تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
صفحة 1 من اصل 1
تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
تمهيد:
يبدو أنّ قدر الأمّة الإسلامية قديما كان في وجوه فهم القرآن الكريم (تفسيرا وتأويلا) إذ لم تختلف في شيء اختلافها في " كتابها المنزّل على النبيّ محمّد ولا زالت فهل أنّ ذلك راجع إلى عجائبه التي لا تنقضي أم إلى استغلاق معانيه، واستعصاء آياته عن الفهم الصحيح ؟ وهل أنّ الدوافع الخلافية كانت دوافع داخليّة أم أنّ هناك عقولا في مؤسسات تضغط للحيلولة دون استشراء عصر تنويري (عربي- إسلامي) يعيد للتاريخ معانيه وللأمّة سؤددها ؟
فالمسلمون لم يقبلوا على نصّ من النصوص إقبالهم على النصّ القرآني يتأملون نظمه ويستكنهون معانيه. وذلك أنّ عملية تفسير القرآن تجربة في قراءة النصّ فريدة من نوعها، فلا نظنّ أنّه يوجد في الحضارة العربية من النصوص ما استقطب من الاهتمام وتعدّد القراءة وتنوّع الأقوال كالذي استقطبه النصّ القرآني. ومردّ ذلك إلى أمور مميّزة فيه نذكر منها: إنّه نصّ سماوي وإنّه نصّ دين، وتشريع، وإنّ فيه من الخصائص الأسلوبية ما يهيئه لاختلاف الفهم وتعدّد التأويل. غير أنّ التأمل والاستكناه لم يمنعا الأمّـة من التفرّق مللا ونحلا، كلّ يدعي أنّه الفرقـة الناجية الظـافرة من القرآن الكريم بالرأي السّديد وإصابة المعنى الدقيق . فعلى الرغم من انتشار عوامل النزاع وهبوب رياح التنابذ أحيانا فإنّ ذلك أثمر تجربة عربيّة إسلامية ثريّة تجلت فيها معاني النصّ العميقة الشيء الذي أثمر مشارب متعدّدة تدلّ عليها مصنّفات أصول الفقه وتشهد عليها الكتب الموضوعة في التفسير وعلم الكلام. غير أنّ تلك الخلافات لم تمس "أصل النصّ الذي لا يزال أيضا تحت أعيننا وهو نصّ لم يعترض عليه لا في مجموعه ولا في تفاصيله أحد من الفرق العديدة. فلقد وصلنا ضامنه رواية متتابعة ومجمع عليها" .
فليس المقام هنا إحصاء أسباب الاختـلاف الخفيّة والفهم وتعدّد التأويل، فهي كثيرة راجعة في جملتها إلى عوامل ذاتية وسياقية فاعلة في الذات المنشئة والذات المتلقيّة. فعلى الرغم من الدعوة إلى التوحيد باسم الله الواحد الأحد فإن الحدث القرآني نصّ بامتياز. وهو ينطوي على التعدّد والفهم من حيث التنزيل في الواقع ومن حيث التعريف المفهومي لذلك فرّق البعض بين الأثر والنصّ، إذ النصّ كمشروع قراءة " هو النصّ التعدّدي لأنّ ذلك لا يعني فحسب انطواءه على معان عديدة وإنّما كونه يحقّق تعدّد المبنى ذاته، إنّه تعدّد يشرّع إلى تنوّع القراءات" .
و من ثمّ أضحى القول ملحّا على التجديد. إذ ما قيمة الأقوال إذا لم تترجم إلى تنوّع ينهض بالواقع. وكون النصّ القرآني تعدّديّا لا يعني فقط انطواءه على تعدّد المعاني بقدر ما يعني أنّه بنيّة أصليّة لمشروعيّة اختلاف التنوّع. أي أنّه ينتج بذلك الاختلاف والمغايرة بقدر إنتاجه التشابه والمماثلة. فهو نصّ مفتوح واحتمال لا يتوقف على التأويل. فكلّ يستعيد النصّ بقراءته له وإنّما يكتب في الوقت ذاته اختلافه. ويقول حقيقته، ويفهم منه ما يجيزه عقله ويسمح به فهمه ويمليه ظرفه وشرطه. ومن هنا كانت العودة إليه لدى الجدال في أيّ أمر من أمور الدّين والدّنيا لاستنباط الدّليل والعثور على الدّلالة لا تفضي دوما إلى الاتفاق والائتلاف. فبإمكان أي واحد أن يعثر فيه على دلالته ويبني أدلّته كي يدعم موقفه ويبرّر مقالته.
و لما كان موضوع فهم القرآن أو قراءته يصبّان في معنى قديم جديد هو "التفسير" أو "التأويل" فإنّ المدوّنة في إطار مواكبتها للتحوّلات الإقليميّة والعالميّة طرحت المسألة لكن ليس في إطار دراسة تقارب النصّ للمتاح الواقعي ولكن تقحّمت المسألة في نطاق طرح تجديد يسائل المنجز توسّلا بأسلوب معاصر. لكن هل سيصمد مفهوم المعاصرة أمام الطرح المقترح:
1- المفسّر
2- التراث التفسيري
3- النصّ " .
و ما تقتضيه المعرفة العلمية من تقسيم المعارف إلى:
أ- معارف معلنة: يعبّر عنها بواسطة الخطاب.
ب- معارف عمليّة: يعبّر عنها بواسطة الأفعال.
فالمناداة بالتجديد أصبحت مسألة ملحّة أمام الضغوط، والإكراهات الوافدة فإن لم تطرح من داخل المجتمع كإسهام أكاديمي، فإنّ بعض المراكز الأجنبيّة ستدفع المفكّر العربي المسلم إلى ضرورة طرحها اضطرارا لا اختيارا. وليس عجيبا أن يقع لفت الانتباه خلال بداية القرن الواحد والعشرين إلى نصّ يمثّل ثنائية يصعب درك الخيط الرّابط بينهما وهي:
1- النصّ من حيث التأسيس (المصدر / المأصول )
2- النصّ من حيث الفهم والتأسيس (التأصيل).
- التفسير ودواعيه:
رغم خطورة الموضوع " قيد الدّرس " وما يثيره من قضايا وإشكالات لأنّه يمسّ أقدس الأقداس. فإنّ كلّ تطويح يردي صاحبه إلى ركن ركين من النبذ الآني، واللاحق لكن هذه الخطورة لم تمثّل عقبة كأداء أمام المسلمين، أو أمام غيرهم. فلم يعجزهم ذلك الخوض عن معالجة النصّ سبرا وتقسيما ، فهما واستيعابا وتفسيرا. فعلى إثر المجادلات الواقعة في النصّ وحوله غنم الفكر الإسلامي وتمكّن المسلمون من تجويد إيمانهم ورفع لواء المعرفة دون موانع من الذات بقطع النظر عن كلّ الرهانات الخفيّة بما في ذلك العمل على دحض كلّ ما يشدّ إلى الفكر والتجارب والقواعد المبتذلة كتلك التي ترى أنّ " ليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن نقول غير الذي قالوه ولا أن نقيس قياسا لم يقيسوه." . وقديما كان وراء التجديد في الفكر أو الواقع في فهم النصّ أو تفهمه تفسيرا أو تأويلا بعض الفرق الإسلاميّة المغالية مغالاة سياسيّة أو عقيديّة. كما كانت تدفع النصّ / القرآن، إمّا بالإضافة إليه ابتداعا وإبداعا أو الحدّ من هيمنته بالتقوّل عليه وتحميله ما ليس منه أو بالحدّ من رموزه وعجائبه التي لا تنقضي بالحذف منه أو تقييده بمناهج لا تنضبط. من ذلك مناداة بعض الفرق الإسلاميّة، كالعجاردة من الخوارج بإسقاط سورة يوسف كلّها من القرآن. وأضاف الأشعري في مقالاته "أنّهم ينكرون كون سورة يوسف من القرآن ويزعمون أنّها قصّة من القصص وقالوا: " لا يجوز أن تكون قصّة العشق من القرآن" .
كما تباهت بعض الأمصار على أخرى بقرآنها حيث أثارت وسائل الإعلام الموضوع نفسه، لكن بتناوله من زوايا أخرى، إلاّ أنّ جميعها تهدف إلى نظرات تجاوزيّة لمسألة الموروث التاريخيّ والدينيّ للأمّة كما تناولت الوسائل نفسها ووسائطها المسألة ذاتها " القرآن "، (مصدريّته، أهدافه، تنزيله في الواقع). إضافة إلى مسألة تتعلّق بكيفيّة التعامل معه في النصوص التعليميّة الموجّهة للناشئة المسلمة، تحت طرح مجموعة من التساؤلات:
- هل يقع التعامل مع القرآن على الحالة التي هو عليها دون تمييز بين آية وأخرى ؟
- هل ينبغي تعمّد الاختيار والانتقاء ؟
- هل يقع السكوت عن بعض الآيات قصد تغييبها نظرا إلى عدم تلاؤمها مع المنشود وما تفرضه الإكراهات الوافدة؟ وفي المقابل يقع التركيز على بعض الآيات الأخرى التي تدعو إلى التعاون، والتآخي، والانفتاح على الآخر المغاير ثقافيّا ودينيّا.
و في اعتقادنا أنّ هذا الطرح مغلوط معرفيّا وتاريخيّا وليس خاصّا بالإسلام وحده وينبغي استبدال الإشكال المتعلّق بالموافقة على الانتقاء أو معارضته بإشكال أعمق يتعلّق بكيفيّة قراءة النصّ الديني عامّة والقرآن خاصّة . وهو ما حاول صاحب مقال " تجديد التفسير وإشكاليّة المعاصرة" الإجابة عنه " ما دام النصّ القرآني موحّدا إذا نظرنا إليه في مجموعه، وهو أيضا متعدّد الوجوه" . كما اختلفت بعض الفرق في جوانب أخرى كمسألة الذات والصّفات والقـدرة وغير ذلك من المسائل العقيديّة إذن الاختلاف حول القرآن طال نواحي عديدة في الفكر الإسلامي، بل كان مشغـلا من المشاغل. والحاصل من التنازع في التجديد وحوله والدّواعي التي أملت الحثّ على تناوله خلال هذه الفترة بالذات، إمكان بحث التجديد لا من باب التوسّل بالمستجدّ من البحوث العلميّة كعلم الوراثة واللّسانيات، والأنتروبولوجيا، وغير ذلك كثير. ولكن الدّاعي الأكثر إلحاحا هو وقوع معاني القرآن بين التفسير والتأويل.
فما التفسير وما التأويل وماذا يُعنى بالتجديد في الفكر الإسلامي وما غاية صاحب الدراسة من ذلك؟
المبحث الأول:
تفسير القرآن بحث في المفهوم
وطموح إلى التجديد
فهم القرآن بين التفسير والتأويل:
فيما يتعلّق بالمصطلح فأوّل ما تجدر ملاحظته والتنبيه إليه في الكتابات المعاصرة التي تناولت الموضوع تركيزها على المصطلحين رغم التفاوت الذي يبدو بينهما، إذ دونهما حضور مصطلح " فهم " وذلك أنّ مهمّة فهم النصّ تتوجّه بالدرجة الأولى إلى معناه" وهو المعنيّ بالتجديد في الدراسة قيد النّقد. كما أنّ دُونَ ذلك مصطلح " قراءة ".
و نظرا إلى كون التفسير والتأويل قراءة فإنّ التفاوت كائن في الفهم وفي الغاية وممّا يدعم رأينا التقاء مادّتي " ف.س.ر" و" س.ف.ر" في معنى الكشف، ثمّ نرى السّفر يعني الكشف المادّي خصوصا والظاهر وكذا المغطّى، والفسر الكشف المعنويّ والباطن، والتفعيل منه التفسير، كشف المعنى وإبانته وهو أيضا الإيضاح والتبيّن" . إنّ الشيء الذي دعا عديد الباحثين في مجال علوم القرآن ومفسّريه إلى اعتبار التواشج، والتعالق بين معنيي التفسير والتأويل محصّلة من محصّلات اللغة والفهم. كما أنّ المقصود من التفسير والتأويل استجلاء المعـنى، وبناء عليه بان أنّ نهج الوصـول إلى المعنى هو اللّفظ (تفسيرا أو تأويلا). لذلك تطفح إلى السّطح عند التفسير العلاقة المعروفة بين اللّفظ والمعنى فيتّضح أنّ التفسير والتأويل عمليّتان تنطلقان كلتاهما من اللّفظ بمعناه الواسع أي من النصّ، من لغته، ما دامت اللّغة في تعريف أصحابها "كلّ لفظ وضع لمعنى وهي عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني" . كما أشار ابـن خلـدون إلى المعنى نفسه بوضوح أكبر، إذ قال بعد الكلام على التفـسير المنقـول عن السّلف " والصنف الآخر من التفسير وهو ما يرجع إلى اللّسان من معرفة اللّغة والإعراب والبلاغة في تأدية المقاصد والأساليب (...) وإنّما جاء هذا بعد أن صار اللّسان وعلومه صناعة" .
بيد أنّ ابن منظور اعتبر التفسير والتأويل من المترادفات إذ نقل عن ابن الأعرابي قوله: "التفسير والتأويل والمعنى واحد" . لذلك نميل إلى كون التفسير والتأويل يشتركان في معنى الإقبال على النصّ بحثا عن مقاصده " فالتفسير أو التأويل هو المراد نفسه بالكلام، فإن كان الكلام طلبا كان تأويله الفعل المطلوب نفسه، وإن كان خبرا كان تأويله الشيء نفسه المخبر به" . غير أنّ التفـسير والتأويـل وإن اشتركا في التعبيـر عن الانطلاق في الشّرح فإنّهما يختلفان في المنهج المعتمد والغاية المطلوبة ليصبح كلّ منهما علما قائما بذاته، فتكلّم "حاجي خليفة" مثلا عن علمين مختلفين: "علم التفسير وعلم التأويل" وما دامت العلاقة بين المصطلحين عنده ظنينة فإنّ اتصاف أحدهما بصفة يعني ضمنيّا اتصاف الثاني بخلافها ولعلّ ذلك كان سببا في ميل البعض إلى القول بالفروق بين العلمين " إذا التفسير يمثّل المستوى الأوّل من مستويات القراءة حيث الدلالة واحدة، بسيطة، سريعة التبادر إلى الذّهن لا تحتمل تعدّدا يدركها العامّ والخاصّ لذلك: " قيل التفسير أعمّ من التأويل" ممّا دعا الإمام الشافعي في الباب نفسه إلى تقسيم العلم إلى علمين:
- علم العامّة: وهو علم عامّ لا يمكن فيه الغلط من الخبر والتأويل ولا يجوز فيه التّنازع.
- علم الخاصّة: ما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا" .
لذلك لم يخف على أساطين السّلف أنّ التأويـل مسألة لا يتعلّق الاختـلاف فيها بالنـصّ بقدر ما يتعلّق بالذات القارئة للنصّ، فالتأويل عمليّة ذاتيّة تتأثّر بالتفاوت البديهيّ بين البشر في مؤهلاتهم وطاقاتهم ودائرة معارفهم، قال الشّاطبي: " والأنظار تختلف باختلاف القرائح والتبحّر في علم الشريعة، فلكلّ مأخذ يجري عليه وطريق يسلكه بحسبه لا بحسب ما في الأمر نفسه(...) وإن أخذت كلّ علم في نفسه وما حصل له من علم الشريعة فلا تجد عنده من الأدلة المتشابهة والنّصوص المجملة إلاّ النادر القليل."
إنّ الدّاعي إلى الخوض في تفسير القرآن أو تأويله الردّ رغم دلالة لغة القرآن بنفسها على التجدّد والخلق ورفض السّكون والرّتابة. " فلئن كان الاسم في لغة العرب يدلّ على الثبوت والاستمرار فإنّ الفعل يدلّ على التجدّد والحدوث والمراد بالتجدّد في الماضي الحصول؛ وفي المضارع أن من شأنه أن يتكرّر ويقع مرّة أخرى، فدلالة الفعل على التجدّد والحدوث مشهور عند أهل البيان" .
لكن ما يلحظ في أعمال المفسّرين قلّما كان بدافع ذاتـّي أو تمـاه مع إملاءات النـصّ قرآنـا أو حديثا بنقل صحيح. وإلى جانب ذلك كان التحسّس للفهم واضحا والإعمال للفكر والذوق باديا. ومصداق ذلك ما نقله صاحب التحرير والتنوير: " قلت لعليّ: هل عندكم شيء من الوحي في كتاب الله، فقال: لا والذي خلق الحبّة وبرا النّسمة ما أعلمه إلاّ فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، ثمّ تلاحق العلماء في تفسير القرآن وسلك كلّ فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه " .
فبالبحث والتقصّي يبدو " أن ليس للتفسير أصلا شأنه في ذلك شأن " الملاحـم والمغـازي، أي ليس لها إسناد. لأنّ الغالب عليها المراسيل " . ممّا دفع البعض إلى اتخاذ ذلك قرينة للقول بالتجديد والتجدّد. وربّما وصل الأمر إلى القول بمراجعة بعض دلالات القرآن ليسهل حذفها، أو الأمر بعدم تداولها بوضع ذلك موضع النسخ حكما لا تلاوة، بناء على أنّ النصّ القرآني (القرآن الكريم) خاضع بديهة للتجريب ". إذ النصّ القرآني يصف نفسه بأنّه رسالة والرسالة تمثل علاقة اتصال بين مرسل ومستقبل من خلال شفرة، أو نظام لغوي. ولمّا كان المرسل في حالة القرآن لا يمكن أن يكون موضعا للدرس العلمي فمن الطبيعي أن يكون المدخل العلميّ لدرس النصّ القرآني مدخل الواقع والثقافة. الواقع الذي ينتظم حركة البشر المخاطبين بالنصّ وينتظم المستقبل الأوّل للنصّ وهو الرّسول والثقافة التّي تتجسّد في اللغة. بهذا المعنى يكون البدء في دراسة النصّ بالثقافة والواقع بمثابة بدء بالحقائق الامبريقيّة . ومن تحليل هذه الحقائق يمكن أن نصل إلى فهم علمي لظاهرة النصّ" .
و على الرّغم من هذا التسلّط المقولي التجريبيّ فإنّ الموانع ظنينة أمام تعريف كلّ من التفسير والتأويل.
فما التفسير اصطلاحا ؟
" التفسير أحد العلوم الشرعيّة المتعلّقة بالقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى هداية للنّاس ورحمة ونورا، يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالته على مراد الله تعـالى بقدر الطـاقة البشريّة " .
غير أنّ التعريف الجامع المانع للتفسير فهو: " اسم للعـلم الباحث في معاني ألفاظ القرآن ومـــا
يستفاد منها باختصار أو توسّع ".
و إذا كان القرآن لا يقدّم الحقيقة عارية بحيث يسهل جذبها، بل يقدّمها في ثوب فنّي بليغ ومعجز فإنّ المسلمين انقسموا في البحث عن الحقيقة بين مفسّر ومؤوّل، وإذا كان التفسير استقراء ومساءلة فما التأويل؟.
التأويل لغة من " الأول بمعنى الرّجوع والصيرورة " يقال طبخ الشراب فآل إلى قدر كذا وكذا من باب " قال " أي رجع. وأوّلته إذا رجعته شدّد للتعدية ومنه المآل بمعنى المرجع والمصير. وآل الأمير رعيّته أيالة، وأيالا أيضا، أي ساسها وأحسن رعايتها. فالتأويل محاولة الوصول إلى العلم بظاهرة من الظواهر عن طريق حركة النّظر، أو الفكر الإنسانيّ. إلاّ أنّ المؤوّل لابدّ أن يكون على علم بالتفسير يمكّنه من " التأويل " المقبول للنصّ وهو " التأويل الذي لا يخضع النصّ لأهواء الذات وميول المؤوّل الشخصيّة والأيديولوجية" . وهو ما يعتبره القدماء تأويلا محظورا مخالفا لمنطوق النصّ ومفهومه. لذلك وتحوّبا من المزالق، حدّ العلماء التأويل بل سوّروه بسور لا ينفكّ عنه، وذلك بأن " عدّ بعضهم المجاز وحده مدخل التأويل" .
و تأسيسا عليه حدّ الغزالي في المستصفى حدّا قاطعا للتأويل إذ بدا في تصوّره " عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظنّ من المعنى الذي يدلّ عليه الظاهر ويشبه أن يكون كلّ تأويل صرفا للفظ عن الحقيقة إلى المجاز وكذلك تخصيص العموم يردّ اللّفظ عن الحقيقة إلى المجاز" .
أمّا في الاصطلاح:
فيطلق التـأويــل على تفسير مادّة القرآن الكريم، فهو جزء إضافيّ هامّ للشرح اللّفظي الظاهـري للقرآن الذي صار يسمّى التفسير" والأرجح أنّ التأويل يعني: " صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنّة عن طريق الاستنباط" .
و ممّن مال إلى أنّ التفسير والتأويل شيء واحد إيماء عبد الرحمان ابن خلدون إذ أنّه عقد "فصلا في علوم القرآن والتفسير والقراءات" بالمقدّمة وضرب الذكر صفحا عن التأويل. وذلك أنّه لو رأى كبير غناء في الخوض في الفرق بينهما ما كان ليغفله أو يسقطه. كما أنّه قد عرض له في فصل " علم الكلام " بقوله: " لم يتعرّضوا لمعاني في كتاب الله ببحث ولا تأويل " أما الشيخ الطاهر ابن عاشور فقد أيد ما جرت عليه عادة المفّسرين في بيان معنى التأويل وهل هو مساو للتفسير أو أخصّ منه أو مباين له. وجماع القول في ذلك أنّ من العلماء من جعلهما متساويين. وإلى ذلك ذهب ثعـلـب وابن الأعـرابيّ وأبـو عبيـدة وهو ظاهر كلام الـرّاغـب ، ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه، ومنهم من قال: "التـأويل صرف اللّفـظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل وهناك أقـوال أخرى لا عبرة بها، وهذه كلّها مشاحة . إلاّ أنّ اللغـة والآثار تشهد للقول الأوّل" . إذا كان التأويل هو فنّ الفهم بل "فهم الفهم " كما يذهب إلى ذلك أرباب التأويـل من المعاصرين وخصوصا " غـادامييـر " فإنّه عندنا " إعادة تعريف للأشياء والفكر والعقل والحقيقة.
إنّ دعوة الباحث في " تجديـد التفسيــر" على ضرب من الضروب: دعوة إلى التأويـل قبل أن تكون دعوة إلى التفسير جريا على عادة الجمّ الغفير من العلماء الذين صنّفوا في علوم القرآن وتفسيره (قدامى ومحدثين). خاصّة إذا ساوينا بين القراءة النسقيّة المدعوّ لالتزامها نهجا مستحدثا وضوابط التأويل التي نستشفها من أولئك الذين حاولوا تفحّص المناهج التفسيريّة بإطلاق. أي سواء أعالج التفسير النصّ التراثي أم النصّ بصفته " وحيا مباركا ". فإنّ ضوابط التأويل كائنة على النّسق التالي والذي يتلخّص منهجه في:
أ. التقيّد باللّسان العربي.
ب. فهم الفرق بين الإنزال والتنزيل
ج. فهم معنى الترتيل من قوله تعالى: { ورَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً } (المزمّل، الآية 4) إذ الترتيل كقيد في التأويل يعنى به " أخذ الآيات المتعلّقة بالموضوع الواحد بعضها وراء بعض لأنّ الرّتـل في اللّسان العربي " الصفّ على نسق معيّن " إذ لا يقصد بالترتيل التلاوة ولا التنغيم" .
د. عدم الوقوع في التعضيّة لقوله تعالي { كَمَـا أَنْزَلْنَا عَـلَى المُقْتَسِمِيـنَ الذِّينَ جَعَلُوا القُـرْآنَ عِضِينَ} (سورة الحجرات الآية 90).
ه. فهم أسرار مواقع النّجوم.
و. قاعدة تقاطع المعلومات، وتقتضي هذه القاعـدة: انتقاء أي تناقض بين آيـات الكتـاب كلّـه في التعليمات والتشريعات" . وذلك كلّه له صلة وثيقة بالحياة الثقافيّة التي لا يمكن أن يباعد واقعها بينه وبين الرّاهن المعيش.
فالثقافة لا يمكن لها أن تتجدّد ما لم يقف العقل على مسافة من نفسه. وما لم يحصل له وعي مغاير لذاته. والتفسير لا يمكن أن يستجيب لراهنه إلاّ من خلال الإجابة عن التساؤل التالي: هل الاختلاف اختلاف بالعموم المطلق بالنسبة لمدلول التفسير؟ والمنصوص المطلق بالنسبة لمدلول التأويل ؟ أم هو تباين بين المدلولين في كلّ من تحليل صاحب مقال" تجديد التفسير وإشكاليـة المعاصرة " وفي ما سنأتي على بيانه ونقده تأويلا ؟
و بدءا لابدّ من التأكيد على أنّنا نستطيع التأويل كما يمكننا أن نحاول التقاط الأخطاء غير أنّ البرهان بإتباع منهج جيّد لن يكون أقل على من يرغب بالهدم حتّى ولو كانت مثل هذه العمليات تثير إعجاب عصرنا" .
تجديد التفسير بين طموح الباحث وواقع النصّ:
التجديد مصطلح عام لابدّ له من ضوابط تقيّده حتّى لا يفصح عن دلالات ليست من النـصّ ولا من إحدى سنن العرب في كلامها، فدعوى التجديـد " لعدم استجـابة هذا الإرث الكبير الذي لم يعد يتفق مع المنظومة الفكريّة والاجتماعيّة التي تصوغ واقعه الذي يتحرّك فيه جزء من الإطلاق. والعموم الذي على المفسّر درك الدائرة التي يجب أن يسعها مستوى التجديد.
فما المعنى الذي يريد صاحب " تجديد التفسير وإشكالية المعاصرة " الوصول إليه ؟
لقد أجاب مبيّنا "أنّ صفة التجديد تقتضي" أنّه عندما تسند إلى المفسّر تبيان طبيعة تشخيصيّة للاختلاف بين القيم، والمفاهيم يجب أن: لا تصاغ خارج النصّ وخارج إطاره التاريخيّ. أو بمعنى آخر " لابدّ من تحديد الاختلاف بين المدوّنة التفسيريّة الموروثة. والحاجات الجديدة التي يطرحها الفكر والواقع" . وذلك إنّه لا يعدّ مجدّدا من لم يزد دوره على " لغة مستساغة تنظر في التفاسيـر وترجّح بينها" وإن تجاوز قليلا دور الترجيح إلى " الاستفادة من الكشوفات العلميّة " .
و بهذا الاعتبار من المجدّد إذا لم يرجّح المفسّر أحسن الأقوال ولم يعضد رأيه بدليل يقتضيه السّياق أو تقوم على تفسيره الوقائع التاريخيّة والانجازات العلميّة ؟
و هل إنّ الذي يربط صلته وتفسيره بالتراث الفكري والعقليّ يعد كائنا تراثيّا ما دامت آليات فكره تتواصل عبر عمليات الاستنساخ الثقافي مع غضّ الطرف عن تحيين ذلك التراث ؟
و بناء عليه ما الحدّ الفاصل بين رؤية تنظر إلى الحاضر من خلال الماضي وأخرى تطاول الحاضر على ضوء مساءلة الماضي لتجاوزه؟
و لحسم المسألتين يذهب صاحب " تجديد التفسير " إلى أنّ المجدّد هو " من يقطع إيجابيّا مع التراث التفسيري القديم بناء على هذا الفهم وفق أصول محدّدة من جهة. ووفق استيعاب التراث التفسيريّ لفهمه ولتجاوزه من جهة أخرى. وكذا عبر استحضار قضايا العصر الفكريّة، والاجتماعيّة، والأخلاقيّة ".
و أمام هذه المطارحة الفكريّة ينجم سؤال مفاده: أَبِمِثْل هذه المواصفات يتميّز المجدّد في مجال التراث التفسيريّ ؟
لا نعتقد أنّ السّمات المذكورة تضحي محدّدا أساسا لما هو قديم ولا يمكن لها كنواميس نقديّة استقرائيّة بناء نهضة تساءل التراث لتتجاوزه وتؤسس لنهضة فتمنعها من السقوط.
و ذلك أنّ كلّ مفسّر وفي حدود ما يفعل إن يكن " مفسّرا بالمأثور أو بالدّراية أو بالفيض والإشارة" فإنّما يمارس شكلا من أشكال التجديد لأنّه لو سئل: أي هدف يريد بلوغه من وراء عمله الذي يمارسه؟ لأجاب: إنّه يريد التجديد وبلوغ ما لم يبلغه الذّين سبقوه وإن يكن قد انتهج نهج التفسير بالرواية فضلا عن ممارسة التجديد عبر التفسير بالفيض الذي يرى أصحابه " التأويل إشارة قدسيّة ومعارف سبحانيّة تنكشف من سجف العبارات للسالكين وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين ".
و ما دامت معارف سبحانيّة منكشفة من سجف العبارات على السالكين فهي فيض مستمرّ وكشف جديد متجدّد بقدر قرب صاحب التأويل من تلك المعارف وتعمّقه فيها. لذلك يمكن فهم التجديد على أساس المنطق الاستبدالي وليس على أساس المنطق الاختزالي أو الانتقائي.
لكن كيف يمكن تطبيق الاستبدال " تحرّرا من المدوّنة التفسيريّة الموروثة" ؟ وفي الآن نفسه "استيعاب المدوّنة التفسيريّة ذاتها ونقدها ؟" . بل كيف نجمع بين التحرّر من المدوّنة وفي الآن نفسه استيعابها، ألا يخشى الوقوع في التناقض المقولي ؟
إنّ التحرّر الوارد في متن الدراسة وبالمنهج المسّطر غير ممكن لسببين نراهما وجيهين:
الأوّل: لأنّ النّقل والسّماع لابدّ منهما في ظاهر التفسير. أولا: ليتقى به مواضع الغلط، ثمّ يتّسع التفهّم والاستنباط، خصوصا وأنّ أصل قيام العقائد، وجزء من الشرائع المتعلّقة بحفظ النّفس، والدّين على النّقل. فضلا عن " أنّ الحاضر ينوء بثقل ماض يفوق ما يتوقّع " . إضافة إلى أنّ " القراءة المتميّزة التي يقترحها صاحب المقال، والتي تستحضر قضايا العصر الفكريّة، والاجتماعيّة " ، نابعة من فهم مبالغ فيه للعرف الواقع والمستجدّ. فإن عُنِيَ بذلك تجاوز الكلّ فلعمر الحقّ ليست وقائعنا، ولا أعرافنا مخالفة لعرف، ووقائع الذين سبقونا لتكون حاكمة على عرف ووقائـع ما سوانـا من الأعصار، وما ينبغي أن يكون. وإن عُنِيَ بالتحرّر نقض عُرَى الماضي من أعراف، وغيرها فمسألة غير مسلم بها قطعا.
الثاني: إنّ الدعوة إلى التحرّر من المدوّنة التفسيريّة الموروثة، لا تنسجم مع معنى تجديد التفسير وإشكاليّة المعاصرة . بل إنّ ذلك لا ينسجم دلاليّا مع ما يحيل عليه لفظ التحرّر من ميل إلى نقض الموروث والثورة عليه إذ كان الأجدى استعمال عنوانا آخر يوافق معنى التجديد وهو " تأويل القرآن وإشكاليّة المعاصرة عوضا عن تجديد التفسير وإشكاليّة المعاصرة، لأنّ التأويل في تقديرنا مرحلة لاحقة على التفسير، بل هي أوسع منها، إذن التفسير غير التأويل لكونهما مرحلتين في الشّرح مختلفتين متكاملتين سابقته التفسير ولاحقته هي التأويل، على الرّغم من ميلنا إلى استعمالهما عند جلّ العلماء المحقّقين بالمعنى نفسه (أي القراءة والشّرح توسّعا) وذلك أنّ قضايا التأويل يزكّيها البحث اللّسانيّ الحديث وكما لم يغفلها أهل النّظر الأوائل إذ كانت لهم شذرات تحسّسوا من خلالها المسألة لَحْظا ولم يشفعوها ذلك بَحْثا، مثال ذلك ما نجده في قول أحدهم: " وتأويل جميع القرآن (...) ما كان علمه عند أهل اللسان " . ويتفرّع هذا الفصل بمقتضى البحث إلى جزئين كبيرين غير متكافئين:
- أ- دواعي التأويل الخارجة عن النصّ.
- ب- دواعي التأويل المنبثقة من النصّ نفسه.
و لئن اصطلح السّلف على إطلاق مصطلح متشابه على مظاهر الغموض، وأسباب الاختلاف التي من أبرزها لغات العرب. فقد جاء أغلب الاختلاف " من قبل ما وضع منها على خلاف. وإن كان كلّه مسوقا على صحّة وقياس " .
كما أنّ من أسبابها أيضا: " مشكل القرآن الموهم بالاختلاف، والتناقض " . فإنّ داعي التجديد الواقع بين طموح الباحث، وواقع النصّ ليس قائما على كلا التأويلين. ولا على المطلوب فيما يتوقف عليه علم التفسير وهو " فهم المراد بالخطاب الذي إن كان معلوما فالزيادة على ذلك تكلّف" . ولا هو على ما ينبني عليه عمل. أو ما يتوقف عليه المطلوب. وإنّما هو قائم على أساس تجاوز التراث التفسيري " . دون بيان معنى التجاوز التفسيري، ولا الاعتبارات التي أقامها لأجل ذلك التجاوز والمتمثلة في " غاية علم التفسير، ومنهجه، وطبيعته" .
ثمّ أنّ السلف ميّزوا في صلب التأويل بين المعاني التي انفرد الله بعلمها، وبين الإجمال المتصل بلغة النصّ الذي فصّله الغزالي مثلا إلى إجمال في اللفـظ المفـرد. وفي اللفـظ المركّـب. وفي التصريف، وفي نسق الكلام، وفي الوقـوف، والابتداء وبين قضـايا الفقه، والاجتهـاد حيث لا يتعلّق الاختلاف بلغة النصّ، إنّما يتعلّق بمقاصد الشريعة. فهو من النّاحية قريب كلّ القرب ممّا تصطلح عليه الدراسة اللّسـانيّة الحديثة بالبـراغمـاتيّـة ، أو نظريّـة التلفّـظ. حيث لا يطلب المعنى من ظاهر لغة النصّ بل من نوايا المتكلّم ومقاصده كالذي يسأل عن السّاعة وهو إنّما يريد أن يدعوك إلى إخلاء سبيله. قال الشاطبي مثلا في تأكيد الفصل بين المقاصد واللّغة: " الاجتهاد إن تعلّق بالاستنباط من النّصوص فلابدّ من اشتراط العلم بالعربيّة وإن تعلّق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجرّدة عن اقتضاء النّصوص لها أو مسلمة من صاحب الاجتهاد في النصوص فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية. وإنّما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلا خاصّة (...) فمن فهم مقاصد الشرع من وضع الأحكام وبلغ فيها رتبة العلم بها ولو كان فهمه لها عن طريق الترجمة باللّسان الأعجميّ. فلا فرق بينه وبين من فهمها من طرف اللّسان العربي. ولذلك يوقع المجتهدون الأحكام الشرعيّة على الوقائع القوليّة التي ليست بعربيّة."
و لعلّ من أبرز القضايا الدلاليّة المدرجة في هذه الاختلافات التي تنسحب على قضايا التفسير (تأويلا) وعلى قضايا الفقه المقاصدي معرفة القياس، ومناط الأحكام وذلك " أنّ الشريعة لم تنصّ على حكم كلّ جزئيّة على حدة. وإنّما أتت بأمور كليّة، وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكلّ معيّن خصوصيّة ليست في غيره. ولو في نفس التعيين (...) فلا يبقى صورة من الصوّر الوجوديّة المعيّنة إلاّ وللعالم فيها نظر سهل أو صعب حتّى يحقق تحت أي دليل تدخل" .
و الذي لا شكّ فيه أنّ هذا الفصل بين قضايا التأويل الناشئة عن أسباب خارجية من جهة، وأسباب نصيّة من جهة أخرى، إنّما هو فصل منهجيّ بالدرجة الأولى يجعلنا نتساءل كذلك: عن مدى ما تسمح به الملاحظة العلميّة: " من شروط ممارسة العقل الإسلامي لنفسه في الأعمال التفسيريّة القديمة والحديثة " ، بناء على أنّ السلطة العليا في تفسير الكتاب، إنّما ترجع على رأي البعض " إلى كلّ فرد فلا ينبغي أن تكون هناك أيّة قاعدة أخرى للتفسير سوى النّور الطبيعي المشترك بين جميع النّاس. حيث لا يمكن أن يتبعه الفلاسفة ذوو البصيرة النّافذة، بل يجب أن يكون في متناول الذهن العادي المشترك بين جميع النّاس." والذي يمكن أن يندرج في الهبـة التي يهبها الله المتقين من عباده. وبناء عليه تذوي نظريّـة التجديد القائمة على " ما يأتي
من محض التلاؤم مع الماديات الحديثة، أو ما تتيحه البدائل الممكنة لتوظيف المستحدثات الماديّة" .
و تأسيسا عليه فإنّ التجديد على شاكلة نظريّة التجاوز دون بيان علم التفسير، ومنهجه، وطبيعته في ما سلف من تحليل، يعادل ما تطرحه النخب الثقافيّة التي يغلب عليها الطابع العلماني، والتي تغفل الحقيقة التالية: " أنّ نسقا فكريّا إذا انتزع من سياقه الاجتماعي الثقافي التاريخي وزرع في سياق اجتماعي ثقافي تاريخي مغاير، إذا جرى ذلك: فإنّ النسق المنقول قد يقوم بأداء وظيفيّ عكس الذي يقوم به في سياقه المأخوذ منه". وذلك أن النهج النسقي المقترح في عمليّة التجديد التفسيري الواردة في متن الدّراسة قيد الدّرس لا تستجيب لشروط قيام المنهج الإسلامي في المعرفة كما سيأتي بيانه في الفصلين القادمين.
فالباحث بطرحه النّسقي، أدرك نتيجة بحث عنها طويلا، عبر التوسّل إلى ذلك بمقدّمات منها: البحث عن الخيوط المنهجيّة التي توصله إلى طموحه فتجعله يمسك بواقع النصّ المبحوث عن آليات فهمه، وسبر خيوطه التي نُسِجَ منها بضرب المثل الذي يشد النتيجة بأسبابها. من ذلك النبش في تاريخيّة المحاولات التفسيريّة الضنينة قديما وحديثا. وبالمحصّلة أدرك أنّ للنسقيّة مدارج لا يمكن الوصول إلى نهايتها إلاّ عبر سبر أغوار بعض ارهاصات النّسق من ذلك: تذكيره " بما دعا إليه جمال الدّين الأفغاني قبله من ضرورة ترتيب الآيات حسب نزولها وتناول الآيات ضمن مجموعة محاور يدور كلّ منها حول موضوع واحد."
غير أنّ التجديد بمفهومه الشامل قد يطلعنا وفي المجال الذي نحن بصدده " واقع النصّ " على قراءات شبيهة، إلاّ أنّها طالت نصوصا مقدّسة أخرى، (العهد القديم، والعهد الجديد). فقد تكون محايثة البحث وواقعه التحليليّ نابعة من عدم اتساع الدراسة لغيرها من المقاربات. بيد أنّنا كاشفون أنّ الطموح البحثي لا يقف عند حدود. فمقدّمات النسق في القادم من التحليل والتعليق لها جذور نعتقد أنّ الأفغاني اطلع عليها وهي اقتراح بعض الفلاسفة اللاّهوتيين نهجا مثاليّا في التعامل الموضوعيّ مع النصّ المقدّس شبيها بما اقترحه الأفغاني. ويتمثّل في " تجميع آيات كلّ سفر وتصنيفها تحت موضوعات أساسيّة عددها محدود حتّى نستطيع العثور بسهولة على جميع الآيات المتعلّقة بالموضوع نفسه. وبعد ذلك نجمع كلّ الآيات المتشابهة، والمجملة، أو التي يعارض بعضها البعض."
وبعيدا عن هذا النبش في ماضي النصّ قديما، وحديثا، نجد طموحا آخر من قبل الباحث يتمثّل هذه المرّة في الكتابة عمّا لم يرد إقحام نفسه فيه من قضايا خلافيّة أعني بذلك " التأويل " حيث لم يبحثه ولم يكلّف نفسه عناء السّفر بعيدا عن رموزه ودلالاته (فالمتن / النصّ) الذي بين أيدينا يقرّ بالتداول الخفيّ لروح التأويل لا مظاهره التقنيّة، أو الإجرائيّة. وليس أدلّ على ذلك من خوضه في مجال "التاريخيّة ومسالك التجديد" إذ أفصح عن طموح أثنى عليه يتمثّل في "الدراسات القرآنيّة النقديّة التي تنشر اليوم من قبل باحثين أكادميّين أو مستشرقين غربيّين (...) إذ تطرح قضايا هامّة تحفّز الباحث في علم التفسير على توجيه أعماله وجهة علميّة معتمدا في ذلك على منهجيات حديثة في الدرس والنّظر" حيث إنّه نعى على العقل الإسلامي تعامله السلبي مع تلك الأطروحات ظنّا منه " عدم صدق نوايا أصحابها " .
إنّ ما يستوقفنا في هذا الإكبار لمحاولة الغير الخوض في التفسير توسّلا بالمنهجيّات الحديثة، والأساليب العلميّة دون تحديد تلك الوسائل، أو تلك الأساليب، يدعونا إلى استكشاف طموح الباحث الحامل لأثر الذات، إذ الذات هوى وغرض وهي فرادة وخصوصيّة. فلا سبيل إذا لأن يتطابق طموح الباحث والواقع أو الحقيقة والحقّ، إذ الحقّ مفارق، متعال، غائب بينما الحقيقة التي نروم الوصول إلى كشفها جزئيّة، خاصّة ومحايثة. ولذا فإنّ العارف يهجس دوما بمقاربة الحقّ، ولكنّه لا يزعم القبض على الحقيقة أو احتكارها. وسواء أهفا طموح الباحث إلى الحقّ أو الحقيقة فإنّ الثناء على كلّ من المنهج العلمي أو الوسائل الحديثة في الدرس. والنظر ليس إلاّ محاولة تأويليّة تتوسل بإطلاقات اصطلاحيّة شبيهة بالتأويل الإسلامي غير أنّها تستعمل تحت غطاء " الهيرمنيوطيقا " . وإن لم تصرّح به لذلك نراها لا تصل إلى مداها لتقترح تحليلا فيلولوجيا لظواهر النصّ الأسلوبيّة أو مكامنه المعرفيّة لأنّ تلك التجارب المتوسّلة بمعنى الهيرمنيوطيقا تقف أمامها حسب الباحث معضلتان:
الأولى: استخفاف غير مبرّر بالفكر التقليدي وفاعليّته في المجتمع.
الثانيّة: توقية مفرطة هشمت جهود أجيال عربيّة متلاحقة " .
و ربّما يعود ذلك إلى كون الهرمنيوطيقا لا تعني مجرّد عمليّة فهم لشيء معطى، محدّد سلفا، له وجود خارجيّ محايد عن المتلقّي الذي يحاول أن يفهم هذا الشيء أو النصّ " .
و تأسيسا على المعضلتين لم يتساءل الباحث بعد إذ تحصّن بالتحديث ومسالك التجديد عن "كيفيّة علاقة المفسّر بالنصّ إذا أراد أن لا يسطو على النصّ وأدرك ضرورة التمييز بين أفهام أئمّة التفسير القدامى ودلالات النصّ المفتوحة ". فالتساؤل لن يكون وجيهـا إلاّ إذا " لم يفترض الموائمـة قسرا بين فكـر الكتاب / النصّ ومقتضيات عقلنا وأفكارنا المسبقة ".
أوّلا إذا اعتبرنا التأويلات ملاذ الانشقاق من جهة، وفتح لباب التأويلات الأيديولوجيّة من جهة أخرى وضعا في الاعتبار أن الهيرمنيوطيقا أداة تفهم مثلى للتأويليّة والتفسير هو المنهج المفضّل لعلوم الطبيعة ثانيا.
فإنّ الطموح البحثي لا تقييد على أسسه. وإن واقع النصّ لا حدود في كيفيّة استنطاقه تفسيرا أو تأويلا وسواء أماهينا بين المفهومين (التفسيـر والتأويـل) أم فرّقنا بينهما أو استعضنا عن التأويـل بالهيرمنيوطيقا، فإنّ التأويل ينبني على الفرق والتعدّد ويفترض الاتساع في اللّفظ والفيض في المعنى. لذلك من غير الممكن أن تكون الحقيقة المبحوث عنها في استنطاق النصّ بإحدى الوسيلتين حقيقة أحاديّة الجانب،أو يكون التأويل نهائيّا. فالنصّ القرآني لا يتوقّف عن كونه محلاّ لتوليد المعاني واستنباط الدلالات. أمّا إذا تبنّينا الهرمنيوطيقا في حدود ما يدل عليه التأويل، فإنّنا نرى أنّها قضيّة قديمة وجديدة في الوقت ذاته، إذ أنّ في تركيزها على علاقة المفسّر أو مستقرئ التفاسير ليست قضيّة خاصّة بالفكر الغربي. بل هي قضيّة لها وجودها الملّح في تراثنا العربي القديم والحديث على السواء. بيد أنّه من واجبنا الوعي كلّ الوعي في تعاملنا مع الفكر الغربي فلابدّ من الشعور بأنّنا في حالة حوار دائم، وجدليّ. وأنّه علينا أن لا نكتفي بالاستيراد، والتبنّي. بل علينا أن ننطلق من همومنا الرّاهنة في التعامل مع واقعنا الثقافي بجانبيه التاريخي، والمعاصر. ومن هنا يكتسب حوارنا مع الفكر الغربي أصالته وديناميّته ومن هنا أيضا نكفّ عن اللّهث وراء كلّ جديد ما دام قادما إلينا من الغرب المتقدّم. وهذا الوعي بعلاقتنا الجدليّة بالفكر الغربي من جانب آخر يخلّصنا من الانكفاء على الذّات والتقوقع داخل أسوار تراثنا وتقاليدنا. إذ الغريب أنّ واقعنا الثقافي وكذلك الاجتماعي والسياسي يتسع لشعاري "الانفتاح الكامل والاكتفاء الكامل دون أدنى إحساس بالتعارض الجذري بين الشعارين."
فإن كانت الدعوة إلى التجديد كذلك توسّلا بالمناهج الحديثة، وهو ما نستشفّه من تصريح الباحث بانّ تجديده يبحث في " قطيعة إيجابيّة تعود إلى التراث عبر الثورة المعرفيّة الحديثة التي غيّرت النظرة إلى العالم والإنسان والذات " فإنّ وظيفته عندئذ لا يجب أن تجاوز الوظيفة الإفهاميّة وإن عدّ التفسير وظيفة أساسيّة في الكتابة العلميّة. إذ الخطاب العلميّ يفسّر، ولا يؤوّل. ونظرا إلى أنّ التفسير المعنيّ هو تفسير القرآن الكريم، فإنّ اشتماله على ما اختصّ تعلمه منزله، ورسوله وحيا يجعل مصطلحا " علميّا " انزياحا بدلالات الخطاب من معناها الحقيقيّ إلى معنى آخر يدرك تأويلا لا تفسيرا. ومن ثمّ ليس أمامنا إلاّ سلوك طريق واحد يتمثّل في منعرجين معرفيّين دون سواهما. وهما: " إمّا أن ننزوي باعتبارنا قرّاء داخل انغلاق النصّ وأن نعامله كنصّ مستقلّ دون عالم، ولا مؤلف وفي الحالة هذه تجدنا نفسّره بواسطة دراسة علاقاته الدّاخلية. أي بواسطة بنيته الخاصّة. وإمّا أن نرفع انغلاق ذلك النصّ، وأن نكمّله في شكل كلام وأن نعيده إلى قلب التواصل الحيّ وفي هذه الحالة تجدنا نؤوّله."
و بهذا المعنى أَفَلاَ يكون التأويل هو الأجدى والأكثر ملائمة لغرض الباحث ؟ لأنّه يطلب به اختراق اللغة. واختراق بنيات النصّ لامتلاكه فهم متجدّد للنصّ، وللذات المؤوّلة نفسها. ثمّ إنّ استعمال مصطلح التفسير بمثل ما آب إليه تحليل التجديد لا يتلاءم والسيّاق العامّ للطرح البديل. إذ هناك بون شاسع بين الطموح وواقع النصّ، فالطموح هو الوصول بالتفسير إلى غايته القصوى وهي التأويل في حين أنّ الوسيلة المستعملة لا تعدو كونها وسيلة تقليدية. غير أنّ تقليديّتها لا تعود في ما يراه بعض المفكّرين إلى إجرائيّاتها (وسائلها) ولكن إلى المحترزات الدّاخلة في أسسها مثل التأويل المساوي للتهويم " فالتأويل الصحيح هو صرف معنى اللفظ عن ظاهره إلى معنى يحتمله ويعضده دليل، فيخرج بذلك تأويل الباطنيّة على اختلاف مستوياته " .
فالتأكيد على المعرفة العلميّة بمثل عبارة " إنّ المعرفة لن تقف عند حدّ تغيير النظرة إلى التراث فقط بل ستغيّر جانبا أساسيّا منه وهو طبيعة التعامل مع القرآن نفسه " . فيه تأصيل لحكم ما وهو ما ينسجم مع معنى التفسير لا التأويل أخذا بالنظرة التي تجعل فاصلا معرفيّا بين المصطلحين والتي تذهب إلى كون: " التفسيرات دائما أحكاما. وغالبـا ما تعتمد الأحكام على الفروض المسبقة التي تظهرها للوجود (...) ومن الضروري أن نجعل هذه المفاهيم المسبقة خصبة لأغراض التفسير لا أن نسعى لإنتاج التفسيرات دون أحكام يتمّ تصوّرها مسبقا. وذلك باتخاذ النصّ نقطة انطلاق ثابتة." وربّما كانت تلك النقطة الثابتة التفسير النبوي اللغويّ في حجمه الضئيل. وفي دلالته القرآنيّة الماورائيّة. وفي استغنائه عن الرّصيد الشعري العربي، يمثّل مادّة مكتفية بذاتها تستمدّ حجّتها من ذاتها، وكأن الرسول بحضوره هو عنصر الإقناع والتأثير، فلا يحتاج إلى التوسّع لعلم القوم. وفي المعنى نفسه قال صاحب كشف الظنون: " فكان الله تعالى قد علّمه ما لم يكن يعلمه غيره، فكان أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله، وما جهلوه يسألوه عنه فيوضّحه. وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللّسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن" . فقد يكون ذلك احتمالا قائما ما دامت الدعوة إلى التجديد تتعلّق بالتفسير رأسا. وما دام النصّ وتفسيـره قائمين على الافتراضات المسبقة والاحتمـالات فأنّى ينسجم ذلك مع نظريّة التحرّر من القديم، فضلا عن الثورة عليه ؟
و بناء على كلّ ذلك: هل حدّ صاحب البحث التجديد بحدود ؟ وما مدى تطابق معنى التجديد مع مدوّنتنا اللّغويّة وممارسات من تعاطى مع القرآن وعلومه (قراءة وفهما وتفسيرا) ؟
و إذا كان التقابل والتعارض في الفكر الإسلامي لا تجري أسبابه بين نصّين فإنّ الخلاف كما نرى يجري داخل دائرة البيان. أمّا التعارض والتقابل فكان بين نسقين من التأويل يصدران عن نظامين مختلفين تماما" . فهل سيصمد نظام التأويل (عرفانا) ؟ أم نظام التأويل ( بيانا ) ليفتح بابا برهانيّا يكون نظام النّسق أحد مداخله المشروعة ؟
================
الإحالات:
- على الرغم من أن معنى " من " الوارد في حديث " تفترق أمّتي " في ما ينقل عماد الدّين ابـن كثـير متسائلا: "في من هل تكون بمعنى الإفراد أم الجمع؟ فقد ادعى كلّ قوم في إمامهم أنّه المراد بهذا الحديث والظاهر منه أنّه يعم حملة العلم من كلّ طائفة ومن كلّ صنف من أصناف العلماء مفسّرين، ومحلّلين، وفقهاء، ونحاة، ولغويّين. وهو كلام يحمل معنى الاختلاف ومظاهره وهو يهدي السبيل إلى الجانب الأصلي في الحديث من جهة أخرى"
- مجموعة من الباحثين، (ندوة الواقع الديني اليوم)، كمال عمران، إشكالية التجديد في الفكر الإسلامي، بيت الحكمة قرطاج، ط01، 2000، ص 102.
- بارك جاك، إعادة قراءة القرآن، ترجمة وتعليق منذر العيّاشي، مركز الإنماء الحضاري، ط02، 2005، ص35.
- الفكر العربي المعاصر(مجلة)، عدد38، 1986، رولان بارت، من الأثر الأدبي إلى النصّ، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، ص114.
- يجب الانتباه إلى المعنى المراد بالمفسّر، إذ المفسّر بضمّ الميم وكسر السّين هو القائم بعمليّة التفسير وهو غير المفسّـر بضمّ الميم وفتح السّين وهو اللّفظ الذي يدلّ على الحـكم دلالـة واضحة، لا يبقى معها احتمـال للتـأويل أو التخصيص، ولكنّه ممّا يقبل النسخ في عهد الرسالة وقد عبّر عنه السّرخسيّ بأنّه " اسم للمكشوف الذي يعرف المراد به مكشوفا على وجه لا يبقى معه احتمال للتأويل.
- السّرخسيّ أبو بكر محمّد، أصول السّرخسيّ، تحقيق أبو الوفاء الأفغاني، دار الكتاب العربي، ج01 ، 1372هـ ص 165.
- النصّ المقصود هنا: " هو النصّ القرآني أو كتاب الله العزيز وليس النصّ في عرف الأصوليّين والذي يعرف بأنّه: " ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده، حيث إنّه اسم مشترك يطلق في تعاريف العلماء على ثلاثة أوجه:
* ما أطلقه الشّافعي فإنّه سمّى الظاهر نصّا وهو منطبق على اللّغة.
* ما لا يتطرّق إليه احتمال أصلا لا على قرب ولا على بعد.
* التعبيـر بالنصّ عمّا يتطـرّق إليه احتمال مقبول ناشئ عن دليل، أمّا الاحتمال الذي يعضده دليل فلا يخرج اللّفظ عن كونه نصّا".
- الغزالي أبو حامد، المستصفى في علم الأصول، المرجع نفسه،ج01، ص ص384-386.
أمّا النصّ عند ابن قدامة فهو: " ما يفيد بنفسه من غير احتمال."
- ابن قدامة عبد القادر بن أحمد، روضة الناظر وجنّة المناظر، تعليق سعيد الشثري، مكتبة عبيكان، ط01، 1422هـ، ص220.
- مجلة الحياة الثقافية عدد 161، 2005، إحميدة النيفر، الدراسة نفسها ، ص24.
- أعمال الجامعة الصيفية الخامسة، سوسة، جويلية 1999، المعارف المعلنة والمعارف العمليّة في خدمة التعلّميّة، محمّد الأمين بن عبد الرحمان، ص15.
- المأصول: " المأصول من الشيء ما كان نابعا من الأصول وهو يقف كطرف مقابل للمنقول وأدواته".
- عبد الرحمان طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، المرجع نفسه، ص12.
- السّبر: " Le sondage " في اللغة الاختبار واصطلاحا: يعني حصر الأوصاف التي تصلح للتعليل في بادئ الرأي ثمّ إبطال ما لا يصلح منها فيتعيّن الباقي للتعليل عند من يذهب إلى أن السبر والتقسيم كلّ منها شامل للآخر وهو حقيقيّ ومجازي.
- السيوطي جلال الدّين، الإتقان في علوم القرآن، تقديمم مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دمشق، ط05، ج02، ص 1057.
– صليبا جميل، المعجم الفلسفي، المرجع نف
يبدو أنّ قدر الأمّة الإسلامية قديما كان في وجوه فهم القرآن الكريم (تفسيرا وتأويلا) إذ لم تختلف في شيء اختلافها في " كتابها المنزّل على النبيّ محمّد ولا زالت فهل أنّ ذلك راجع إلى عجائبه التي لا تنقضي أم إلى استغلاق معانيه، واستعصاء آياته عن الفهم الصحيح ؟ وهل أنّ الدوافع الخلافية كانت دوافع داخليّة أم أنّ هناك عقولا في مؤسسات تضغط للحيلولة دون استشراء عصر تنويري (عربي- إسلامي) يعيد للتاريخ معانيه وللأمّة سؤددها ؟
فالمسلمون لم يقبلوا على نصّ من النصوص إقبالهم على النصّ القرآني يتأملون نظمه ويستكنهون معانيه. وذلك أنّ عملية تفسير القرآن تجربة في قراءة النصّ فريدة من نوعها، فلا نظنّ أنّه يوجد في الحضارة العربية من النصوص ما استقطب من الاهتمام وتعدّد القراءة وتنوّع الأقوال كالذي استقطبه النصّ القرآني. ومردّ ذلك إلى أمور مميّزة فيه نذكر منها: إنّه نصّ سماوي وإنّه نصّ دين، وتشريع، وإنّ فيه من الخصائص الأسلوبية ما يهيئه لاختلاف الفهم وتعدّد التأويل. غير أنّ التأمل والاستكناه لم يمنعا الأمّـة من التفرّق مللا ونحلا، كلّ يدعي أنّه الفرقـة الناجية الظـافرة من القرآن الكريم بالرأي السّديد وإصابة المعنى الدقيق . فعلى الرغم من انتشار عوامل النزاع وهبوب رياح التنابذ أحيانا فإنّ ذلك أثمر تجربة عربيّة إسلامية ثريّة تجلت فيها معاني النصّ العميقة الشيء الذي أثمر مشارب متعدّدة تدلّ عليها مصنّفات أصول الفقه وتشهد عليها الكتب الموضوعة في التفسير وعلم الكلام. غير أنّ تلك الخلافات لم تمس "أصل النصّ الذي لا يزال أيضا تحت أعيننا وهو نصّ لم يعترض عليه لا في مجموعه ولا في تفاصيله أحد من الفرق العديدة. فلقد وصلنا ضامنه رواية متتابعة ومجمع عليها" .
فليس المقام هنا إحصاء أسباب الاختـلاف الخفيّة والفهم وتعدّد التأويل، فهي كثيرة راجعة في جملتها إلى عوامل ذاتية وسياقية فاعلة في الذات المنشئة والذات المتلقيّة. فعلى الرغم من الدعوة إلى التوحيد باسم الله الواحد الأحد فإن الحدث القرآني نصّ بامتياز. وهو ينطوي على التعدّد والفهم من حيث التنزيل في الواقع ومن حيث التعريف المفهومي لذلك فرّق البعض بين الأثر والنصّ، إذ النصّ كمشروع قراءة " هو النصّ التعدّدي لأنّ ذلك لا يعني فحسب انطواءه على معان عديدة وإنّما كونه يحقّق تعدّد المبنى ذاته، إنّه تعدّد يشرّع إلى تنوّع القراءات" .
و من ثمّ أضحى القول ملحّا على التجديد. إذ ما قيمة الأقوال إذا لم تترجم إلى تنوّع ينهض بالواقع. وكون النصّ القرآني تعدّديّا لا يعني فقط انطواءه على تعدّد المعاني بقدر ما يعني أنّه بنيّة أصليّة لمشروعيّة اختلاف التنوّع. أي أنّه ينتج بذلك الاختلاف والمغايرة بقدر إنتاجه التشابه والمماثلة. فهو نصّ مفتوح واحتمال لا يتوقف على التأويل. فكلّ يستعيد النصّ بقراءته له وإنّما يكتب في الوقت ذاته اختلافه. ويقول حقيقته، ويفهم منه ما يجيزه عقله ويسمح به فهمه ويمليه ظرفه وشرطه. ومن هنا كانت العودة إليه لدى الجدال في أيّ أمر من أمور الدّين والدّنيا لاستنباط الدّليل والعثور على الدّلالة لا تفضي دوما إلى الاتفاق والائتلاف. فبإمكان أي واحد أن يعثر فيه على دلالته ويبني أدلّته كي يدعم موقفه ويبرّر مقالته.
و لما كان موضوع فهم القرآن أو قراءته يصبّان في معنى قديم جديد هو "التفسير" أو "التأويل" فإنّ المدوّنة في إطار مواكبتها للتحوّلات الإقليميّة والعالميّة طرحت المسألة لكن ليس في إطار دراسة تقارب النصّ للمتاح الواقعي ولكن تقحّمت المسألة في نطاق طرح تجديد يسائل المنجز توسّلا بأسلوب معاصر. لكن هل سيصمد مفهوم المعاصرة أمام الطرح المقترح:
1- المفسّر
2- التراث التفسيري
3- النصّ " .
و ما تقتضيه المعرفة العلمية من تقسيم المعارف إلى:
أ- معارف معلنة: يعبّر عنها بواسطة الخطاب.
ب- معارف عمليّة: يعبّر عنها بواسطة الأفعال.
فالمناداة بالتجديد أصبحت مسألة ملحّة أمام الضغوط، والإكراهات الوافدة فإن لم تطرح من داخل المجتمع كإسهام أكاديمي، فإنّ بعض المراكز الأجنبيّة ستدفع المفكّر العربي المسلم إلى ضرورة طرحها اضطرارا لا اختيارا. وليس عجيبا أن يقع لفت الانتباه خلال بداية القرن الواحد والعشرين إلى نصّ يمثّل ثنائية يصعب درك الخيط الرّابط بينهما وهي:
1- النصّ من حيث التأسيس (المصدر / المأصول )
2- النصّ من حيث الفهم والتأسيس (التأصيل).
- التفسير ودواعيه:
رغم خطورة الموضوع " قيد الدّرس " وما يثيره من قضايا وإشكالات لأنّه يمسّ أقدس الأقداس. فإنّ كلّ تطويح يردي صاحبه إلى ركن ركين من النبذ الآني، واللاحق لكن هذه الخطورة لم تمثّل عقبة كأداء أمام المسلمين، أو أمام غيرهم. فلم يعجزهم ذلك الخوض عن معالجة النصّ سبرا وتقسيما ، فهما واستيعابا وتفسيرا. فعلى إثر المجادلات الواقعة في النصّ وحوله غنم الفكر الإسلامي وتمكّن المسلمون من تجويد إيمانهم ورفع لواء المعرفة دون موانع من الذات بقطع النظر عن كلّ الرهانات الخفيّة بما في ذلك العمل على دحض كلّ ما يشدّ إلى الفكر والتجارب والقواعد المبتذلة كتلك التي ترى أنّ " ليس لنا اليوم أن نخترع، ولا أن نقول غير الذي قالوه ولا أن نقيس قياسا لم يقيسوه." . وقديما كان وراء التجديد في الفكر أو الواقع في فهم النصّ أو تفهمه تفسيرا أو تأويلا بعض الفرق الإسلاميّة المغالية مغالاة سياسيّة أو عقيديّة. كما كانت تدفع النصّ / القرآن، إمّا بالإضافة إليه ابتداعا وإبداعا أو الحدّ من هيمنته بالتقوّل عليه وتحميله ما ليس منه أو بالحدّ من رموزه وعجائبه التي لا تنقضي بالحذف منه أو تقييده بمناهج لا تنضبط. من ذلك مناداة بعض الفرق الإسلاميّة، كالعجاردة من الخوارج بإسقاط سورة يوسف كلّها من القرآن. وأضاف الأشعري في مقالاته "أنّهم ينكرون كون سورة يوسف من القرآن ويزعمون أنّها قصّة من القصص وقالوا: " لا يجوز أن تكون قصّة العشق من القرآن" .
كما تباهت بعض الأمصار على أخرى بقرآنها حيث أثارت وسائل الإعلام الموضوع نفسه، لكن بتناوله من زوايا أخرى، إلاّ أنّ جميعها تهدف إلى نظرات تجاوزيّة لمسألة الموروث التاريخيّ والدينيّ للأمّة كما تناولت الوسائل نفسها ووسائطها المسألة ذاتها " القرآن "، (مصدريّته، أهدافه، تنزيله في الواقع). إضافة إلى مسألة تتعلّق بكيفيّة التعامل معه في النصوص التعليميّة الموجّهة للناشئة المسلمة، تحت طرح مجموعة من التساؤلات:
- هل يقع التعامل مع القرآن على الحالة التي هو عليها دون تمييز بين آية وأخرى ؟
- هل ينبغي تعمّد الاختيار والانتقاء ؟
- هل يقع السكوت عن بعض الآيات قصد تغييبها نظرا إلى عدم تلاؤمها مع المنشود وما تفرضه الإكراهات الوافدة؟ وفي المقابل يقع التركيز على بعض الآيات الأخرى التي تدعو إلى التعاون، والتآخي، والانفتاح على الآخر المغاير ثقافيّا ودينيّا.
و في اعتقادنا أنّ هذا الطرح مغلوط معرفيّا وتاريخيّا وليس خاصّا بالإسلام وحده وينبغي استبدال الإشكال المتعلّق بالموافقة على الانتقاء أو معارضته بإشكال أعمق يتعلّق بكيفيّة قراءة النصّ الديني عامّة والقرآن خاصّة . وهو ما حاول صاحب مقال " تجديد التفسير وإشكاليّة المعاصرة" الإجابة عنه " ما دام النصّ القرآني موحّدا إذا نظرنا إليه في مجموعه، وهو أيضا متعدّد الوجوه" . كما اختلفت بعض الفرق في جوانب أخرى كمسألة الذات والصّفات والقـدرة وغير ذلك من المسائل العقيديّة إذن الاختلاف حول القرآن طال نواحي عديدة في الفكر الإسلامي، بل كان مشغـلا من المشاغل. والحاصل من التنازع في التجديد وحوله والدّواعي التي أملت الحثّ على تناوله خلال هذه الفترة بالذات، إمكان بحث التجديد لا من باب التوسّل بالمستجدّ من البحوث العلميّة كعلم الوراثة واللّسانيات، والأنتروبولوجيا، وغير ذلك كثير. ولكن الدّاعي الأكثر إلحاحا هو وقوع معاني القرآن بين التفسير والتأويل.
فما التفسير وما التأويل وماذا يُعنى بالتجديد في الفكر الإسلامي وما غاية صاحب الدراسة من ذلك؟
المبحث الأول:
تفسير القرآن بحث في المفهوم
وطموح إلى التجديد
فهم القرآن بين التفسير والتأويل:
فيما يتعلّق بالمصطلح فأوّل ما تجدر ملاحظته والتنبيه إليه في الكتابات المعاصرة التي تناولت الموضوع تركيزها على المصطلحين رغم التفاوت الذي يبدو بينهما، إذ دونهما حضور مصطلح " فهم " وذلك أنّ مهمّة فهم النصّ تتوجّه بالدرجة الأولى إلى معناه" وهو المعنيّ بالتجديد في الدراسة قيد النّقد. كما أنّ دُونَ ذلك مصطلح " قراءة ".
و نظرا إلى كون التفسير والتأويل قراءة فإنّ التفاوت كائن في الفهم وفي الغاية وممّا يدعم رأينا التقاء مادّتي " ف.س.ر" و" س.ف.ر" في معنى الكشف، ثمّ نرى السّفر يعني الكشف المادّي خصوصا والظاهر وكذا المغطّى، والفسر الكشف المعنويّ والباطن، والتفعيل منه التفسير، كشف المعنى وإبانته وهو أيضا الإيضاح والتبيّن" . إنّ الشيء الذي دعا عديد الباحثين في مجال علوم القرآن ومفسّريه إلى اعتبار التواشج، والتعالق بين معنيي التفسير والتأويل محصّلة من محصّلات اللغة والفهم. كما أنّ المقصود من التفسير والتأويل استجلاء المعـنى، وبناء عليه بان أنّ نهج الوصـول إلى المعنى هو اللّفظ (تفسيرا أو تأويلا). لذلك تطفح إلى السّطح عند التفسير العلاقة المعروفة بين اللّفظ والمعنى فيتّضح أنّ التفسير والتأويل عمليّتان تنطلقان كلتاهما من اللّفظ بمعناه الواسع أي من النصّ، من لغته، ما دامت اللّغة في تعريف أصحابها "كلّ لفظ وضع لمعنى وهي عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني" . كما أشار ابـن خلـدون إلى المعنى نفسه بوضوح أكبر، إذ قال بعد الكلام على التفـسير المنقـول عن السّلف " والصنف الآخر من التفسير وهو ما يرجع إلى اللّسان من معرفة اللّغة والإعراب والبلاغة في تأدية المقاصد والأساليب (...) وإنّما جاء هذا بعد أن صار اللّسان وعلومه صناعة" .
بيد أنّ ابن منظور اعتبر التفسير والتأويل من المترادفات إذ نقل عن ابن الأعرابي قوله: "التفسير والتأويل والمعنى واحد" . لذلك نميل إلى كون التفسير والتأويل يشتركان في معنى الإقبال على النصّ بحثا عن مقاصده " فالتفسير أو التأويل هو المراد نفسه بالكلام، فإن كان الكلام طلبا كان تأويله الفعل المطلوب نفسه، وإن كان خبرا كان تأويله الشيء نفسه المخبر به" . غير أنّ التفـسير والتأويـل وإن اشتركا في التعبيـر عن الانطلاق في الشّرح فإنّهما يختلفان في المنهج المعتمد والغاية المطلوبة ليصبح كلّ منهما علما قائما بذاته، فتكلّم "حاجي خليفة" مثلا عن علمين مختلفين: "علم التفسير وعلم التأويل" وما دامت العلاقة بين المصطلحين عنده ظنينة فإنّ اتصاف أحدهما بصفة يعني ضمنيّا اتصاف الثاني بخلافها ولعلّ ذلك كان سببا في ميل البعض إلى القول بالفروق بين العلمين " إذا التفسير يمثّل المستوى الأوّل من مستويات القراءة حيث الدلالة واحدة، بسيطة، سريعة التبادر إلى الذّهن لا تحتمل تعدّدا يدركها العامّ والخاصّ لذلك: " قيل التفسير أعمّ من التأويل" ممّا دعا الإمام الشافعي في الباب نفسه إلى تقسيم العلم إلى علمين:
- علم العامّة: وهو علم عامّ لا يمكن فيه الغلط من الخبر والتأويل ولا يجوز فيه التّنازع.
- علم الخاصّة: ما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا" .
لذلك لم يخف على أساطين السّلف أنّ التأويـل مسألة لا يتعلّق الاختـلاف فيها بالنـصّ بقدر ما يتعلّق بالذات القارئة للنصّ، فالتأويل عمليّة ذاتيّة تتأثّر بالتفاوت البديهيّ بين البشر في مؤهلاتهم وطاقاتهم ودائرة معارفهم، قال الشّاطبي: " والأنظار تختلف باختلاف القرائح والتبحّر في علم الشريعة، فلكلّ مأخذ يجري عليه وطريق يسلكه بحسبه لا بحسب ما في الأمر نفسه(...) وإن أخذت كلّ علم في نفسه وما حصل له من علم الشريعة فلا تجد عنده من الأدلة المتشابهة والنّصوص المجملة إلاّ النادر القليل."
إنّ الدّاعي إلى الخوض في تفسير القرآن أو تأويله الردّ رغم دلالة لغة القرآن بنفسها على التجدّد والخلق ورفض السّكون والرّتابة. " فلئن كان الاسم في لغة العرب يدلّ على الثبوت والاستمرار فإنّ الفعل يدلّ على التجدّد والحدوث والمراد بالتجدّد في الماضي الحصول؛ وفي المضارع أن من شأنه أن يتكرّر ويقع مرّة أخرى، فدلالة الفعل على التجدّد والحدوث مشهور عند أهل البيان" .
لكن ما يلحظ في أعمال المفسّرين قلّما كان بدافع ذاتـّي أو تمـاه مع إملاءات النـصّ قرآنـا أو حديثا بنقل صحيح. وإلى جانب ذلك كان التحسّس للفهم واضحا والإعمال للفكر والذوق باديا. ومصداق ذلك ما نقله صاحب التحرير والتنوير: " قلت لعليّ: هل عندكم شيء من الوحي في كتاب الله، فقال: لا والذي خلق الحبّة وبرا النّسمة ما أعلمه إلاّ فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، ثمّ تلاحق العلماء في تفسير القرآن وسلك كلّ فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه " .
فبالبحث والتقصّي يبدو " أن ليس للتفسير أصلا شأنه في ذلك شأن " الملاحـم والمغـازي، أي ليس لها إسناد. لأنّ الغالب عليها المراسيل " . ممّا دفع البعض إلى اتخاذ ذلك قرينة للقول بالتجديد والتجدّد. وربّما وصل الأمر إلى القول بمراجعة بعض دلالات القرآن ليسهل حذفها، أو الأمر بعدم تداولها بوضع ذلك موضع النسخ حكما لا تلاوة، بناء على أنّ النصّ القرآني (القرآن الكريم) خاضع بديهة للتجريب ". إذ النصّ القرآني يصف نفسه بأنّه رسالة والرسالة تمثل علاقة اتصال بين مرسل ومستقبل من خلال شفرة، أو نظام لغوي. ولمّا كان المرسل في حالة القرآن لا يمكن أن يكون موضعا للدرس العلمي فمن الطبيعي أن يكون المدخل العلميّ لدرس النصّ القرآني مدخل الواقع والثقافة. الواقع الذي ينتظم حركة البشر المخاطبين بالنصّ وينتظم المستقبل الأوّل للنصّ وهو الرّسول والثقافة التّي تتجسّد في اللغة. بهذا المعنى يكون البدء في دراسة النصّ بالثقافة والواقع بمثابة بدء بالحقائق الامبريقيّة . ومن تحليل هذه الحقائق يمكن أن نصل إلى فهم علمي لظاهرة النصّ" .
و على الرّغم من هذا التسلّط المقولي التجريبيّ فإنّ الموانع ظنينة أمام تعريف كلّ من التفسير والتأويل.
فما التفسير اصطلاحا ؟
" التفسير أحد العلوم الشرعيّة المتعلّقة بالقرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى هداية للنّاس ورحمة ونورا، يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالته على مراد الله تعـالى بقدر الطـاقة البشريّة " .
غير أنّ التعريف الجامع المانع للتفسير فهو: " اسم للعـلم الباحث في معاني ألفاظ القرآن ومـــا
يستفاد منها باختصار أو توسّع ".
و إذا كان القرآن لا يقدّم الحقيقة عارية بحيث يسهل جذبها، بل يقدّمها في ثوب فنّي بليغ ومعجز فإنّ المسلمين انقسموا في البحث عن الحقيقة بين مفسّر ومؤوّل، وإذا كان التفسير استقراء ومساءلة فما التأويل؟.
التأويل لغة من " الأول بمعنى الرّجوع والصيرورة " يقال طبخ الشراب فآل إلى قدر كذا وكذا من باب " قال " أي رجع. وأوّلته إذا رجعته شدّد للتعدية ومنه المآل بمعنى المرجع والمصير. وآل الأمير رعيّته أيالة، وأيالا أيضا، أي ساسها وأحسن رعايتها. فالتأويل محاولة الوصول إلى العلم بظاهرة من الظواهر عن طريق حركة النّظر، أو الفكر الإنسانيّ. إلاّ أنّ المؤوّل لابدّ أن يكون على علم بالتفسير يمكّنه من " التأويل " المقبول للنصّ وهو " التأويل الذي لا يخضع النصّ لأهواء الذات وميول المؤوّل الشخصيّة والأيديولوجية" . وهو ما يعتبره القدماء تأويلا محظورا مخالفا لمنطوق النصّ ومفهومه. لذلك وتحوّبا من المزالق، حدّ العلماء التأويل بل سوّروه بسور لا ينفكّ عنه، وذلك بأن " عدّ بعضهم المجاز وحده مدخل التأويل" .
و تأسيسا عليه حدّ الغزالي في المستصفى حدّا قاطعا للتأويل إذ بدا في تصوّره " عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظنّ من المعنى الذي يدلّ عليه الظاهر ويشبه أن يكون كلّ تأويل صرفا للفظ عن الحقيقة إلى المجاز وكذلك تخصيص العموم يردّ اللّفظ عن الحقيقة إلى المجاز" .
أمّا في الاصطلاح:
فيطلق التـأويــل على تفسير مادّة القرآن الكريم، فهو جزء إضافيّ هامّ للشرح اللّفظي الظاهـري للقرآن الذي صار يسمّى التفسير" والأرجح أنّ التأويل يعني: " صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها، تحتمله الآية، غير مخالف للكتاب والسنّة عن طريق الاستنباط" .
و ممّن مال إلى أنّ التفسير والتأويل شيء واحد إيماء عبد الرحمان ابن خلدون إذ أنّه عقد "فصلا في علوم القرآن والتفسير والقراءات" بالمقدّمة وضرب الذكر صفحا عن التأويل. وذلك أنّه لو رأى كبير غناء في الخوض في الفرق بينهما ما كان ليغفله أو يسقطه. كما أنّه قد عرض له في فصل " علم الكلام " بقوله: " لم يتعرّضوا لمعاني في كتاب الله ببحث ولا تأويل " أما الشيخ الطاهر ابن عاشور فقد أيد ما جرت عليه عادة المفّسرين في بيان معنى التأويل وهل هو مساو للتفسير أو أخصّ منه أو مباين له. وجماع القول في ذلك أنّ من العلماء من جعلهما متساويين. وإلى ذلك ذهب ثعـلـب وابن الأعـرابيّ وأبـو عبيـدة وهو ظاهر كلام الـرّاغـب ، ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه، ومنهم من قال: "التـأويل صرف اللّفـظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل وهناك أقـوال أخرى لا عبرة بها، وهذه كلّها مشاحة . إلاّ أنّ اللغـة والآثار تشهد للقول الأوّل" . إذا كان التأويل هو فنّ الفهم بل "فهم الفهم " كما يذهب إلى ذلك أرباب التأويـل من المعاصرين وخصوصا " غـادامييـر " فإنّه عندنا " إعادة تعريف للأشياء والفكر والعقل والحقيقة.
إنّ دعوة الباحث في " تجديـد التفسيــر" على ضرب من الضروب: دعوة إلى التأويـل قبل أن تكون دعوة إلى التفسير جريا على عادة الجمّ الغفير من العلماء الذين صنّفوا في علوم القرآن وتفسيره (قدامى ومحدثين). خاصّة إذا ساوينا بين القراءة النسقيّة المدعوّ لالتزامها نهجا مستحدثا وضوابط التأويل التي نستشفها من أولئك الذين حاولوا تفحّص المناهج التفسيريّة بإطلاق. أي سواء أعالج التفسير النصّ التراثي أم النصّ بصفته " وحيا مباركا ". فإنّ ضوابط التأويل كائنة على النّسق التالي والذي يتلخّص منهجه في:
أ. التقيّد باللّسان العربي.
ب. فهم الفرق بين الإنزال والتنزيل
ج. فهم معنى الترتيل من قوله تعالى: { ورَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً } (المزمّل، الآية 4) إذ الترتيل كقيد في التأويل يعنى به " أخذ الآيات المتعلّقة بالموضوع الواحد بعضها وراء بعض لأنّ الرّتـل في اللّسان العربي " الصفّ على نسق معيّن " إذ لا يقصد بالترتيل التلاوة ولا التنغيم" .
د. عدم الوقوع في التعضيّة لقوله تعالي { كَمَـا أَنْزَلْنَا عَـلَى المُقْتَسِمِيـنَ الذِّينَ جَعَلُوا القُـرْآنَ عِضِينَ} (سورة الحجرات الآية 90).
ه. فهم أسرار مواقع النّجوم.
و. قاعدة تقاطع المعلومات، وتقتضي هذه القاعـدة: انتقاء أي تناقض بين آيـات الكتـاب كلّـه في التعليمات والتشريعات" . وذلك كلّه له صلة وثيقة بالحياة الثقافيّة التي لا يمكن أن يباعد واقعها بينه وبين الرّاهن المعيش.
فالثقافة لا يمكن لها أن تتجدّد ما لم يقف العقل على مسافة من نفسه. وما لم يحصل له وعي مغاير لذاته. والتفسير لا يمكن أن يستجيب لراهنه إلاّ من خلال الإجابة عن التساؤل التالي: هل الاختلاف اختلاف بالعموم المطلق بالنسبة لمدلول التفسير؟ والمنصوص المطلق بالنسبة لمدلول التأويل ؟ أم هو تباين بين المدلولين في كلّ من تحليل صاحب مقال" تجديد التفسير وإشكاليـة المعاصرة " وفي ما سنأتي على بيانه ونقده تأويلا ؟
و بدءا لابدّ من التأكيد على أنّنا نستطيع التأويل كما يمكننا أن نحاول التقاط الأخطاء غير أنّ البرهان بإتباع منهج جيّد لن يكون أقل على من يرغب بالهدم حتّى ولو كانت مثل هذه العمليات تثير إعجاب عصرنا" .
تجديد التفسير بين طموح الباحث وواقع النصّ:
التجديد مصطلح عام لابدّ له من ضوابط تقيّده حتّى لا يفصح عن دلالات ليست من النـصّ ولا من إحدى سنن العرب في كلامها، فدعوى التجديـد " لعدم استجـابة هذا الإرث الكبير الذي لم يعد يتفق مع المنظومة الفكريّة والاجتماعيّة التي تصوغ واقعه الذي يتحرّك فيه جزء من الإطلاق. والعموم الذي على المفسّر درك الدائرة التي يجب أن يسعها مستوى التجديد.
فما المعنى الذي يريد صاحب " تجديد التفسير وإشكالية المعاصرة " الوصول إليه ؟
لقد أجاب مبيّنا "أنّ صفة التجديد تقتضي" أنّه عندما تسند إلى المفسّر تبيان طبيعة تشخيصيّة للاختلاف بين القيم، والمفاهيم يجب أن: لا تصاغ خارج النصّ وخارج إطاره التاريخيّ. أو بمعنى آخر " لابدّ من تحديد الاختلاف بين المدوّنة التفسيريّة الموروثة. والحاجات الجديدة التي يطرحها الفكر والواقع" . وذلك إنّه لا يعدّ مجدّدا من لم يزد دوره على " لغة مستساغة تنظر في التفاسيـر وترجّح بينها" وإن تجاوز قليلا دور الترجيح إلى " الاستفادة من الكشوفات العلميّة " .
و بهذا الاعتبار من المجدّد إذا لم يرجّح المفسّر أحسن الأقوال ولم يعضد رأيه بدليل يقتضيه السّياق أو تقوم على تفسيره الوقائع التاريخيّة والانجازات العلميّة ؟
و هل إنّ الذي يربط صلته وتفسيره بالتراث الفكري والعقليّ يعد كائنا تراثيّا ما دامت آليات فكره تتواصل عبر عمليات الاستنساخ الثقافي مع غضّ الطرف عن تحيين ذلك التراث ؟
و بناء عليه ما الحدّ الفاصل بين رؤية تنظر إلى الحاضر من خلال الماضي وأخرى تطاول الحاضر على ضوء مساءلة الماضي لتجاوزه؟
و لحسم المسألتين يذهب صاحب " تجديد التفسير " إلى أنّ المجدّد هو " من يقطع إيجابيّا مع التراث التفسيري القديم بناء على هذا الفهم وفق أصول محدّدة من جهة. ووفق استيعاب التراث التفسيريّ لفهمه ولتجاوزه من جهة أخرى. وكذا عبر استحضار قضايا العصر الفكريّة، والاجتماعيّة، والأخلاقيّة ".
و أمام هذه المطارحة الفكريّة ينجم سؤال مفاده: أَبِمِثْل هذه المواصفات يتميّز المجدّد في مجال التراث التفسيريّ ؟
لا نعتقد أنّ السّمات المذكورة تضحي محدّدا أساسا لما هو قديم ولا يمكن لها كنواميس نقديّة استقرائيّة بناء نهضة تساءل التراث لتتجاوزه وتؤسس لنهضة فتمنعها من السقوط.
و ذلك أنّ كلّ مفسّر وفي حدود ما يفعل إن يكن " مفسّرا بالمأثور أو بالدّراية أو بالفيض والإشارة" فإنّما يمارس شكلا من أشكال التجديد لأنّه لو سئل: أي هدف يريد بلوغه من وراء عمله الذي يمارسه؟ لأجاب: إنّه يريد التجديد وبلوغ ما لم يبلغه الذّين سبقوه وإن يكن قد انتهج نهج التفسير بالرواية فضلا عن ممارسة التجديد عبر التفسير بالفيض الذي يرى أصحابه " التأويل إشارة قدسيّة ومعارف سبحانيّة تنكشف من سجف العبارات للسالكين وتنهل من سحب الغيب على قلوب العارفين ".
و ما دامت معارف سبحانيّة منكشفة من سجف العبارات على السالكين فهي فيض مستمرّ وكشف جديد متجدّد بقدر قرب صاحب التأويل من تلك المعارف وتعمّقه فيها. لذلك يمكن فهم التجديد على أساس المنطق الاستبدالي وليس على أساس المنطق الاختزالي أو الانتقائي.
لكن كيف يمكن تطبيق الاستبدال " تحرّرا من المدوّنة التفسيريّة الموروثة" ؟ وفي الآن نفسه "استيعاب المدوّنة التفسيريّة ذاتها ونقدها ؟" . بل كيف نجمع بين التحرّر من المدوّنة وفي الآن نفسه استيعابها، ألا يخشى الوقوع في التناقض المقولي ؟
إنّ التحرّر الوارد في متن الدراسة وبالمنهج المسّطر غير ممكن لسببين نراهما وجيهين:
الأوّل: لأنّ النّقل والسّماع لابدّ منهما في ظاهر التفسير. أولا: ليتقى به مواضع الغلط، ثمّ يتّسع التفهّم والاستنباط، خصوصا وأنّ أصل قيام العقائد، وجزء من الشرائع المتعلّقة بحفظ النّفس، والدّين على النّقل. فضلا عن " أنّ الحاضر ينوء بثقل ماض يفوق ما يتوقّع " . إضافة إلى أنّ " القراءة المتميّزة التي يقترحها صاحب المقال، والتي تستحضر قضايا العصر الفكريّة، والاجتماعيّة " ، نابعة من فهم مبالغ فيه للعرف الواقع والمستجدّ. فإن عُنِيَ بذلك تجاوز الكلّ فلعمر الحقّ ليست وقائعنا، ولا أعرافنا مخالفة لعرف، ووقائع الذين سبقونا لتكون حاكمة على عرف ووقائـع ما سوانـا من الأعصار، وما ينبغي أن يكون. وإن عُنِيَ بالتحرّر نقض عُرَى الماضي من أعراف، وغيرها فمسألة غير مسلم بها قطعا.
الثاني: إنّ الدعوة إلى التحرّر من المدوّنة التفسيريّة الموروثة، لا تنسجم مع معنى تجديد التفسير وإشكاليّة المعاصرة . بل إنّ ذلك لا ينسجم دلاليّا مع ما يحيل عليه لفظ التحرّر من ميل إلى نقض الموروث والثورة عليه إذ كان الأجدى استعمال عنوانا آخر يوافق معنى التجديد وهو " تأويل القرآن وإشكاليّة المعاصرة عوضا عن تجديد التفسير وإشكاليّة المعاصرة، لأنّ التأويل في تقديرنا مرحلة لاحقة على التفسير، بل هي أوسع منها، إذن التفسير غير التأويل لكونهما مرحلتين في الشّرح مختلفتين متكاملتين سابقته التفسير ولاحقته هي التأويل، على الرّغم من ميلنا إلى استعمالهما عند جلّ العلماء المحقّقين بالمعنى نفسه (أي القراءة والشّرح توسّعا) وذلك أنّ قضايا التأويل يزكّيها البحث اللّسانيّ الحديث وكما لم يغفلها أهل النّظر الأوائل إذ كانت لهم شذرات تحسّسوا من خلالها المسألة لَحْظا ولم يشفعوها ذلك بَحْثا، مثال ذلك ما نجده في قول أحدهم: " وتأويل جميع القرآن (...) ما كان علمه عند أهل اللسان " . ويتفرّع هذا الفصل بمقتضى البحث إلى جزئين كبيرين غير متكافئين:
- أ- دواعي التأويل الخارجة عن النصّ.
- ب- دواعي التأويل المنبثقة من النصّ نفسه.
و لئن اصطلح السّلف على إطلاق مصطلح متشابه على مظاهر الغموض، وأسباب الاختلاف التي من أبرزها لغات العرب. فقد جاء أغلب الاختلاف " من قبل ما وضع منها على خلاف. وإن كان كلّه مسوقا على صحّة وقياس " .
كما أنّ من أسبابها أيضا: " مشكل القرآن الموهم بالاختلاف، والتناقض " . فإنّ داعي التجديد الواقع بين طموح الباحث، وواقع النصّ ليس قائما على كلا التأويلين. ولا على المطلوب فيما يتوقف عليه علم التفسير وهو " فهم المراد بالخطاب الذي إن كان معلوما فالزيادة على ذلك تكلّف" . ولا هو على ما ينبني عليه عمل. أو ما يتوقف عليه المطلوب. وإنّما هو قائم على أساس تجاوز التراث التفسيري " . دون بيان معنى التجاوز التفسيري، ولا الاعتبارات التي أقامها لأجل ذلك التجاوز والمتمثلة في " غاية علم التفسير، ومنهجه، وطبيعته" .
ثمّ أنّ السلف ميّزوا في صلب التأويل بين المعاني التي انفرد الله بعلمها، وبين الإجمال المتصل بلغة النصّ الذي فصّله الغزالي مثلا إلى إجمال في اللفـظ المفـرد. وفي اللفـظ المركّـب. وفي التصريف، وفي نسق الكلام، وفي الوقـوف، والابتداء وبين قضـايا الفقه، والاجتهـاد حيث لا يتعلّق الاختلاف بلغة النصّ، إنّما يتعلّق بمقاصد الشريعة. فهو من النّاحية قريب كلّ القرب ممّا تصطلح عليه الدراسة اللّسـانيّة الحديثة بالبـراغمـاتيّـة ، أو نظريّـة التلفّـظ. حيث لا يطلب المعنى من ظاهر لغة النصّ بل من نوايا المتكلّم ومقاصده كالذي يسأل عن السّاعة وهو إنّما يريد أن يدعوك إلى إخلاء سبيله. قال الشاطبي مثلا في تأكيد الفصل بين المقاصد واللّغة: " الاجتهاد إن تعلّق بالاستنباط من النّصوص فلابدّ من اشتراط العلم بالعربيّة وإن تعلّق بالمعاني من المصالح والمفاسد مجرّدة عن اقتضاء النّصوص لها أو مسلمة من صاحب الاجتهاد في النصوص فلا يلزم في ذلك العلم بالعربية. وإنّما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلا خاصّة (...) فمن فهم مقاصد الشرع من وضع الأحكام وبلغ فيها رتبة العلم بها ولو كان فهمه لها عن طريق الترجمة باللّسان الأعجميّ. فلا فرق بينه وبين من فهمها من طرف اللّسان العربي. ولذلك يوقع المجتهدون الأحكام الشرعيّة على الوقائع القوليّة التي ليست بعربيّة."
و لعلّ من أبرز القضايا الدلاليّة المدرجة في هذه الاختلافات التي تنسحب على قضايا التفسير (تأويلا) وعلى قضايا الفقه المقاصدي معرفة القياس، ومناط الأحكام وذلك " أنّ الشريعة لم تنصّ على حكم كلّ جزئيّة على حدة. وإنّما أتت بأمور كليّة، وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكلّ معيّن خصوصيّة ليست في غيره. ولو في نفس التعيين (...) فلا يبقى صورة من الصوّر الوجوديّة المعيّنة إلاّ وللعالم فيها نظر سهل أو صعب حتّى يحقق تحت أي دليل تدخل" .
و الذي لا شكّ فيه أنّ هذا الفصل بين قضايا التأويل الناشئة عن أسباب خارجية من جهة، وأسباب نصيّة من جهة أخرى، إنّما هو فصل منهجيّ بالدرجة الأولى يجعلنا نتساءل كذلك: عن مدى ما تسمح به الملاحظة العلميّة: " من شروط ممارسة العقل الإسلامي لنفسه في الأعمال التفسيريّة القديمة والحديثة " ، بناء على أنّ السلطة العليا في تفسير الكتاب، إنّما ترجع على رأي البعض " إلى كلّ فرد فلا ينبغي أن تكون هناك أيّة قاعدة أخرى للتفسير سوى النّور الطبيعي المشترك بين جميع النّاس. حيث لا يمكن أن يتبعه الفلاسفة ذوو البصيرة النّافذة، بل يجب أن يكون في متناول الذهن العادي المشترك بين جميع النّاس." والذي يمكن أن يندرج في الهبـة التي يهبها الله المتقين من عباده. وبناء عليه تذوي نظريّـة التجديد القائمة على " ما يأتي
من محض التلاؤم مع الماديات الحديثة، أو ما تتيحه البدائل الممكنة لتوظيف المستحدثات الماديّة" .
و تأسيسا عليه فإنّ التجديد على شاكلة نظريّة التجاوز دون بيان علم التفسير، ومنهجه، وطبيعته في ما سلف من تحليل، يعادل ما تطرحه النخب الثقافيّة التي يغلب عليها الطابع العلماني، والتي تغفل الحقيقة التالية: " أنّ نسقا فكريّا إذا انتزع من سياقه الاجتماعي الثقافي التاريخي وزرع في سياق اجتماعي ثقافي تاريخي مغاير، إذا جرى ذلك: فإنّ النسق المنقول قد يقوم بأداء وظيفيّ عكس الذي يقوم به في سياقه المأخوذ منه". وذلك أن النهج النسقي المقترح في عمليّة التجديد التفسيري الواردة في متن الدّراسة قيد الدّرس لا تستجيب لشروط قيام المنهج الإسلامي في المعرفة كما سيأتي بيانه في الفصلين القادمين.
فالباحث بطرحه النّسقي، أدرك نتيجة بحث عنها طويلا، عبر التوسّل إلى ذلك بمقدّمات منها: البحث عن الخيوط المنهجيّة التي توصله إلى طموحه فتجعله يمسك بواقع النصّ المبحوث عن آليات فهمه، وسبر خيوطه التي نُسِجَ منها بضرب المثل الذي يشد النتيجة بأسبابها. من ذلك النبش في تاريخيّة المحاولات التفسيريّة الضنينة قديما وحديثا. وبالمحصّلة أدرك أنّ للنسقيّة مدارج لا يمكن الوصول إلى نهايتها إلاّ عبر سبر أغوار بعض ارهاصات النّسق من ذلك: تذكيره " بما دعا إليه جمال الدّين الأفغاني قبله من ضرورة ترتيب الآيات حسب نزولها وتناول الآيات ضمن مجموعة محاور يدور كلّ منها حول موضوع واحد."
غير أنّ التجديد بمفهومه الشامل قد يطلعنا وفي المجال الذي نحن بصدده " واقع النصّ " على قراءات شبيهة، إلاّ أنّها طالت نصوصا مقدّسة أخرى، (العهد القديم، والعهد الجديد). فقد تكون محايثة البحث وواقعه التحليليّ نابعة من عدم اتساع الدراسة لغيرها من المقاربات. بيد أنّنا كاشفون أنّ الطموح البحثي لا يقف عند حدود. فمقدّمات النسق في القادم من التحليل والتعليق لها جذور نعتقد أنّ الأفغاني اطلع عليها وهي اقتراح بعض الفلاسفة اللاّهوتيين نهجا مثاليّا في التعامل الموضوعيّ مع النصّ المقدّس شبيها بما اقترحه الأفغاني. ويتمثّل في " تجميع آيات كلّ سفر وتصنيفها تحت موضوعات أساسيّة عددها محدود حتّى نستطيع العثور بسهولة على جميع الآيات المتعلّقة بالموضوع نفسه. وبعد ذلك نجمع كلّ الآيات المتشابهة، والمجملة، أو التي يعارض بعضها البعض."
وبعيدا عن هذا النبش في ماضي النصّ قديما، وحديثا، نجد طموحا آخر من قبل الباحث يتمثّل هذه المرّة في الكتابة عمّا لم يرد إقحام نفسه فيه من قضايا خلافيّة أعني بذلك " التأويل " حيث لم يبحثه ولم يكلّف نفسه عناء السّفر بعيدا عن رموزه ودلالاته (فالمتن / النصّ) الذي بين أيدينا يقرّ بالتداول الخفيّ لروح التأويل لا مظاهره التقنيّة، أو الإجرائيّة. وليس أدلّ على ذلك من خوضه في مجال "التاريخيّة ومسالك التجديد" إذ أفصح عن طموح أثنى عليه يتمثّل في "الدراسات القرآنيّة النقديّة التي تنشر اليوم من قبل باحثين أكادميّين أو مستشرقين غربيّين (...) إذ تطرح قضايا هامّة تحفّز الباحث في علم التفسير على توجيه أعماله وجهة علميّة معتمدا في ذلك على منهجيات حديثة في الدرس والنّظر" حيث إنّه نعى على العقل الإسلامي تعامله السلبي مع تلك الأطروحات ظنّا منه " عدم صدق نوايا أصحابها " .
إنّ ما يستوقفنا في هذا الإكبار لمحاولة الغير الخوض في التفسير توسّلا بالمنهجيّات الحديثة، والأساليب العلميّة دون تحديد تلك الوسائل، أو تلك الأساليب، يدعونا إلى استكشاف طموح الباحث الحامل لأثر الذات، إذ الذات هوى وغرض وهي فرادة وخصوصيّة. فلا سبيل إذا لأن يتطابق طموح الباحث والواقع أو الحقيقة والحقّ، إذ الحقّ مفارق، متعال، غائب بينما الحقيقة التي نروم الوصول إلى كشفها جزئيّة، خاصّة ومحايثة. ولذا فإنّ العارف يهجس دوما بمقاربة الحقّ، ولكنّه لا يزعم القبض على الحقيقة أو احتكارها. وسواء أهفا طموح الباحث إلى الحقّ أو الحقيقة فإنّ الثناء على كلّ من المنهج العلمي أو الوسائل الحديثة في الدرس. والنظر ليس إلاّ محاولة تأويليّة تتوسل بإطلاقات اصطلاحيّة شبيهة بالتأويل الإسلامي غير أنّها تستعمل تحت غطاء " الهيرمنيوطيقا " . وإن لم تصرّح به لذلك نراها لا تصل إلى مداها لتقترح تحليلا فيلولوجيا لظواهر النصّ الأسلوبيّة أو مكامنه المعرفيّة لأنّ تلك التجارب المتوسّلة بمعنى الهيرمنيوطيقا تقف أمامها حسب الباحث معضلتان:
الأولى: استخفاف غير مبرّر بالفكر التقليدي وفاعليّته في المجتمع.
الثانيّة: توقية مفرطة هشمت جهود أجيال عربيّة متلاحقة " .
و ربّما يعود ذلك إلى كون الهرمنيوطيقا لا تعني مجرّد عمليّة فهم لشيء معطى، محدّد سلفا، له وجود خارجيّ محايد عن المتلقّي الذي يحاول أن يفهم هذا الشيء أو النصّ " .
و تأسيسا على المعضلتين لم يتساءل الباحث بعد إذ تحصّن بالتحديث ومسالك التجديد عن "كيفيّة علاقة المفسّر بالنصّ إذا أراد أن لا يسطو على النصّ وأدرك ضرورة التمييز بين أفهام أئمّة التفسير القدامى ودلالات النصّ المفتوحة ". فالتساؤل لن يكون وجيهـا إلاّ إذا " لم يفترض الموائمـة قسرا بين فكـر الكتاب / النصّ ومقتضيات عقلنا وأفكارنا المسبقة ".
أوّلا إذا اعتبرنا التأويلات ملاذ الانشقاق من جهة، وفتح لباب التأويلات الأيديولوجيّة من جهة أخرى وضعا في الاعتبار أن الهيرمنيوطيقا أداة تفهم مثلى للتأويليّة والتفسير هو المنهج المفضّل لعلوم الطبيعة ثانيا.
فإنّ الطموح البحثي لا تقييد على أسسه. وإن واقع النصّ لا حدود في كيفيّة استنطاقه تفسيرا أو تأويلا وسواء أماهينا بين المفهومين (التفسيـر والتأويـل) أم فرّقنا بينهما أو استعضنا عن التأويـل بالهيرمنيوطيقا، فإنّ التأويل ينبني على الفرق والتعدّد ويفترض الاتساع في اللّفظ والفيض في المعنى. لذلك من غير الممكن أن تكون الحقيقة المبحوث عنها في استنطاق النصّ بإحدى الوسيلتين حقيقة أحاديّة الجانب،أو يكون التأويل نهائيّا. فالنصّ القرآني لا يتوقّف عن كونه محلاّ لتوليد المعاني واستنباط الدلالات. أمّا إذا تبنّينا الهرمنيوطيقا في حدود ما يدل عليه التأويل، فإنّنا نرى أنّها قضيّة قديمة وجديدة في الوقت ذاته، إذ أنّ في تركيزها على علاقة المفسّر أو مستقرئ التفاسير ليست قضيّة خاصّة بالفكر الغربي. بل هي قضيّة لها وجودها الملّح في تراثنا العربي القديم والحديث على السواء. بيد أنّه من واجبنا الوعي كلّ الوعي في تعاملنا مع الفكر الغربي فلابدّ من الشعور بأنّنا في حالة حوار دائم، وجدليّ. وأنّه علينا أن لا نكتفي بالاستيراد، والتبنّي. بل علينا أن ننطلق من همومنا الرّاهنة في التعامل مع واقعنا الثقافي بجانبيه التاريخي، والمعاصر. ومن هنا يكتسب حوارنا مع الفكر الغربي أصالته وديناميّته ومن هنا أيضا نكفّ عن اللّهث وراء كلّ جديد ما دام قادما إلينا من الغرب المتقدّم. وهذا الوعي بعلاقتنا الجدليّة بالفكر الغربي من جانب آخر يخلّصنا من الانكفاء على الذّات والتقوقع داخل أسوار تراثنا وتقاليدنا. إذ الغريب أنّ واقعنا الثقافي وكذلك الاجتماعي والسياسي يتسع لشعاري "الانفتاح الكامل والاكتفاء الكامل دون أدنى إحساس بالتعارض الجذري بين الشعارين."
فإن كانت الدعوة إلى التجديد كذلك توسّلا بالمناهج الحديثة، وهو ما نستشفّه من تصريح الباحث بانّ تجديده يبحث في " قطيعة إيجابيّة تعود إلى التراث عبر الثورة المعرفيّة الحديثة التي غيّرت النظرة إلى العالم والإنسان والذات " فإنّ وظيفته عندئذ لا يجب أن تجاوز الوظيفة الإفهاميّة وإن عدّ التفسير وظيفة أساسيّة في الكتابة العلميّة. إذ الخطاب العلميّ يفسّر، ولا يؤوّل. ونظرا إلى أنّ التفسير المعنيّ هو تفسير القرآن الكريم، فإنّ اشتماله على ما اختصّ تعلمه منزله، ورسوله وحيا يجعل مصطلحا " علميّا " انزياحا بدلالات الخطاب من معناها الحقيقيّ إلى معنى آخر يدرك تأويلا لا تفسيرا. ومن ثمّ ليس أمامنا إلاّ سلوك طريق واحد يتمثّل في منعرجين معرفيّين دون سواهما. وهما: " إمّا أن ننزوي باعتبارنا قرّاء داخل انغلاق النصّ وأن نعامله كنصّ مستقلّ دون عالم، ولا مؤلف وفي الحالة هذه تجدنا نفسّره بواسطة دراسة علاقاته الدّاخلية. أي بواسطة بنيته الخاصّة. وإمّا أن نرفع انغلاق ذلك النصّ، وأن نكمّله في شكل كلام وأن نعيده إلى قلب التواصل الحيّ وفي هذه الحالة تجدنا نؤوّله."
و بهذا المعنى أَفَلاَ يكون التأويل هو الأجدى والأكثر ملائمة لغرض الباحث ؟ لأنّه يطلب به اختراق اللغة. واختراق بنيات النصّ لامتلاكه فهم متجدّد للنصّ، وللذات المؤوّلة نفسها. ثمّ إنّ استعمال مصطلح التفسير بمثل ما آب إليه تحليل التجديد لا يتلاءم والسيّاق العامّ للطرح البديل. إذ هناك بون شاسع بين الطموح وواقع النصّ، فالطموح هو الوصول بالتفسير إلى غايته القصوى وهي التأويل في حين أنّ الوسيلة المستعملة لا تعدو كونها وسيلة تقليدية. غير أنّ تقليديّتها لا تعود في ما يراه بعض المفكّرين إلى إجرائيّاتها (وسائلها) ولكن إلى المحترزات الدّاخلة في أسسها مثل التأويل المساوي للتهويم " فالتأويل الصحيح هو صرف معنى اللفظ عن ظاهره إلى معنى يحتمله ويعضده دليل، فيخرج بذلك تأويل الباطنيّة على اختلاف مستوياته " .
فالتأكيد على المعرفة العلميّة بمثل عبارة " إنّ المعرفة لن تقف عند حدّ تغيير النظرة إلى التراث فقط بل ستغيّر جانبا أساسيّا منه وهو طبيعة التعامل مع القرآن نفسه " . فيه تأصيل لحكم ما وهو ما ينسجم مع معنى التفسير لا التأويل أخذا بالنظرة التي تجعل فاصلا معرفيّا بين المصطلحين والتي تذهب إلى كون: " التفسيرات دائما أحكاما. وغالبـا ما تعتمد الأحكام على الفروض المسبقة التي تظهرها للوجود (...) ومن الضروري أن نجعل هذه المفاهيم المسبقة خصبة لأغراض التفسير لا أن نسعى لإنتاج التفسيرات دون أحكام يتمّ تصوّرها مسبقا. وذلك باتخاذ النصّ نقطة انطلاق ثابتة." وربّما كانت تلك النقطة الثابتة التفسير النبوي اللغويّ في حجمه الضئيل. وفي دلالته القرآنيّة الماورائيّة. وفي استغنائه عن الرّصيد الشعري العربي، يمثّل مادّة مكتفية بذاتها تستمدّ حجّتها من ذاتها، وكأن الرسول بحضوره هو عنصر الإقناع والتأثير، فلا يحتاج إلى التوسّع لعلم القوم. وفي المعنى نفسه قال صاحب كشف الظنون: " فكان الله تعالى قد علّمه ما لم يكن يعلمه غيره، فكان أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله، وما جهلوه يسألوه عنه فيوضّحه. وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللّسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن" . فقد يكون ذلك احتمالا قائما ما دامت الدعوة إلى التجديد تتعلّق بالتفسير رأسا. وما دام النصّ وتفسيـره قائمين على الافتراضات المسبقة والاحتمـالات فأنّى ينسجم ذلك مع نظريّة التحرّر من القديم، فضلا عن الثورة عليه ؟
و بناء على كلّ ذلك: هل حدّ صاحب البحث التجديد بحدود ؟ وما مدى تطابق معنى التجديد مع مدوّنتنا اللّغويّة وممارسات من تعاطى مع القرآن وعلومه (قراءة وفهما وتفسيرا) ؟
و إذا كان التقابل والتعارض في الفكر الإسلامي لا تجري أسبابه بين نصّين فإنّ الخلاف كما نرى يجري داخل دائرة البيان. أمّا التعارض والتقابل فكان بين نسقين من التأويل يصدران عن نظامين مختلفين تماما" . فهل سيصمد نظام التأويل (عرفانا) ؟ أم نظام التأويل ( بيانا ) ليفتح بابا برهانيّا يكون نظام النّسق أحد مداخله المشروعة ؟
================
الإحالات:
- على الرغم من أن معنى " من " الوارد في حديث " تفترق أمّتي " في ما ينقل عماد الدّين ابـن كثـير متسائلا: "في من هل تكون بمعنى الإفراد أم الجمع؟ فقد ادعى كلّ قوم في إمامهم أنّه المراد بهذا الحديث والظاهر منه أنّه يعم حملة العلم من كلّ طائفة ومن كلّ صنف من أصناف العلماء مفسّرين، ومحلّلين، وفقهاء، ونحاة، ولغويّين. وهو كلام يحمل معنى الاختلاف ومظاهره وهو يهدي السبيل إلى الجانب الأصلي في الحديث من جهة أخرى"
- مجموعة من الباحثين، (ندوة الواقع الديني اليوم)، كمال عمران، إشكالية التجديد في الفكر الإسلامي، بيت الحكمة قرطاج، ط01، 2000، ص 102.
- بارك جاك، إعادة قراءة القرآن، ترجمة وتعليق منذر العيّاشي، مركز الإنماء الحضاري، ط02، 2005، ص35.
- الفكر العربي المعاصر(مجلة)، عدد38، 1986، رولان بارت، من الأثر الأدبي إلى النصّ، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، ص114.
- يجب الانتباه إلى المعنى المراد بالمفسّر، إذ المفسّر بضمّ الميم وكسر السّين هو القائم بعمليّة التفسير وهو غير المفسّـر بضمّ الميم وفتح السّين وهو اللّفظ الذي يدلّ على الحـكم دلالـة واضحة، لا يبقى معها احتمـال للتـأويل أو التخصيص، ولكنّه ممّا يقبل النسخ في عهد الرسالة وقد عبّر عنه السّرخسيّ بأنّه " اسم للمكشوف الذي يعرف المراد به مكشوفا على وجه لا يبقى معه احتمال للتأويل.
- السّرخسيّ أبو بكر محمّد، أصول السّرخسيّ، تحقيق أبو الوفاء الأفغاني، دار الكتاب العربي، ج01 ، 1372هـ ص 165.
- النصّ المقصود هنا: " هو النصّ القرآني أو كتاب الله العزيز وليس النصّ في عرف الأصوليّين والذي يعرف بأنّه: " ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده، حيث إنّه اسم مشترك يطلق في تعاريف العلماء على ثلاثة أوجه:
* ما أطلقه الشّافعي فإنّه سمّى الظاهر نصّا وهو منطبق على اللّغة.
* ما لا يتطرّق إليه احتمال أصلا لا على قرب ولا على بعد.
* التعبيـر بالنصّ عمّا يتطـرّق إليه احتمال مقبول ناشئ عن دليل، أمّا الاحتمال الذي يعضده دليل فلا يخرج اللّفظ عن كونه نصّا".
- الغزالي أبو حامد، المستصفى في علم الأصول، المرجع نفسه،ج01، ص ص384-386.
أمّا النصّ عند ابن قدامة فهو: " ما يفيد بنفسه من غير احتمال."
- ابن قدامة عبد القادر بن أحمد، روضة الناظر وجنّة المناظر، تعليق سعيد الشثري، مكتبة عبيكان، ط01، 1422هـ، ص220.
- مجلة الحياة الثقافية عدد 161، 2005، إحميدة النيفر، الدراسة نفسها ، ص24.
- أعمال الجامعة الصيفية الخامسة، سوسة، جويلية 1999، المعارف المعلنة والمعارف العمليّة في خدمة التعلّميّة، محمّد الأمين بن عبد الرحمان، ص15.
- المأصول: " المأصول من الشيء ما كان نابعا من الأصول وهو يقف كطرف مقابل للمنقول وأدواته".
- عبد الرحمان طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، المرجع نفسه، ص12.
- السّبر: " Le sondage " في اللغة الاختبار واصطلاحا: يعني حصر الأوصاف التي تصلح للتعليل في بادئ الرأي ثمّ إبطال ما لا يصلح منها فيتعيّن الباقي للتعليل عند من يذهب إلى أن السبر والتقسيم كلّ منها شامل للآخر وهو حقيقيّ ومجازي.
- السيوطي جلال الدّين، الإتقان في علوم القرآن، تقديمم مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دمشق، ط05، ج02، ص 1057.
– صليبا جميل، المعجم الفلسفي، المرجع نف
مواضيع مماثلة
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت مايو 21, 2011 12:37 am من طرف Admin
» خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
السبت مايو 21, 2011 12:32 am من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
الجمعة مايو 20, 2011 10:10 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
الجمعة مايو 20, 2011 10:00 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
الجمعة مايو 20, 2011 9:17 pm من طرف Admin
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 9:08 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:50 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:21 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
الجمعة مايو 20, 2011 7:38 pm من طرف Admin