بعض كلمات القرآن.
2ـ رفع الأمر إلى النبي ثم إقرار كل قارئ على قرائته، يوافق الأصول التي استنتجناها، إذ كلها تدور في مجملها على التوسعة والتيسير في القراءة.
3ـ التوسعة ورفع الحرج متحقق في تغيير كلمة بأخرى لها نفس المعنى وتختلف في رسمها، إذ كانت بعض القبائل يصعب عليها النطق بكلمات لم يألفوها.
4ـ اللغة ذاتها توافق هذا المذهب ،كما مرّ بنا في صدر هذا المبحث.
المطلب الثالث:الظرف الزماني لنزول الأحرف
لم يرد في هذه القضية نص صريح يحدد بدقة زمان ومكان نزول الأحرف، شأنها شأن الأحرف السبعة التي كثر كلام العلماء حولها، إلا أن الخلاف في هذه المسألة لا يخرج عن احتمالات ثلاثة:إما أنها نزلت بمكة، أو أنها نزلت بالمدينة أو نزلت مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة.
القول الأول:
أن نزول الأحرف كان بمكة مع بدء نزول القرآن ، ووجه الاستدلال عند أصحاب هذا الرأي:
1ـ أن الأحاديث الواردة في نشأة القراءات، كلها تفيد بأن الأحرف قد نزلت في مكة منذ بدء نزول القرآن الكريم على النبي .
2ـ أنه لا دليل على نزول بعض الأوجه في مكة والبعض الآخر في المدينة وعليه فحمل النص على ظاهره هو الأصل.
ذهب إلى هذا القول محمد سالم محيسن وهو من المعاصرين.
القول الثاني:
أن نزول الأحرف كان بالمدينة بعد الهجرة ووجه الاستدلال عند أصحاب هذا الرأي:
1ـ أنّ الأحاديث التي ورد فيها نزول القرآن على سبعة أحرف، ينبأ ظاهرها أنّ جلّها كانت بالمدينة وذلك للقرائن التالية:
ـ رواة الأحاديث والألفاظ المذكورة فيها تخبر عن ذلك، كحديث أبي بن كعب وقوله كنت في المسجد، فأبي من الأنصار والمسجد كان بالمدينة.
وكذلك قول أبي بن كعب أنّ النبي كان عند أضاءة بني غفار، قال فأتاه جبريل فقال: « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.. » الحديث
فأضاءة بني غفار مستنقع ماء قريب من المدينة، و لم يصله النبي قبل الهجرة .
2ـ أنّ الحاجة إليها في مكة لم تكن أكيدة بقدر ما اشتدت الحاجة إليها بالمدينة وذلك لمّا توافد الناس على الإسلام يحملون لغات شتى ولهجات مختلفة، فنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب في فترة لاحقة أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها، ولم يكلف أحد منهم الانتقال عن لغته إلى أخرى، لما كان فيهم من الحمية وللمشقة التي قد تلحقهم .
ذهب إلى هذا القول:محمد الزفزاف ، وشعبان محمد اسماعيل وكلاهما من المعاصرين.
القول الثالث:
أن نزول الأحرف تكرر مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة .
ذهب إلي هذا الرأي الإمام السيوطي –رحمه الله- و استدل بما نقله عن السخاوي -رحمه الله- في نزول الفاتحة مرتين ، حيث قال :" يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد و نزلت في الثانية ببقية وجوهها ، نحو ملك مالك ، الصراط ، السراط ".
وقريبا من هذا القول رأى السيد رزق الطويل وهو من المعاصرين أن القرآن الكريم مكيّه ومدنيّه نزل بحروفه المختلفة التي يسرها الله للذكر، لكن الحاجة إلى استخدام هذه الأحرف لم تكن ملحة إلا بالمدينة .
مناقشة هذه الأقوال:
يبدو واضحا أنّ القولين (الأول والثالث )يفتقران إلى الأدلة الكافية و بخاصة القول الأول.
1ـ فكون القرآن الكريم ابتدأ نزوله بمكة والأحرف تصرح بالنزول،لا يعدو أن يكون مجرد استقراء يحتمل الخطأ والصواب،والدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به.
2ـ ثم لم يحمل النص على ظاهره وإطلاقه وفي ألفاظه ما يقيّده
3ـ كذلك الأمر بالنسبة للقول الثالث، إذ لم يرد نص صريح يفيد أن النبي كان على علم بالأحرف وهو في مكة، اللهم إلا ما يفهم من حديث أبي بن كعب، حين قال جبريل للنبي « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.. » ، قد يحمل على أن النبي طلب من ربه أن يقرأ على أكثر من حرف، فكان الجواب في بداية الأمر أن اقرأ على حرف، إذ لا يعقل أن يقرأ النبي على حرف ـ وهذا حاصل في كل الحالات ـ ثم ينزل جبريل ويقول: « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.. » إلا أن يكون النبي طلب ذلك،وهذا الطلب الذي توحي إليه ألفاظ الحديث يحتمل أن يكون في مكة أو المدينة.
وأيّا كان الأمر فالإذن بالأحرف لم يكن إلا في المدينة، بغض النظرعن كون النبي على علم بها أو على غير علم، وهذا القول هو الأقرب للصواب وذلك للاستدلالات السابقة من جهة، ولرد كيد المشركين من جهة أخرى وتفويت الفرصة على المتربصين الذين يسعون للطعن في القرآن الكريم، فلو قرأ النبي عليهم القرآن بلغات مختلفة لنفروا منه لما فيهم من الحمية للغتهم، والله أعلم.
المطلب الرابع:الأحرف في قراءته وإقرائه وقراءة الصحابة وإقرائهم
أولا: الأحرف في قراءته وإقرائه.
مما لا شك فيه أن الرسول كان يقرأ القرآن ويقرئ أصحابه بالأحرف التي نزل عليها، كما صرحت بذلك الأحاديث الواردة في هذا المجال، فربما يقرئ النبي أحد أصحابه حرفا ويقرئ الثاني حرفين والثالث ثلاثة أحرف..
واستمرت القراءة بالأحرف طيلة حياته بل مات النبي والأحرف مما يقرى ، فالأحاديث الواردة حول الأحرف، كلها تشهد بذلك ولعل أشدها وضوحا وأفصحها بيانا عن المراد: حديث أبي بن كعب الذي جاء فيه الأمر من الله بالقراءة على سبعة أحرف« ..إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا » .
والنبي مكلف بتبليغ ما أمر به قال تعالى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ المائدة 67
ومما يشهد على إقرائه أصحابه بالأحرف:تحسينه قراءة كلا المختلفين في كل نزاع يرفع إليه، فمن حديث عمر وهشام بن حزام تبين أنّ عمر غاب عن مجلس الإقراء الذي عقده رسول الله فأقرأ فيه هشاما سورة الفرقان بخلاف ما أقرأها عمر، بدليل قول عمر للنبي « إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها.. » الحديث.
ثانيا: الأحرف في قراءة الصحابة وإقرائهم:
وعلى ذات الوتيرة سار الصحابة رضوان الله عليهم في حياة نبيهم وبعد وفاته يقرؤون القرآن على أحرفه كما علمهم رسول الله ، فمنهم من كان يعقد مجالس للإقراء ومنهم من علّم القرآن بصلاته، وبعضهم ارتحل إلى الأقطار والأمصار يعلم المسلمين قراءة القرآن بأمر من النبي أو بأمر من أصحابه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام وظل الأمر كذلك طيلة حياة النبي وفترة خلافة أبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان.
فقد بعث النبي مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته يعلمانهم الإسلام ويقرئانهم القرآن ، ولما فتح النبي مكة خلف عليها معاذا يقرئهم القرآن ويفقههم ، وكان عبادة بن الصامت يعلم أهل الصفة القرآن ولما فتح الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذا وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن .
وهذا ابن مسعود كان يقرئ رجلا، فقرأ الآية إنما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَاسورة التوبة 60ـ مرسلة ـ أي من غير مد،فقال ابن مسعود: « ما هكذا أقرأنيها رسول الله ، فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ؟، قال: أقرأنيها إنما الصدقات للفقراء …. فمد الفقراء» .
وكان عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتا بالقرآن قال له عمر: « اعرض عليّ سورة كذا.فعرض عليه فبكى عمر وقال ما كنت أظن أنها نزلت .»
وكان عمر يقول لأبي موسى الأشعري، ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى و يتلاحن .
فهذه النصوص وإن لم تفصح في ثنياها عن قراءة الصحابة بالأحرف فقد كانت وصفا عاما للقراءة والإقراء، غير أن الشاهد هاهنا والذي يثبت أن ما سقناه من آثار يصلح أن يكون دليلا على القراءة والإقراء بالأحرف ، هو حديث أنس بن مالك الذي روى قصة الجمع العثماني .
فعن أنس بن مالك « إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم … وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرّق » .
تبين من خلال هذا الحديث أنّ الصحابة الذين تفرقوا في الأمصار وأخذ الناس عنهم، كانوا يقرؤون ويقرؤون بالأحرف، بدليل اختلاف الأمة وتنازعها في القراءة.
فعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، كانوا يقرؤون أهل الشام على غير الحرف الذي قرأ عليه أهل العراق بدليل نص الحديث.
وفي قول عثمان للرهط: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيئي من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ـ علامة واضحة على أن الاختلاف في القراءة كان حاصلا، وكان معروفا ومتداولا بين الصحابة .
وفي أمر عثمان بتحريق المصاحف دليل على أنّ هذه الصحف التي اتخذها الصحابة لأنفسهم كانت مكتوبة بالأحرف.
نماذج من الأحرف في قراءة الصحابة وإقرائهم :
عن أنس أنه قرأ هذه الآية (إنّ ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا )، فقال له بعض القوم يا أبا حمزة، إنما هي وأقوم.فقال: أقوم وأصوب وأهيا واحد .
وعن أبي بن كعب أنه كان يقرأ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِالبقرة 20 (مروا فيه)، (سعوا فيه ).
وكان ابن مسعود يقرأ للذين آمنوا أنظرونا، أمهلونا، أخرونا ،وسئل الأعمش في مسألة، فقال في قراءتنا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَالبقرة 233، وفي قراءة عبد الله (لمن أراد أن يكمل الرضاعة ) ، وكان ابن عباس يقرأ (وإن عزموا السراح ) بدلا من الطلاق.
وجاء في مصحف أبي ( للذين يقسمون من نساءهم ) أي يحلفون ويولون
وقرأ ابن عباس ( للذين يقسمون من نساءهم ).
هذه النماذج التي ذكرناها هي من باب الاستئناس فقط ، إذ لا سبيل للقراءة بها اليوم، لدثورها وعفو آثارها واستقرار الأمة على الحرف الذي اختاره عثمان بن عفان ورضيته الصحابة الكرام، ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا، لاسيما وأن الكثير منها مما يحتمل ،أن يكون من التأويل4 الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه.
وبذلك أصبح كل ما يخالف خط المصحف، في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم والله أعلم .
=================
الإحالات:
-أي أن الشيطان ألقى في روعه شبهة خبيثة بسبب الخلاف الذي جعله يعتقد أن ذلك الاختلاف ليس من عند الله، بل إن الشيطان وسوس له بأن النبي صلى الله عليه وسلم غير أمين في نقل الوحي، فكان هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم – حين سألوه – إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال وقد وجدتموه ؟ قالوا نعم، قال :ذلك صريح الإيمان. أخرجه مسلم . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج1.ص49
-رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب بيان إن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث رقم 820 ج3.ص360،361
-الإضاءة : مستنقع من سيل أو غيره، وغفار : قبيلة من كنانه والمكان هو موضع قريب من المدينة
-رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب بيان إن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث رقم 821 ج3.ص361،362
-رواه الترمذي في أبواب القراءات باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، قال عنه الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن أبي من غير وجه تحفة الاحوذي ج8.ص212
-رواه أحمد ج5.ص51 ، قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني بنحوه، إلا أنه قال واذهب أدبر، وفيه علي بن زيد بن جدعان وهوسيئ الحفظ وقد توبع وبقية رجال أحمد رجال الصحيح مجمع الزوائد ج7.ص154 .
- رواه أحمد في أول مسند المدنيين ج5.ص30 قال الهيثمي رواه أحمد ورجاله ثقاة مجمع الزوائد ج7.ص154 .
-رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب اقرؤوا القرآن على ما ائتلفت عليه قلوبكم حديث رقم5060 ج9.ص101 فتح الباري
-سبق ذكر الحديث ص 30
-الإتقان ج1.ص131
-هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي و هو ثقة فقيه ومجتهد كان إماما في القراءات حافظا للحديث وعلله توفي بمكة سنة24 .شذرات الذهب ج2.ص157 .
-سنتناول هذا الموضوع بالتفصيل في مطلب الظرف الزماني لنزول الأحرف.
-القراءات القرآنية لعبد الحليم قابة ص87
-معجم مقاييس اللغة ج2.ص42 لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا تحقيق عبد السلام هارون طبعة دار الفكر
-أي في حرف من القرآن :فتح الباري ج9.ص9
-فتح الباري كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن ج9 .ص9
-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج9 .ص 340
-لسان العرب لابن منظور. ج 10. ص 385
-لسان العرب لابن منظور . ج 10.ص 386
-لسان العرب لابن منظور. ج 10 .ص 387
-لسان العرب لابن منظور. ج 10 .ص 385
-فتح الباري ج9.ص23
-زهر الربى شرح سنن النسائي للسيوطي ج1.ص150 نقلا عن الأحرف السبعة لحسن ضياء الدين عتر ط1 سنة 1998 طبعة دار البشائر الإسلامية
-هو أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض العلامة اليحسبي ولي قضاء سبتة مدة ثم قضاء غرناطة، صنف التصانيف العديدة من أشهرها الشفاء ومشارق الأنوار في غريب الصحيحين والموطأ، توفي سنة 544 هـ شذرات الذهب. ج4.ص304،305
- هو جمال الدين بن محمد سعد بن قاسم الحلاق إمام الشام في عصره ولد بدمشق سنة 1283 هـ متضلع في فنون الأدب كان سلفي العقيدة لا يقول بالتقليد توفى سنة 1332 هـ و له تصانيف كثيرة منها دلائل التوحيد ، قواعد التحديث ، محاسن التأويل وهو تفسير للقرآن الكريم في 17 مجلدا . الأعلام للزركلي ج6.ص26 دار العلم للملايين ط7 ماي 1986 م
-هو الخليل بن أحمد الفرهيدي أمام في اللغة والنحو وهو من أسس علم العروض، قال الواحدي في تفسيره: الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من االخليل الفرهيدي، من تصانيفه كتاب العين في اللغة توفى سنة 170 وقيل 175 هـ شذرات الذهب ج1.ص442 .
-هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني البصري المتكلم المشهور، كان على مذهب أبي الحسن الاشعري، سكن بغداد وصنف التآلي
الأحرف في قراءته و إقرائه وقراءة الصحابة وإقرائهم
المطلب الأول:أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف
تـمهيد:
لقد كان للعرب لهجات شتى تختلف في جرسها وأصواتها وحروفها بحسب لسان كل قبيلة.
وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغتها ورقة لسانها، إذا أتتها الوفود من العرب تخيّرت من كلامها وأشعارها أجود لغاتها وأصفى كلامها، فاجتمع ما تخيرت من تلك اللغات إلى سليقتها التي جبلت عليها فصارت بذلك أفصح العرب، وأفضلها لسانا وأعذبها منطقا، فكان طبيعيا أن يتنزل القرآن أول ما يتنزل بلغة قريش.
ولما توافد الناس على الإسلام وانتقل القرآن إلى القبائل المجاورة، كانت الضرورة تستدعي أن يخاطب هؤلاء ببعض ما ألفوا من لهجات ولغات، رفعا للحرج وتيسيرا للفهم والقراءة والحفظ، وكانت رحمة الله بهذه الأمة أن أنزل القرآن على سبعة أحرف تأليفا للعرب وتحقيقا لإعجاز القرآن حين يسقط في أيديهم أن يأتوا بمثله أو بسورة منه.
وقد جاء في السنة المطهرة عدة أحاديث كلها تتناول موضوع نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف
الرواية الأولى:
عن أبى كعب قال: « كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله ، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبة، فأمرهما رسول الله فقرآ، فحسن النبي شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ، فلما رأى رسول الله ما قد غشيني ضرب في صدري ففظت عرقا وكأني أنظر إلى الله عزّ وجلّ فقال لي يا أبي، أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددت أن هوّن على أمتي، فردّ إلي الثانية اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فردّ إلى الثالثة:اقرأه على سبعة أحرف،فلك بكل ردّة رددتها مسألة تسألنيها، فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي،وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى. إبراهيم «
الرواية الثانية:
وعن أبي بن كعب أن النبي كان عند إضاءة بني غفار ، قال: فأتاه جبريل فقال: « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم أتان الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاث أحرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيّما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا » .
الرواية الثالثة:
وعن أبي كعب قال: لقي رسول الله جبريل فقال: « يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ والغلام والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال:يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف » .
الرواية الرابعة:
عن أبي بكرة أن جبريل قال: « يا محمد، اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل استزده، فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف، قال: كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، نحو قولك:تعال وأقبل وهلمّ واذهب وأسرع وأعجل ».
الرواية الخامسة:
عن أبي طلحة قال: « قرأ رجل عند عمر فغيّر عليه، فقال قرأت على رسول الله ولم يغيّر عليّ، قال فاجتمعنا عند رسول الله قال فقرأ أحدهما على النبي ، فقال له أحسنت، قال فكان عمر وجد في نفسه من ذلك، فقال النبي : يا عمر أن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ».
الرواية السادسة:
عن جندب بن عبد الله قال: قال النبي « إقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه » .
الرواية السابعة:
عن عمر بن الخطاب أنه قال: « سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على أحرف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله … إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه ».
نكتفي بهذا القدر من الروايات، وقد تعمدنا انتقاء أجمع الأحاديث وأبلغها في الدلالة على المعاني المتعلقة بهذا المبحث الشائك.
ذكر السيوطي أنه قد روى هذا الحديث جمع من الصحابة وعد منهم واحدا وعشرين صحابيا: وهم أبي كعب، وانس، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وسمرة بن جندب، وسليمان بن حرد وابن عباس وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن أبي سلمة، وعمر بن العاص، ومعاذ بن جبل، وهشام بن حكيم، وأبو بكرة وأبو جهيم وأبو سعيد الخذري، وأبو طلحة الأنصاري، وأبو هريرة، وأم أيوب . وقد نص أبو عبيده على تواتره.
ما يستفاد من هذه الروايات:
1- أن هذه التوسعة إنما كانت في الألفاظ ولم تكن في المعاني ولا الأحكام، وأنها كانت في المعنى الواحد يقرأ بألفاظ مختلفة دلّ عليه قول النبي لكل من المختلفين « كلاكما محسن » .
2- أن هذه التوسعة والإباحة في اختيار أي حرف من الحروف السبعة إنما كانت في حدود ما نزل به جبريل وما سمعه الصحابة من النبي إذ لم يكن للرأي فيها مجال، بدليل قول الصحابي: « أقرأنيها رسول الله « وكذا تعقيب النبي على كل قراءة بقوله: « هكذا أنزلت »
3-أن نزول القرآن على حرف واحد، فيه مشقة للأمة العربية، من أجل ذلك حرص النبي على الاستزادة من الحروف حتى بلغت سبعة حروف.
4- أن النبي لم يكن يقرئ كل واحد من أصحابه جميع الحروف وإنما كان يقرئ بعضهم حرفا أو أكثر ويقرئ الآخر غير ما يقرئ الأول.
5- أن الاختلاف بين الأحرف ، اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وكله حق وصواب، وأن المرجع في اختلاف القراءات هو الرسول .
6- أن هذه الرخصة لم تكن في بداية الدعوة، بل كانت بعد الهجرة وبعد أن توافد الناس من غير قريش على الإسلام ، دل عليه حديث مسلم « .. إن النبي كان عند أضاءة بني عفار … » و أضاءة بني غفار بالمدينة.
7- أن النبي لم يوجب على الأمة استيعاب جميع الأحرف، وإنما خيرها في القراءة بأي حرف شاءت بدليل قوله « فاقرؤوا ما تيسر منه » .
9- أن نزول الأحرف لم يكن دفعة واحدة وإنما كان على فترات وتنزلات دل عليها حرف العطف الذي يفيد التراخي كما في حديث أبي « ثم جاء الثانية … ثم جاء الثالثة.. ثم » .
10- لا تجوز القراءة بلفظ لم ينزله الله تعالى ولو أدى معنى صحيحا في ذاته، أو كان مع ذلك مرادفا للفظ أنزله الله تعالى، ولو كانت صحة معنى اللفظ في ذاته تكفي لجواز القراءة به ولو لم يكن منزلا من عند الله تعالى، لصرح النبي بذلك لمن اختلفوا في أمر القراءة وتحاكموا إليه، ولكنه لم يصرح بذلك مطلقا مع تعدد حوادث الاختلاف في القراءة بين الصحابة وتعدد رفع الأمر إليه، بل كان في كل مرة يحتج لجواز القراءة بأنها هكذا أنزلت، لا بمجرد كونها صحيحة المعنى أو مرادفة لقراءة أخرى منزلة.
11- ما كان من اليقظة والحرص البالغ على القرآن الكريم وصيانته من التحريف والتبديل، وحسبنا شاهدا على هذا ما كان من سيدنا عمر مع هشام بن حكيم، حتى همّ أن يأخذ بتلابيبه وهو في الصلاة.
المطلب الثاني: أقوال العلماء في المراد بالأحرف
أولا: معنى الحرف في اللغة
يطلق الحرف في اللغة ويراد به عدة معان، هذه أشهرها:
1-الحرف : ويراد به الطريقة، يقال هو من أمره على طريقة واحدة أو على حرف واحد.
قال تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ الحج 11 أي على وجه واحد .
2-ويطـلق الـحرف ويـراد بـه اللـغة، دل عـليه قـول عـثمان للـرهط القـريشيين الثـلاثة « إذا اخـتلفتم انـتم وزيـد بن ثـابت في شيء من القرآن فاكتبوه بـلسان قـريش فإنما نـزل بـلسانهم » ، واللسـان هو اللغة ومنه قوله عز و جلّ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِابراهيم4 أي بلغتهم .
3 - وكل كلمة في القرآن تقرأ على وجوه تسمى حرفا، تقول هذا حرف ابن مسعود .
4-وحرف كل شيء طرفه وشفيره وحده، ومنه حرف الجبل وهوأعلاه المحدد .
5- والحرف مـن الإبل النـجية الـماضية الـتي أضنـتها الأسفار، وقـيل هـي الصـلبة شبـهت بـحرف الـجبل في شدتها وصلابتها .
6-الحرف: الأداة التي تسمى الرابطة لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل كعن وعلى ونحوهما .
هذا مجمل ما جاء في معنى الحرف عند اللغويين، فما المراد به في الأحاديث السابقة ؟
ثانيا: معنى الحرف في الاصطلاح
اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة وتشعبت أقوالهم حتى بلغت أربعين قولا وحصرها القرطبي في خمسة وثلاثين قولا، منها ما يصلح للاعتبار والنظر ومنها ما ذكر من غير دليل ولا برهان .
ولم تزل مسألة الأحرف بين أخذ ورد لدى العلماء، اضطربت فيها الأقوال اضطرابا شديدا حتى وصفها بعضهم بأنها من المتشابه الذي لا يدرك معناه.
فلا يكاد الباحث في هذه المسألة يرجح رأيا حتى يتعقبه غيره بترجيح آخر، وأيّا كان الأمر، فإننا سنقتصر على ذكر المختار منها ،ونناقش كل قول مناقشة علمية على ضوء ما قدمنا من روايات، آخذين بعين الاعتبار تلك الأصول التسعة التي استخلصناها من الأحاديث السابقة، لتكون المساعد الأول في ترجيح المذهب المختار.
القول الأول:
أن لفظ الأحرف في الحديث هو من المتشابه الذي لا يدرى معناه.
وإلى هذا القول ذهب السيوطي حيث قال: " في المراد به أكثر من ثلاثين قولا حكيتها في الإتقان والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدرى تأويله "
القول الثاني:
أن لفظ سبعة في الحديث لا يراد به حقيقة العدد، بل المراد التسهيل والسعة والتيسير .
وإلى هذا القول ذهب القاضي عياض رحمه الله ، ومن المعاصرين الشيخ جمال الدين القاسمي .
القول الثالث:
أن المراد بالأحرف سبع قراءات ، حـكي هذا القول عن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، ونسبة الباقلاني إلى قوم دون أن يعينهم .
القول الرابع:
أن المراد بالأحرف، سبعة وجوه يرجع إليها اختلاف القراءات.
وقد ذهب إلى هذا القول أبو حاتم السجستاني ، وابن قتيبة وأبو طاهـر بن أبي هـشام وأبو بكر الباقلاني وأبو الفضل الـرازي وأبو الحـسن السـخاوي وابن الجـزري وسـبقهم جمـيعا إلى نـحو مـنه أبو العـباس أحمد بن واصل .
القول الخامس:
أن المراد بالأحرف سبع لغات من لغات العرب متفرقة في القرآن.
فمعنى أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن، فيعبر عن المعنى فيه بعبارة قريش مرة، ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظ .
وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وثعلب .
القول السادس:
أن المراد بالأحرف السبعة، أسماء الله عز وجلّ.
مثل: (الغفور الرحيم )، ( الحكيم العليم )، (السميع البصير )،فبإمكان القارئ إبدال (غفور رحيم )، (بـ سميع بصير )، وهكذا .
القول السابع:
المراد سبعة أصناف من الكلام.
واختلف القائلون بذلك اختلافا واسعا حتى بلغت خمسة وثلاثين قولا ، نكتفي بذكر بعضها.
الأول: وعد ووعيد، حلال وحرام، ومواعظ وأمثال، واحتجاج
الثاني: حلال وحرام، وأمر ونهي وزجر وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال
الثالث: أمر وزجر، وترغيب وترهيب، وجدل وقصص، ومثل
الرابع: محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخصوص وعموم، وقصص
الخامس: أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار
السادس: أمر ونهي، وبشارة ونذارة، وإخبار وأمثال
السابع: الحذف والصلة، والتقديم والتأخير، والاستعارة والتكرار والكتابة، والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب
الثامن: إيمان بالله، ومباينة الشرك، وإثبات الأوامر، ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة الرسول.
التاسع: إظهار الربوبية، وإثبات الوحدانية، وتعظيم الألوهية والتعبد لله، ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب.
العاشر: أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه، وأمثال
القول الثامن:
أن المراد سبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني أو تقاربها وعدم اختلافها وتناقضها، وذلك مثل:هلم وتعال واقبل وإليّ ونحوي وقصدي وقربي، فهذه سبعة ألفاظ اختلف مسموعها واتحد مضمونها وهو طلب الإقبال .
وإلى هذا القول ذهب سفيان بن عيينه وابن جرير الطبري والطحاوي وابن وهب واختاره القرطبي ونسبه ابن عبد البر لأكثر أهل العلم.
أدلة كل فريق:
دليل الفريق الأول:
استدل الفريق الأول الذي يرى أن حديث الأحرف من المتشابه الذي لا يدري معناه بما يلي:
بأن الحرف في اللغة له معان عدة، فقد يطلق على الكلمة أو على الجهة أو قد يقصد به المعنى، وبناء عليه فهو مشترك لفظي بين هذه المعاني، ولا يمكن تعيينه بحال من الأحوال، والتوقف فيه أسلم.
دليل الفريق الثاني:
واستدل الفريق الذي يرى أن لفظ السبعة لا يراد منه حقيقة العدد بما يلي:
أن هذا اللفظ يطلق عند العرب ويراد به معنى الكثرة والكمال في الآحاد، كما يطلق السبعون في المئات والسبعمائة في المئين، وحقيقة العدد هنا غير مرادة، خاصة إذا تعلق الأمر بالإلهيات، كالسماوات السبع و الأراضين السبع، وأبواب الجنة والجحيم، فالقرآن الكريم في لغته وتركيبه كأنه حدود وأبواب .
دليل الفريق الثالث:
أما الذين قالوا بأن المراد من الأحرف السبعة هي تلك القراءات السبع، فيمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام
أ- القسم الأول: يرى أن القرآن الكريم أنزل ليقرأ على سبع قراءات
ب - القسم الثاني: يرى أن نزول القرآن على سبع قراءات حصل في بعض الآيات وبه تم معنى الحديث، قال الباقلاني: قال قوم: "ظاهر الحديث يوجب أن توجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث" .
جـ – القسم الثالث: لا يشترط مجيء سبع قراءات في كلمة واحدة، بل المراد أن بعض كلماته تقرأ بوجه وأخرى بوجهين، وأخرى بثلاثة وجوه.. وهكذا حتى تصل إلى السبعة، ولا تتعداها، ويصدق عليها قول النبي أنزل القرآن على سبعة أحرف .
دليل الفريق الرابع:
أما الذين قالوا بأوجه التغاير السبعة التي يرجع إليها اختلاف القراءات، فقد استدلوا على ذلك بأدلة تكاد تكون واحدة لما بينها من تشابه وتداخل، إذ جميعها تجمعها رابطة قوية ووشيجة متشابكة، من أجل ذلك سنعرض هذه الأدلة معزوة إلى أصحابها ليتضح الفرق فيما بينها.
أولا:قول أبي حاتم السيجستاني
حدد أوجه التغاير بما يلي:
الأول: إبدال لفظ بلفظ آخر له ذات المنزلة كقولهفَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِاللَّهِالجمعة9 فامضوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .
الثاني: إبدال حرف بحرف (الصِّرَاطَ) الفاتحة 5 قرئ (السراط)
الثالث: تقديم وتأخير إما في الكلمة أوفي الحروففيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ قرئ فيقتلون و يقتلونالتوبة 111
الرابع:زيادة حرف أو نقصانهيَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ الزخرف 77 رويت مال ليقض علينا ربك
الخامس: اختلاف حركات البناء (يحسب) ( يحسب) الهمزة 3 .
السادس:اختلاف حركات الإعراب مَا هَذَا بَشَرًا يوسف31 قرئت ما هذا بشر
السابع: إشباع الصوت بالتفخيم والإظهار.
ثانيا: قول القاضي أبى بكر محمد بن الطيب الباقلاني
قال رحمه الله:" تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعا" .
الأول:ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته هنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ هود77 بضم الراء وفتحها .
الثاني:مالا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثلَربَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا سبأ 19 قرئت بإسكان الدال وفتحها في كلمة (باعد) .
الثالث:ما تتغير صورته ومعناه باختلاف الحروف مثل قوله ننْشِزُهَا قرئت نشرها البقرة 259 .
الرابع:ما تتغير صورته ويبقى معناه مثلكَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ القارعة 4 رويت كالصوف المنفوش .
الخامس:ما تتغير صورته ومعناه باختلاف صورة الحرف طَلْحٍ مَنْضُودٍالواقعة29 رويت وطلع منضود.
السادس: التقديم والتأخير كقوله تعالى وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّق21 رويت وجاءت سكرة الحق بالموت .
السابع: الزيادة والنقصان مثل قوله: تسع وتسعون نعجة أنثى و تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ص22 .
ثالثا: قول ابن قتيبة. والباقلاني
قال ابن قتيبة: "وقد تدبرت وجوه الاختلاف في القراءات فوجدتها سبعة " .
الأول: ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل قوله وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ البقرة281 بفتح الراء وضمها .
الثاني: ما يتغير بتغير الفعل مثل قوله ربنا بعّد بين أسفارنا ، ربنا باعدّ بين أسفارنا الأول بصيغة الطلب والثاني بصيغة الماضي.
الثالث: ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشزها ثم ننشرها الأول بالراء المهملة والثاني بالزاي
الرابع: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج من الآخر مثل طلح قرئت طلع .
الخامس: ما يغير بالتقديم والتأخير وجاءت سكرة الموت بالحق ، وجاء سكرة الحق بالموت .
السادس:ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل وما خلق الذكر و الأنثى الليل 3 والذكر و الأنثى .
السابع: ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل: كالعهن المنفوش كالصوف المنفوش .
رابعا: قول أبي الفضل الرازي
قال أبو الفضل :الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف
الأول: اختلاف الأسماء ومن إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث وغيرها..
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
الثالث: وجوه الإعراب.
الرابع: النقص والزيادة.
الخامس: التقديم والتأخير.
السادس: الإبدال ويدخل تحته إبدال حرف بآخر، إبدال كلمة بأخرى.
السابع: اختلاف اللغات كالفتح وإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك .
خامسا: قول ابن الجزري:
قال رحمه الله: قد تتبعت صحيح القراءات، وشاذها، وضعيفها ومنكرها، فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها .
الأول:الاختلاف في الحركات،بلا تغير في المعنى والصورة، مثلقَرْحٌ آ ل عمران 140 بفتح القاف وضمها.
الثاني: الاختلاف في الحركات بتغير المعنى فقط مثل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ البقرة 37 برفع كلمات ونصبها .
الثالث: الاختلاف في الحروف بتغير المعنى لا الصورة مثلهُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْيونس 30 قرئ (تبلو ) و (نبلو ) .
الرابع: الاختلاف في الحروف بتغير الصورة لا المعنى نحوالصراط الصراط الفاتحة 5 .
الخامس: الاختلاف في الحروف بتغير الصورة والمعنى مثلفَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الجمعة 9 قرئت ( فامضوا إلى ذكر الله).
السادس: الاختلاف بالتقديم والتأخير مثل قوله تعالى فيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ قرئ فيقتلون ويقتلون التوبة111
السابع: الاختلاف في الزيادة والنقصان مثل وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ. قرئت وأوصى بها إِبْرَاهِيمُ.البقرة 132
هذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها ـ على حد قول بن الجزري ـ ولم يعتبر ما اعتبره أبو الفضل الرازي من اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والنقل، وعزا ذلك كله إلى الوجه الأول، وحجته أن ذلك ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ .
دليل الفريق الخامس:
أما الذين قالوا بتفرق سبع لغات من لغات العرب في القرآن فقد استدلوا بما يلي:
ما روي عن ابن عباس ا وعمر من عدم فهمهما لبعض الكلمات في كتاب الله ، فقد غاب عن ابن عباس ا فهم المراد من قوله عز وجلّ فاطِرِ السماوات وَالْأَرْضِ فاطر 1 حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها وقال الآخر أنا فطرتها أي ابتدأتها فعلم المراد.
وكذلك ما خفي عن عمر من معنى في قوله تعالى أو يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ النحل 47 وكذلك ما خفي عنه من مراد في قوله تعالى وَفَاكِهَةً وَأَبًّاعبس 31 .
فعمر وابن عباس كلاهما قريشي، وخفي عنهما المراد من مثل هذه الألفاظ دلّ ذلك على أن في القرآن ألفاظا بغير لغة قريش.
دليل الفريق السادس:
أما الذين قالوا بأسماء الله عز وجلّ يبدلها القارئ كيف ما شاء فقد استدلوا بما يلي:
- حديث أبى طلحة أنه قال: « قرأ رجل عند عمر فغير عليه، فقال قرأت على رسول الله ولم يغير علي قال فاجتمعنا عند رسول الله قال فقرأ أحدهما على النبي ، فقال له:أحسنت قال فكان عمر وجد في نفسه من ذلك، فقال النبي يا عمر إن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة » .
دليل الفريق السابع:
ليس من بين الأقوال العشرة ما يصلح للاعتبار سوى الأخير منها -وهو ما سنذكر دليله- ، والذي دعاني لذكرها، كونها مشتهرة في الكتب من جهة ومحاولة الإلمام بأطراف الموضوع من جهة أخرى.
عن ابن مسعود أن رسول الله قال : « نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد و نزل القرآن على سبعة أبواب زاجرا و آمرا و حلالا و حراما و محكما و متشابها و أمثالا، فاحلوا حلاله و حرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به و انتهواعما نهيتم عنه و اعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه و قولوا آمنا كل من عند ربنا » .
دليل الفريق الثامن:
أما الذين قالوا بسبع لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمباني مع اتفاق المعاني فقد استدلوا على رأيهم بما يلي:
1- ما ورد من روايات ثابتة عن بعض الصحابة فقد تماروا في تلاوة القرآن وخالف بعضهم بعضا حتى احتكموا إلى النبي، فاستقرأ كل واحد منهم، ثم صوبهم جميعا وأقرّ قراءاتهم على اختلافها.
2- حديث أبي بكرة الذي جاء فيه عن الأحرف قول النبي « كل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك: تعال وأقبل وهلم واذهب، وأسرع وأعجل » .
ولقد أوضح أصحاب هذا الرأي مقصدهم من ذلك فقالوا: ليس معناه أنّ كل كلمة كانت تقرأ بألفاظ سبعة بل المراد، أن غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في حصول المعنى هو سبع، فما اتفقت اللغات في معناه يعبر عنه بلفظ واحد وإذا دعت الضرورة إلى التوسعة يعبر عنه بلفظين، وهكذا إلى سبع.
ففي الحديث عن أنس أنه قرأ هذه الآية إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي وأقوم. فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد .
مناقشة الأدلة:
بعد سرد أدلة كل فريق وبسطها، لم يبق إلا أن نناقشها على ضوء ما قدمنا من روايات وما استخلصنا من أصول، ليتمحص الرأي الصواب وليتجلى المذهب المختار ـ إن شاء الله ـ
أما القول الأول فيجاب عليه بما يلي:
أ- كون الحرف مشتركا لفظيا لا يلزم منه الإشكال ولا التوقف، وإنما يكون ذلك إذا لم تقم قرينة صارفة أو مرجحة تعين على فهم المراد، والقرينة هنا قائمة لا محال
- إذ لا يصح أن يطلق الحرف ويراد به حرف الهجاء، فالقرآن الكريم مؤلف من جميع الحروف وليس من سبعة فقط
- كما لا يصح أن يكون المراد الكلمة، فالقرآن كذلك مؤلف من كثير من الكلمات.
- كما لا يصح أيضا أن يراد به المعنى، فمعاني القرآن كثيرة لا تحصى، فتعين أن يكون المراد: الجهة والجهة تأتي بمعنى الوجه، ويشهد لهذا قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ الحج11 أي على وجه واحد.
ب - لو كان من المتشابه لما وسع رسول الله أن يفض به نزاع الصحابة الذي دار حول التلاوة، إذ كان كثيرا ما يجيب سائليه بقوله « أنزل القرآن على سبعة أحرف »، فيقوم الصحابة من مجلسه وقد رضي كل واحد منهم بقراءة صاحبه، ففي هذا القول والفعل دلالة واضحة على أن النبي بيّن لأصحابه المراد من نزول القرآن على سبعة أحرف وعليه فالقول بتشابه الحديث قول مردود.
ويجاب على القول الثاني :
بأن الروايات الواردة لا تشهد لهم بذلك، ويكفي في الرد عليهم أن نورد حديث أبي وفيه يقول النبي« فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة.. » ففي طلب الاستزادة والانتهاء إلى سبعة، إشارة صريحة إلى حقيقة العدد وانحصار الحروف في سبعة.
ويجاب على القول الثالث :
أ- أن أوجه الاختلاف بين القراءات وفي بعض المواضع تنيف عن السبعة كقوله تعالىوَعَبَدَ الطَّاغُوتَ المائدة 60 فهي تقرأ باثنين وعشرين وجها .. وفي كلمة أُفٍّ الإسراء 23 الآنبياء67 الأحقاف 17 فهي تقرأ بسبع وثلاثين وجها
ب- أن هذه الأقوال لا تتحقق معها حكمة التيسير المرادة من قوله« أنزل القرآن على سبعة أحرف »، فالكلمات التي تقرأ بوجوه سبعة قليلة جدا في القرآن الكريم، ولا يمكن أن ينزل التيسير في جزء يسير من بعض الكلمات .
قال أبو شامة: "ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة،إنما يظن ذلك بعض أهل الجهل ".
ويجاب على القول الرابع ( بأقسامه الأربعة )
أ- أن الوجوه التي حددوها تفتقر إلى الأدلة النقلية التي تعضد آراءهم، فهم على اختلاف أقوالهم وتداخلها لم يذكر أحد منهم دليلا واحدا على ما ذهب إليه، سوى أنه تتبع وجوه القراءة فوجدها لا تخرج عن سبع، فهذا التتبع لا يعدو أن يكون استقراء، يحتمل الخطأ والصواب.
ب - ثم هو استقراء ناقص، بدليل أن طريق تتبع ابن الجزري، مخالف لطريق تتبع ابن قتيبة و الباقلاني و الرازي، فالرازي ذكر الوجه السابع ولم يذكره واحد من هؤلاء، وكذلك ما جعله أبو الفضل وجها سابعا في اختلاف اللغات، من فتح وإمالة وترقيق لم يعتبره ابن الجزري …
فهذا يدل على أنه يمكن الزيادة على سبع، وبذلك يكون الحصر في هذه الوجوه غير موثوق به ولا متعين .
جـ – أن التيسير المراد من نزول القرآن على سبعة أحرف أوسع من أن ينحصر في أوجه الخلاف المذكورة،فلا نتصور أن هناك مشقة، في قراءة ما ذكروا يحتاج رفعها إلى الأحرف، فأي مشقة بين ( أطهر ) بالرفع و( أطهر ) بالنصب وأين المشقة في قراءة اسم ذكر مفردا أو مثنى أو جمعا.
ولنا أن نتساءل:هل القراءة بهذه الوجوه المختلفة توجب مشقة يسأل النبي ربه المعافاة منها ؟
د – إن بعض وجوه الاختلاف التي ذكرها هؤلاء، وردت بقراءات الآحاد، ولا خلاف بين المسلمين، أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواترا.
هـ – أن الرخصة والإباحة بالأوجه المختلفة صدرت ولم يكن يومئذ من يكتب ولا يعرف الرسم إلا القليل، وأصحاب هذه الأقوال جعلوا من الأحرف، اختلاف الحركات كالفتحة والضمة مع الاتفاق في الرسم، كالباء والتاء في (تبلو) أو الاختلاف فيه كالصاد والسين في (الصراط) و (السراط ) وهذه الأشياء لا يفهمها إلا من يعرف الكتابة والرسم، والعرب حينذاك أميون لا يعرفون ذلك، وإنما يعرفون ذوات الكلمات وينطقون بها دون معرفة لرسم حروفها وحركاتها فكيف يخاطبون بما لا يفهمون.
و- أصحاب هذه الأقوال يجعلون كل حرف من الأحرف السبعة مكونا من أمرين متقابلين، كالتقديم والتأخير، والزيادة والنقصان ونحو ذلك، فيلزم أنه لا يجوز للقارئ أن يقتصر فيما يتكون منه الحرف على وجه دون وجه، بل لابد من الجمع في قراءته بين الوجهين معا حتى يكون قارئا للقرآن على حرف من الأحرف السبعة، ولم يقل بذلك أحد.
وبناء عليه فالقول بأوجه التغاير السبعة مردود على أصحابه، لخلوه من حكمة النزول على سبعة أحرف من جهة، وللاعتبارات السابقة من جهة أخرى ، والله أعلم.
ويجاب على القول الخامس :
أ- أنه لم تشهد له أي رواية من الروايات السابقة، بل يتنافى والأصول التي استخلصناها، فمقتضى كلامهم أن القرآن الكريم أبعاض وأجراء، فلو كان القرآن الكريم مركبا من عدة لغات ـ كما يزعمون ـ لما أمكن لأهل كل لغة أن يقرؤوا منه إلا جزءا واحدا،وهو ما يوافق لغتهم دون غيرها، والله عز وجلّ كلف الجميع قراءة القرآن كله وفهمه والعمل به، وبرأيهم هذا لا يتحقق الغرض الذي لأجله نزل القرآن على سبعة أحرف.
ب - كون القرآن يشتمل ألفاظا لغير لغة قريش لا يصلح أن يكون دليلا، فقد سبق وأن أوضحنا أن قريشا كانت تتخير من لغات العرب أفصح الألفاظ وأبينها وتستعملها فتصير بذلك قرشية، أو أن هذه الألفاظ مما تشترك فيها قريش مع غيرها .
جـ - أما ما استندوا إليه من عدم إدراك عمر وابن عباس لمعنى بعض الألفاظ الواردة في القرآن، لا يصلح أن يكون دليلا، فلغة العرب ولغة قريش خاصة أوسع من أن تحصر، وليس شرطا أن يكلف الإنسان بالإلمام بجميع أطراف لغته، فاللغة كما قال عنها الشافعي: لا يحيط بها إلا نبي
ويجاب على القول السادس:
أ - أن حديثي أبي هريرة وأبي كعب ، إنما جاءا بمثال عن الأحرف السبعة ولم يستقصياها جميعا، وتحديدها بفواصـل الآي لا يصلـح أبدا أن يكـون دليلا
ب - إن الإجماع لدى العلماء منعقد على حرمة تغيير أي كلمة بأخرى، وقد تواتر عدم تساهل الصحابة في تبديل أي حرف من حروف القرآن فضلا عن كلماته وجمله.
جـ – إن كان هناك من توجيه لهذين الحديثين فينبغي حملهما على ما يقبل شرعا كحالة السهو مثلا.
ويجاب على القول السابع:
أ - أن الحديث مجمع على ضعفه ، كما قال ابن عبد البر والضعيف لا يصلح أن يكون حجة في موضع نزاع قوي كموضوع الأحرف.
ب - على فرض صحة الحديث فإنه لم يرد لبيان معنى الأحرف السبعة وإنما سيق لبيان أبواب الجنة .
القول المختار
إن الناظر والمتأمل في الروايات السابقة، يتبين له جليا أن الرسول إنما أراد من الحرف اللغة، دل على ذلك حديث عمر وهشام بن حكيم رضى الله عنهما، اللذين اختلفا في قراءة سورة واحدة هي سورة الفرقان ودل عليه أيضا حديث أبي بكرة وأبي كعب وحديث عبد الله بن مسعود، فهذه الأحاديث وغيرها مما ورد بطريق صحيح كلها نصت على أكثر من قراءة للكلمة الواحدة، مما يؤكد أن المراد بالأحرف اللغات.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام نزل القرآن على سبع لغات من لغات العرب
وعن أبي العباس أنه سئل عن الأحرف في قوله نزل القرآن على سبعة أحرف ؟ فقال: ما هي إلا لغات
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: " إن المراد بالحديث أنزل القرآن على سبع لغات، وهذا هو القول الصحيح وما قبله لا يثبت عند السبك، وهذا اختيار ثعلب وابن جرير ".
وسئل سفيان بن عيينه عن اختلاف قراءة المدنيين والعراقيين هل تدخل في الأحرف السبعة ؟ فقال: لا. إنما السبعة كقولهم هلمّ، أقبل، تعال: أي ذلك قلت أجزئك.
قال ابن عبد البر معلقا على قول: سفيان ومعنى هذا أن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة .
وهكذا تبين - بعد سرد تلك الأقوال وبسط أدلتها وتسجيل المحترزات عليها وعرضها على ما استخلصناه من أصول - أن القول الثامن الذي ذهب إليه الطبري ومن قبله سفيان بن عيينه واختاره القرطبي هو القول الأقوى والأظهر ، والله تعالى أعلم بالصواب .
دواعــي الاخــتيار
1ـ هذا القول يتفق والروايات السابقة الدالة على اختلاف الصحابة وتنازعهم في بعض كلمات القرآن.
2ـ رفع الأمر إلى النبي ثم إقرار كل قارئ على قرائته، يوافق الأصول التي استنتجناها، إذ كلها تدور في مجملها على التوسعة والتيسير في القراءة.
3ـ التوسعة ورفع الحرج متحقق في تغيير كلمة بأخرى لها نفس المعنى وتختلف في رسمها، إذ كانت بعض القبائل يصعب عليها النطق بكلمات لم يألفوها.
4ـ اللغة ذاتها توافق هذا المذهب ،كما مرّ بنا في صدر هذا المبحث.
المطلب الثالث:الظرف الزماني لنزول الأحرف
لم يرد في هذه القضية نص صريح يحدد بدقة زمان ومكان نزول الأحرف، شأنها شأن الأحرف السبعة التي كثر كلام العلماء حولها، إلا أن الخلاف في هذه المسألة لا يخرج عن احتمالات ثلاثة:إما أنها نزلت بمكة، أو أنها نزلت بالمدينة أو نزلت مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة.
القول الأول:
أن نزول الأحرف كان بمكة مع بدء نزول القرآن ، ووجه الاستدلال عند أصحاب هذا الرأي:
1ـ أن الأحاديث الواردة في نشأة القراءات، كلها تفيد بأن الأحرف قد نزلت في مكة منذ بدء نزول القرآن الكريم على النبي .
2ـ أنه لا دليل على نزول بعض الأوجه في مكة والبعض الآخر في المدينة وعليه فحمل النص على ظاهره هو الأصل.
ذهب إلى هذا القول محمد سالم محيسن وهو من المعاصرين.
القول الثاني:
أن نزول الأحرف كان بالمدينة بعد الهجرة ووجه الاستدلال عند أصحاب هذا الرأي:
1ـ أنّ الأحاديث التي ورد فيها نزول القرآن على سبعة أحرف، ينبأ ظاهرها أنّ جلّها كانت بالمدينة وذلك للقرائن التالية:
ـ رواة الأحاديث والألفاظ المذكورة فيها تخبر عن ذلك، كحديث أبي بن كعب وقوله كنت في المسجد، فأبي من الأنصار والمسجد كان بالمدينة.
وكذلك قول أبي بن كعب أنّ النبي كان عند أضاءة بني غفار، قال فأتاه جبريل فقال: « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.. » الحديث
فأضاءة بني غفار مستنقع ماء قريب من المدينة، و لم يصله النبي قبل الهجرة .
2ـ أنّ الحاجة إليها في مكة لم تكن أكيدة بقدر ما اشتدت الحاجة إليها بالمدينة وذلك لمّا توافد الناس على الإسلام يحملون لغات شتى ولهجات مختلفة، فنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب في فترة لاحقة أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها، ولم يكلف أحد منهم الانتقال عن لغته إلى أخرى، لما كان فيهم من الحمية وللمشقة التي قد تلحقهم .
ذهب إلى هذا القول:محمد الزفزاف ، وشعبان محمد اسماعيل وكلاهما من المعاصرين.
القول الثالث:
أن نزول الأحرف تكرر مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة .
ذهب إلي هذا الرأي الإمام السيوطي –رحمه الله- و استدل بما نقله عن السخاوي -رحمه الله- في نزول الفاتحة مرتين ، حيث قال :" يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد و نزلت في الثانية ببقية وجوهها ، نحو ملك مالك ، الصراط ، السراط ".
وقريبا من هذا القول رأى السيد رزق الطويل وهو من المعاصرين أن القرآن الكريم مكيّه ومدنيّه نزل بحروفه المختلفة التي يسرها الله للذكر، لكن الحاجة إلى استخدام هذه الأحرف لم تكن ملحة إلا بالمدينة .
مناقشة هذه الأقوال:
يبدو واضحا أنّ القولين (الأول والثالث )يفتقران إلى الأدلة الكافية و بخاصة القول الأول.
1ـ فكون القرآن الكريم ابتدأ نزوله بمكة والأحرف تصرح بالنزول،لا يعدو أن يكون مجرد استقراء يحتمل الخطأ والصواب،والدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به.
2ـ ثم لم يحمل النص على ظاهره وإطلاقه وفي ألفاظه ما يقيّده
3ـ كذلك الأمر بالنسبة للقول الثالث، إذ لم يرد نص صريح يفيد أن النبي كان على علم بالأحرف وهو في مكة، اللهم إلا ما يفهم من حديث أبي بن كعب، حين قال جبريل للنبي « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.. » ، قد يحمل على أن النبي طلب من ربه أن يقرأ على أكثر من حرف، فكان الجواب في بداية الأمر أن اقرأ على حرف، إذ لا يعقل أن يقرأ النبي على حرف ـ وهذا حاصل في كل الحالات ـ ثم ينزل جبريل ويقول: « إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على حرف.. » إلا أن يكون النبي طلب ذلك،وهذا الطلب الذي توحي إليه ألفاظ الحديث يحتمل أن يكون في مكة أو المدينة.
وأيّا كان الأمر فالإذن بالأحرف لم يكن إلا في المدينة، بغض النظرعن كون النبي على علم بها أو على غير علم، وهذا القول هو الأقرب للصواب وذلك للاستدلالات السابقة من جهة، ولرد كيد المشركين من جهة أخرى وتفويت الفرصة على المتربصين الذين يسعون للطعن في القرآن الكريم، فلو قرأ النبي عليهم القرآن بلغات مختلفة لنفروا منه لما فيهم من الحمية للغتهم، والله أعلم.
المطلب الرابع:الأحرف في قراءته وإقرائه وقراءة الصحابة وإقرائهم
أولا: الأحرف في قراءته وإقرائه.
مما لا شك فيه أن الرسول كان يقرأ القرآن ويقرئ أصحابه بالأحرف التي نزل عليها، كما صرحت بذلك الأحاديث الواردة في هذا المجال، فربما يقرئ النبي أحد أصحابه حرفا ويقرئ الثاني حرفين والثالث ثلاثة أحرف..
واستمرت القراءة بالأحرف طيلة حياته بل مات النبي والأحرف مما يقرى ، فالأحاديث الواردة حول الأحرف، كلها تشهد بذلك ولعل أشدها وضوحا وأفصحها بيانا عن المراد: حديث أبي بن كعب الذي جاء فيه الأمر من الله بالقراءة على سبعة أحرف« ..إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا » .
والنبي مكلف بتبليغ ما أمر به قال تعالى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ المائدة 67
ومما يشهد على إقرائه أصحابه بالأحرف:تحسينه قراءة كلا المختلفين في كل نزاع يرفع إليه، فمن حديث عمر وهشام بن حزام تبين أنّ عمر غاب عن مجلس الإقراء الذي عقده رسول الله فأقرأ فيه هشاما سورة الفرقان بخلاف ما أقرأها عمر، بدليل قول عمر للنبي « إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها.. » الحديث.
ثانيا: الأحرف في قراءة الصحابة وإقرائهم:
وعلى ذات الوتيرة سار الصحابة رضوان الله عليهم في حياة نبيهم وبعد وفاته يقرؤون القرآن على أحرفه كما علمهم رسول الله ، فمنهم من كان يعقد مجالس للإقراء ومنهم من علّم القرآن بصلاته، وبعضهم ارتحل إلى الأقطار والأمصار يعلم المسلمين قراءة القرآن بأمر من النبي أو بأمر من أصحابه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام وظل الأمر كذلك طيلة حياة النبي وفترة خلافة أبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان.
فقد بعث النبي مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته يعلمانهم الإسلام ويقرئانهم القرآن ، ولما فتح النبي مكة خلف عليها معاذا يقرئهم القرآن ويفقههم ، وكان عبادة بن الصامت يعلم أهل الصفة القرآن ولما فتح الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذا وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن .
وهذا ابن مسعود كان يقرئ رجلا، فقرأ الآية إنما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَاسورة التوبة 60ـ مرسلة ـ أي من غير مد،فقال ابن مسعود: « ما هكذا أقرأنيها رسول الله ، فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ؟، قال: أقرأنيها إنما الصدقات للفقراء …. فمد الفقراء» .
وكان عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتا بالقرآن قال له عمر: « اعرض عليّ سورة كذا.فعرض عليه فبكى عمر وقال ما كنت أظن أنها نزلت .»
وكان عمر يقول لأبي موسى الأشعري، ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى و يتلاحن .
فهذه النصوص وإن لم تفصح في ثنياها عن قراءة الصحابة بالأحرف فقد كانت وصفا عاما للقراءة والإقراء، غير أن الشاهد هاهنا والذي يثبت أن ما سقناه من آثار يصلح أن يكون دليلا على القراءة والإقراء بالأحرف ، هو حديث أنس بن مالك الذي روى قصة الجمع العثماني .
فعن أنس بن مالك « إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.. وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم … وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرّق » .
تبين من خلال هذا الحديث أنّ الصحابة الذين تفرقوا في الأمصار وأخذ الناس عنهم، كانوا يقرؤون ويقرؤون بالأحرف، بدليل اختلاف الأمة وتنازعها في القراءة.
فعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء، كانوا يقرؤون أهل الشام على غير الحرف الذي قرأ عليه أهل العراق بدليل نص الحديث.
وفي قول عثمان للرهط: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيئي من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ـ علامة واضحة على أن الاختلاف في القراءة كان حاصلا، وكان معروفا ومتداولا بين الصحابة .
وفي أمر عثمان بتحريق المصاحف دليل على أنّ هذه الصحف التي اتخذها الصحابة لأنفسهم كانت مكتوبة بالأحرف.
نماذج من الأحرف في قراءة الصحابة وإقرائهم :
عن أنس أنه قرأ هذه الآية (إنّ ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا )، فقال له بعض القوم يا أبا حمزة، إنما هي وأقوم.فقال: أقوم وأصوب وأهيا واحد .
وعن أبي بن كعب أنه كان يقرأ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِالبقرة 20 (مروا فيه)، (سعوا فيه ).
وكان ابن مسعود يقرأ للذين آمنوا أنظرونا، أمهلونا، أخرونا ،وسئل الأعمش في مسألة، فقال في قراءتنا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَالبقرة 233، وفي قراءة عبد الله (لمن أراد أن يكمل الرضاعة ) ، وكان ابن عباس يقرأ (وإن عزموا السراح ) بدلا من الطلاق.
وجاء في مصحف أبي ( للذين يقسمون من نساءهم ) أي يحلفون ويولون
وقرأ ابن عباس ( للذين يقسمون من نساءهم ).
هذه النماذج التي ذكرناها هي من باب الاستئناس فقط ، إذ لا سبيل للقراءة بها اليوم، لدثورها وعفو آثارها واستقرار الأمة على الحرف الذي اختاره عثمان بن عفان ورضيته الصحابة الكرام، ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا، لاسيما وأن الكثير منها مما يحتمل ،أن يكون من التأويل4 الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه.
وبذلك أصبح كل ما يخالف خط المصحف، في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم والله أعلم .
=================
الإحالات:
-أي أن الشيطان ألقى في روعه شبهة خبيثة بسبب الخلاف الذي جعله يعتقد أن ذلك الاختلاف ليس من عند الله، بل إن الشيطان وسوس له بأن النبي صلى الله عليه وسلم غير أمين في نقل الوحي، فكان هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم – حين سألوه – إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال وقد وجدتموه ؟ قالوا نعم، قال :ذلك صريح الإيمان. أخرجه مسلم . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج1.ص49
-رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب بيان إن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث رقم 820 ج3.ص360،361
-الإضاءة : مستنقع من سيل أو غيره، وغفار : قبيلة من كنانه والمكان هو موضع قريب من المدينة
-رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب بيان إن القرآن أنزل على سبعة أحرف حديث رقم 821 ج3.ص361،362
-رواه الترمذي في أبواب القراءات باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، قال عنه الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن أبي من غير وجه تحفة الاحوذي ج8.ص212
-رواه أحمد ج5.ص51 ، قال الهيثمي رواه أحمد والطبراني بنحوه، إلا أنه قال واذهب أدبر، وفيه علي بن زيد بن جدعان وهوسيئ الحفظ وقد توبع وبقية رجال أحمد رجال الصحيح مجمع الزوائد ج7.ص154 .
- رواه أحمد في أول مسند المدنيين ج5.ص30 قال الهيثمي رواه أحمد ورجاله ثقاة مجمع الزوائد ج7.ص154 .
-رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب اقرؤوا القرآن على ما ائتلفت عليه قلوبكم حديث رقم5060 ج9.ص101 فتح الباري
-سبق ذكر الحديث ص 30
-الإتقان ج1.ص131
-هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي و هو ثقة فقيه ومجتهد كان إماما في القراءات حافظا للحديث وعلله توفي بمكة سنة24 .شذرات الذهب ج2.ص157 .
-سنتناول هذا الموضوع بالتفصيل في مطلب الظرف الزماني لنزول الأحرف.
-القراءات القرآنية لعبد الحليم قابة ص87
-معجم مقاييس اللغة ج2.ص42 لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا تحقيق عبد السلام هارون طبعة دار الفكر
-أي في حرف من القرآن :فتح الباري ج9.ص9
-فتح الباري كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن ج9 .ص9
-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج9 .ص 340
-لسان العرب لابن منظور. ج 10. ص 385
-لسان العرب لابن منظور . ج 10.ص 386
-لسان العرب لابن منظور. ج 10 .ص 387
-لسان العرب لابن منظور. ج 10 .ص 385
-فتح الباري ج9.ص23
-زهر الربى شرح سنن النسائي للسيوطي ج1.ص150 نقلا عن الأحرف السبعة لحسن ضياء الدين عتر ط1 سنة 1998 طبعة دار البشائر الإسلامية
-هو أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض العلامة اليحسبي ولي قضاء سبتة مدة ثم قضاء غرناطة، صنف التصانيف العديدة من أشهرها الشفاء ومشارق الأنوار في غريب الصحيحين والموطأ، توفي سنة 544 هـ شذرات الذهب. ج4.ص304،305
- هو جمال الدين بن محمد سعد بن قاسم الحلاق إمام الشام في عصره ولد بدمشق سنة 1283 هـ متضلع في فنون الأدب كان سلفي العقيدة لا يقول بالتقليد توفى سنة 1332 هـ و له تصانيف كثيرة منها دلائل التوحيد ، قواعد التحديث ، محاسن التأويل وهو تفسير للقرآن الكريم في 17 مجلدا . الأعلام للزركلي ج6.ص26 دار العلم للملايين ط7 ماي 1986 م
-هو الخليل بن أحمد الفرهيدي أمام في اللغة والنحو وهو من أسس علم العروض، قال الواحدي في تفسيره: الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من االخليل الفرهيدي، من تصانيفه كتاب العين في اللغة توفى سنة 170 وقيل 175 هـ شذرات الذهب ج1.ص442 .
-هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني البصري المتكلم المشهور، كان على مذهب أبي الحسن الاشعري، سكن بغداد وصنف التآلي
مواضيع مماثلة
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت مايو 21, 2011 12:37 am من طرف Admin
» خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
السبت مايو 21, 2011 12:32 am من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
الجمعة مايو 20, 2011 10:10 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
الجمعة مايو 20, 2011 10:00 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
الجمعة مايو 20, 2011 9:17 pm من طرف Admin
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 9:08 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:50 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:21 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
الجمعة مايو 20, 2011 7:38 pm من طرف Admin