خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
صفحة 1 من اصل 1
خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
تنويــر
للتعبير الفني أشكال يتبلور من خلالها، و لا يمكنه أن يكون كذلك إلا باعتبار واحد هو مراعاة النظر، و احترام المتشكل بالفعل لا بالصفة. أما في الجانب الأول فيمكن أن يؤثر في الجانب الجمالي الذي سماه القدامى ( الجانب البلاغي ) بكل إيحاءاته و دلالاته. أما في الجانب الثاني فيمكن أن ترتسم عوامل التأثير في المؤثر فيه بصيغة الفاعل، و هو المستهدف بالخطاب إذا اعتبرنا أن القيمة الإبلاغية لأي رسالة مهما تنوعت غاياتها كونها ( مرسل و مرسل إليه و وسائط ) و هي الشفرة الإبلاغية التي محورها الكلمة.
إن الكلمة باعتبارها شفرة إبلاغية ( أداة ) و الرسالة اعتبارا من كونها ( محتوى ) رمزها الأساس هو البعد الإيحائي الذي يمكن أن تبلغ مداه تعبيرا و تقريرا و تنظيرا تمثل سلطة معنوية أولا، و سلطة ارتهانية بالنظر إلى مصيرها الذي حارت العقول في درك غاياته الإفهامية و تحديه بالسبك العباري التعبيري جهابذة اللغة و أساطين فن قولها ثانيا.
إن العبارة القرآنية في مدار إرسالها و محتوى استقبالها و شروط عملها تتخذ أشكالا من التصوير الفني و السبك الترابطي و الإيحاء الرمزي ما تحار العقول في كنهه و سبر أغوار غاياته كما قلنا.
و القـرآن الكريم المتحدي عبيده بأشكال مختلفة ( أشكال التعبير ) اعتبارا من الرسـم بالكلمات ( طالت مكوناتها أم قصرت محتوياتها ) ضاقت عباراتها أن اجتزئت إشارتها، فإن العقل العربي و العربي وحده، المدرك آليات السبك، العارف بمنطوق لغة الضاد المتمرس بآفاقها الجمالية يجد نفسه أمام مستغلقات بيانية: ( تشبيهات، مجازات، كنايات، استعارات ) تحار الفهوم فك نسيجها. و لا يعود ذلك إلى قصر في النظر أو عجز في التحليل و لكن مكمن المقاطع القرآنية في بنائها ( رموزا و دلالات، سبكا و إشارات ) فضلا عن تعدد الوسائط التي يتشكل منها أو بها المقطع القرآني وهو اللغز. و قد يكون هذا الملمح البلاغي أو الإبلاغي ما نهفو إلى تحرير مستغلقاته البلاغية هو غايتنا. فإن غايات و ملامح أخرى يمكن أن تعدد جوانب جمالية و ارتسامات مفهومية قد نغفل عنها، و تستهلك بواطننا الإدراكية دون الوصول إلى درك المغزى من مجادلة الأعلى للأدنى، إفهاما و لفت نظر و ربما تعدى ذلكما إلى الإبكات و المحاججة من خلال الكلمة وحدها طالت آليات التشكل اللغوي أم قصرت.
و إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي لا يفتأ يطاول الأعلى محاولا رأب الهوة بين قدرته المحدودة و مطاولاته التي لا يحدها حد. فإن محاولاته تلك هل تجد لها سبيلا للبروز لحل الإشكالات المطروحة على المنظومة الإسلامية التي أضحت في أحيان كثيرة إما قاصرة و ذلك عائد إلى التقيد بالمنطوق دون العروج إلى المفهوم. كما يمكن رد القصور لا إلى انعدام العقلية، و امتلاك ناصية الأساليب و المناهج المستحدثة و إنّما تعود آليات تحليل الخطاب القرآني إلى فقدان النموذج الموضوعي الذي يدرس الوحدات القرآنية بالاستفادة من المتاح الأسلوبي و في كل لابد من مراعاة ( النقل المتواتر و سنن العرب في كلامها / مراعاة وجه من وجوه اللغة العربية ) و كذا ( خط المصحف / رسمه).
يعتبر القرآن الكريم بكل مساحته التصويرية و كيفياته الأسلوبية و غاياته الرمزية، أدوات التصوير، أعني آليات تعبيره عن المدرك الأداتي بالمدرك الوسيلي نسيج وحده. و ذلك أنه يختلف عن التعبير البشري ( أسلوبا و غاية و وسيلة ) و ذلك أنه كما قيل في طرق التعبير الأسلوبية الغربية ( الرجل هو الأسلوب ذاته )،L’homme c’est le style même إذن إذ عرف الرجل بدا أسلوبه و العكس صحيح فالمتمرس الأرب يمكنه و بسهولة لا محيص عنها تحصيل المبنى من خلال صاحبه أو درك الرجل فدرك أسلوبه. بيد أن تشكل القرآن في مساحة هائلة تنغيمية و شبكة علاقات نحوية تركيبية مختلفة ( تقديما و تأخيرا إيجازا و إسهابا، إعلانا و إسرارا، شرحا و طرحا ) يختلف عن سواه.
و الأديب الباحث في منجزات المدركات البيانية القرآنية يحاول دوما مماهاتها. و قد يتعدى ذلك المدى بأن يقوم بمقاربات تصويرية إذا احترم إمكاناته أو أن يتعدى ذلك بأن ينتصب منافحا عن القدرة البشرية بالقول الجازم: إن القرآن نص و النص مرادف للممكن فلم لا يعمل فيه بالمجادلة أو محاججة و المناجزة و ربما تعدى البعض أبعادا أخرى تتمثل في استعمال آليات الإدراك، بصرف النظر عن مصدرية ما يعالج أو احترام القدرة البشرية. على أن مساحة الإنجاز ارتهان لمحدودية المنجز ( بضم الميم و كسر الجيم ) من منطلق تناهي القدرة الإدراكية و النتيجة في الحالتين آنات وجودية تنتهي عند تخوم المساحة العمرية و الإبداعية المتناهية في زمن و تحولات لا تنتهي ( لا متناهية ).
فعل الإبداع في مجال استقراء المقاطع القرآنية (ملاحظات منهجية إجرائية):
إذا كان المبدع يتلمس طرق إبداعه و مجالات ذلك الإبداع في قدرته على امتلاك ناصية تعبيرية. فإنه قد يلتزم بها صارفا نظره عن سواها اعتبارا من كون الالتزام إلزام أي رسم خط سير إبداعي ينحت الذات و يصقل الواقع بعيدا عما يشيع عند البعض ( أن الأديب الفنان ) أعني فيما سلف صاحب التوقيعات ( بالنبر و السبك و التقديم و التأخير) و الذي تعضد مجالات إبداعه اليراع الموقّع على جدار الأوراق (موسيقى اللفظ و إشراق الجمل الموسيقية). أي ذلك الذي يبدع إبداع السماع و إبداع يراع صارفا نظره عما يشيع من " أن الأديب الفنان لا يستطيع أن يبدع إبداعه الحق و يتجلى تجليه الواسع المدى إلا إذا رفعت عنه الحواجز و السدود و القيود. حتى لو كانت قيودا فنية تقتضيها طبيعة فنه، و أزيلت من قدامه كل عوامل الحجر و الحضر عن كل شيء " .
و لسنا ندري ماذا سيبقى من حدود الالتزام إذا أرسلت مجالات الإبداع تعمل على عواهنها ؟
إن إرسال العقل البشري في مجال العمل دون حدود قد يؤدي إلى التباس مسألتان:
- الواقع
- الحقيقة الواقعية.
أما الواقع فيعنى به ارتسامات النص في مجالات عمله الممتدة بين طرفي إنجازه ( النص المتناهي و المدى المدرك من حدود تناهيه ) في حين تمثل الحقيقة الواقعية تمثلات النص و ترسبات مدركها و مبدعها بصرف النظر عن وقائعها التاريخية و إمكانات ظفرها بالمدرك، سواء كان مدركا ميتافيزيقيا أم مدركا وجوديا. كل ذلك في حدود آليات إدراك مجالات العمل البشري ( الإبداع في مجال المقدس ) بصرف النظر عن المجالات الأداتية أو المستكنهات الإجرائية ( مادية كانت أم لا مادية ). في حين أن آليات الإدراك الإسلامية التي سنتعرف على مجالات عملها في ما سنأتي على تحليله ( مجالات إبداع المقاطع القرآنية، إيحاء و رسما و رمزا ) الواقع في النظرية الإسلامية ذو بعد واحد أولا: إنه الأرض و الحقيقة ذات بعد واحد أيضا يقابل البعد الأول و هو السماء، إنها الواقع ( الميتافيزيقي ) أما الواقعية الإسلامية فهي الرباط السليم المتوازن الذي يجمع بين الأرض و السماء، بين الطبيعة المحسوسة و الطبيعة غير المحسوسة " .
و لئن كان بإمكان الفكر البشري أن يعمل في حدود العقل و الممكن لا حجر على مساحات دركه للحقائق إلا أنه واجب احترام حدود عمل مدركات النص المقدس، إذ للنص المقدس عموم و خصوص، عمومه يتمثل في حدود مصدريته و ارتهانه لمجالات تدخل البشري في صياغة أصوله، نعني به تدخل الآلة البشرية في نحت كيانه ( التوراة و الإنجيل ) أما خصوص النص ( مجازا ) و القرآن هنا هو المقصود واجب احترام مجال حدود قدسيته. فالمتعامل معه يدرك أنه يتعامل مع وحدة مقدسة لا مع إبداع فني موسيقي و إن كانت للقرآن الكريم موسيقاه التي سنستدل على أبعادها في مقاطع نحللها في الآتي من هذا البحث، كما سبق أن ذكّرنا إذ سنستقرئ الآيات القرآنية و نستنطق ما فيها و ما تفيض به من دلالات إلهية، و تصوير لمختلف المعاني. و تبعا لذلك سنستكنه سرّ ما فيها من علاقات بين الحروف و الكلمات، و ما تشمله من أحكام و حكم و نظم. إذ لاحظنا ما فيها من سلاسة في العرض، و جمال في السرد، و إيقاع في النطق، و دقة في أداء اللفظ لوظائفه و اكتمال للصورة التي تبين عنها الآية أو الآيات المتتاليات فتنساب في شعور المتلقي إيمانا و ثقة و جمالا. و قد يبلغ الانشداه و الأخذ فيتصاعد التفاعل انفعالا فتنثال الدموع من المآقي و تخفق القلوب و تسمو الأرواح.
و كي تغدو المراكز المستهدفة من آليات عمل قوة القرآن الكريم ذات فعالية تأثيرية لا بد أن تلامس في الإنسان مراكز اهتمام عديدة. و ذلك التعدد مرتهن بمراكز اهتمام ضرب المثل أو طرق التعبير عن مواطن قوة عمل الحواس أو مكامن شغاف القلب و ربما تتعدى مراكز الاهتمام إلى اللاشعور حيث يضحي اللامفكر فيه قطب وعي المعرفة الوجودية و المفكر فيه رافد إيحاء باطن الإيمان و طرق عمل الجبلة البشرية.
- فما مراقي سلطة و معالم القرآن التي ستنهض في الكائن البشري أحاسيسه فتتحول من إطار الكمون إلى إطار العمل فالوجود فالتواجد فالوجد ؟ و أي قمة للانتشاء و التعالق بين تعبير جميل و لفظ موحي و نفس متقبلة شغوفة ؟
معالم قرآنية توجيهية:
تتعدد تلك المعالم إذ لا يمكن حصرها فهي تعمل و تتشكل بمقدار تشكل الإيمان و القدرة على استنطاق الذات و العالم، فنجد من ضمنها:
أولا، معالم الألوان و نحت الذات البشرية:
إن أبسط المدركات المادية التي يلفت القرآن الكريم إليها النظر هي، عالم الألوان. حيث مركز العمل و آلياته النظر ( البصر / الحاسة ). غير أن تلك الحاسة قد تجد نفسها غير قادرة على العمل فتعوض بالبصيرة و في حالتي مجال العمل، نجد مدار سكنى الأشياء و المشترك الاشتقاقي بل الرسم و التوقيع (بالكلمة / المفردة) فـ ( ب، ص، ر) ربّما يدل على ذلك إيحاء الباري تعالى عندما نبه إلى أن الذات البشرية المستكنة في الجسد لا يمكن أن تتعطل عن العمل أبدا، إذ كلما تعدد المدارك زادت مدارات التكليف ومن ثم تضحي المعادلة مصاغة كالآتي:
( عضو + استعمال + إدراك + قدرة ) = تكليف. و هذا التكليف سواء أ كان ببصر أم ببصيرة. فإنه يوجد عبر توجيه القرآن الكريم له كي يتدبر صاحبه شأنه فيستنهض عقله كي يعمل. و من ثم ينبه حواسه مستنفرا في نفسه القدرة على التفاعل.
و عالم الألوان حافل بالإيحاء، مترع بالصور المرئية و غير المرئية، إذ المرئي فيها مدار العمل فيه البصر و اللامرئي مركز الاهتمام فيه البصيرة، ألا ترى كيف تتعالق الدالتان لتدلان على تناغم عجيب بين الصورة في جانبها المرئي و ظلالها في نطاق نبراتها الوجودية الخفية. فكلا الصورتين ( المرئية و اللامرئية )، ( البصر و البصيرة ) تكونان وحدة معنوية يزيدها البعد الاشتقاقي قوة مزاوجة بين الرمز و أشكال تعبيره.
و ليس غريبا أن نجد مقطعا قرآنيا يسبح في كون طافح بالمدركات البصرية التي تحيل على عالم تتألف فيه القيم السماوية مع القيم الأرضية و تتزاوج فيه الجماعات مع غيرها من الكائنات الحية، و تختلط في دنياه الناس و الدواب و الأنعام. قال تعالى: { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود. و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيز غفور} سورة فاطر، الآيتان 27-28.
ففي هاتين الآيتين لفتة كونية عجيبة، لفتة طافت الأرض كلها و لامست السماء. بدت فيها الأوان و الأصباغ في عوالمها كلها و هي اللفتة التي قال فيها ابن كثير في تفسيره: تلك العوالم تنبه إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، فاللفتة اللونية عجيبة، إذ الجـدد البيض مختلف ألوانها فيما بينها و الجـدد الحمـر مختلف ألوانها فيما بينها كذلك " ، مختلف في درجة اللون و الظلال و الألوان الأخرى المتداخلة فيه. ناهيك من جدد غرابيب سود، حالكة شديدة السواد. كل هذه المسحة الموحية تدعونا إلى لفت نظر ذي البصيرة كما الشأن لذي البصر. إلاّ أنّ في اللفتة إلى ألوان الصخور و تعددها و تنوعها داخل اللون الواحد، بعد ذكرها إلى جانب ألوان الثمار تهز القلب هزا، و توقظ حاسة الذوق الجمالي التي تنظر إلى الجمال نظرة تجريدية فتراه في الصخرة كما تراه في الثمرة.
و من عوامل إثارة مكامن القلب، و شغاف اللب التعبير عن المدركات بالأسلوبين الدالين. بل باللفظ المباشر و رمزه و إن شئت قلت باللفـظ و أبعاده التوليدية ذات الرحم الاشتقـاقي الواحد ( ب، ص، ر ) بين المبنى و المعنى. فبين اللفظ و إحالته البعد نفسه الذي نجده بين الجامد و المتحرك. بين عالم الحيوان و عالم الإنسان من جهة، و بين عالم الإنسان و عالم الجماد من جهة أخرى. فضلا عن البون الواسع في المساحة بين الأرض و السماء. فكما تبدو المسافة بعيدة قريبة بين الأرض و السماء تبدو أشكال التعبير بين البصر و البصيرة بعيدة قريبة و ذلك أنها كما تتشكل في العالم الظاهر صورا إبداعية محسوسة فإن مدار الكلام في كنهها بصرا و بصيرة ذو المحتوى نفسه إدراكا و رسما، قياسا و نظما.
إن اللمحات البيانية القرآنية في معالجتها للألوان كظاهرة فيزيائية لا تبدو كذلك و إن شاع في جنسها التعبير بالمشتق للدلالة على الأصل. إن الأبعاد البيانية أعمق من ذلك بكثير و ذلك أن ورود لفظ " تبصرون " كفعل مسند إلى ضمير المخاطب الجمع يحيل أولا على الكثرة كما يحيل على ظاهرة التعقل و إن شئت قلت " البصيرة " بدليل ما ذهب إليه ( صاحب التحـرير و التنوير ) عندما قال: إن أبدع استدلال يعني الألوان ( الليل و النهار ) " أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيـب المتكرر كل يوم مرتين و الذي يستوي في إدراكه كل مميز " .
و لأجل اجتماع نغم المشترك اللفظي ( الاشتقاق ) وقع التركيز على التعقل بملكة التمييز و هي الوحدة الإدراكية التي تجمع مطلق البشر (مؤمنـه و كافـره) / (مسلم قيـاده لخـالقه و جاحده). و ذلك لإقامة الحجة على الكل. فالكل بعطاء المنح متساوون و في الآن نفسه مختلفون في القدرة على كنه الغاية من إبصار الأشياء.
و من عجيب قضايا البصر أو الإبصار اطرادا و عكسا ما عثرنا عليه لما كنا بصدد محاورة هذه القضية في القرآن الكريم. و تحديدا إذا أسندت المسألة إلى ضمير المخاطب الجمع كما ذكرنا آنفا. فمدار العجب أن مساحة الاستعمال بلغت تسع مرات و هي كالآتي:
1/ { أفتأتون السحر و أنتم تبصرون } – الأنبياء، الآية 03-
2/ { أفتأتون الفاحشة و أنتم تبصرون }– النحل، الآية 54-
3/ { من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون } – القصص، الآية 72-
4/ { و هذه الأنهار تجري من تحتها / أفلا تبصرون } – الزخرف، الآية 53-
5/ { و في أنفسكم أفلا تبصرون } – الذاريات، الآية 21-
6/ { أ فسحر هذا أم أنتم لا تبصرون } – الطور، الآية 15-
7/ { و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون } – الواقعة، الآية 85-
8/ { فلا أقسم بما تبصرون } – الحاقة، الآية 38-
9/ { و ما لا تبصرون } – الحاقة، الآية 39-
يبدو أن الآيات الكريمة في معالجتها لقضايا البصر كآلة أو دلالة إبصار سمتها الجامعة و الفارقة الإنكار أو العتاب. يبدو ذلك في السياق الإنكاري الابتدائي في المثل الأول و الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و السادس، أما المثل السابع فإن دليل الاستدراك " لكن " يفيد معنى العتاب الرقيق، " و انتفاء مجرد العطف " غير قائم لأنه " قد وليها كلام " .
إن إدراك الألوان بدليلي ( البصر و البصيرة ) خاصية عقلية تعقلية، تمييزية. و كل إغضاء لمعنى غيرها مآله التبكيت أو التثريب على صاحبه. لأنّ صاحب الإدراك / التمييز و إن تعمقت خاصته المذكورة و علا شأنها " فإن المدرك البشري ( اللون ) يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم حتى الأصنام تظلم و تسود أجسامها و تشرق و تضيء" .
فإذا كان ذلك كذلك فإن تعقل البشر مجال تقريع و تبكيت و معاتبة من قبل المبدع / الله جل و علا. فإن كان كنه اللون و تبينه بصرا مطلوبا من كل ذي حاسة. فإن عدم إدراكه أو الإحاطة به جدير بأن يأخذ تلك المساحة التي تكاد تمحي غيرها، و من ملح هذا التركيب البلاغية أن بين { لا أقسم بما تبصرون و ما لا تبصرون } طباق سلب. إذ المعنى كما يبدو من الوهلة الأولى تراجحا بين السلب و الإيجاب و لكنه بالتحقيق و التمحيص يظهر أن النفي المبدوء بـ " لا " في هذا الموضع، " لا " زائدة و القسم مستأنف و كان يمكن ألا يكون القسم ابتداء لظهور الأمر و استغنائه عن التحقيق و قد يحتمل الأمر القسم بضعف. بيد أن القسم فيما نحن بصدده تعلق " بالمشاهدات و المغيبات " و تأسيسا على ذلك فإن السياق يتناول الخالق و المخلوقات بأسرها و لئن ختمت المسيرة السردية بمعاني التحولات الإدراكية اللونية بواسطة آلة البصر بحسن تخلص مفتتح بالقسم الموجب { فلا أقسم بما تبصرون } و منتهي بصنوه لكن هذه المرة بأسلوب النفي { ما لا تبصرون } فإنّ في دلالة إعظام المرئي / المبصر غايات خفية و لا يهم بعد ذلك أن تكون ذاتا أو جمادا كائنا أرضيا أو كائنا سماويا، كما لا يهم بعدئذ أن يكون لونا أو معنى و ذلك أن ( عين البصر ) إن كانت سليمة فهي تدرك أو تتعقل و إن " الإعظام بالقسم بالمبصر، بضم الميم و فتح الصاد، كل إعظام أي أنه يستحق إعظاما، أي أنه يستحق إعظاما فوق ذلك " . و ليس ذلك فحسب بل إن الملمح البياني عند ترتيب ما تحيل عليه آلة إدراك الألوان البصر في خاتمة عرض الإسناد الفعلي إلى المتكلم الجمع ( تبصرون ) و في باب ( نظم الكلام ) ترتد إلى ما أطلق عليه البلاغيون ( اللف و النشر ) أو ( الطي و النشر )" و من ملامحه البلاغية الخفية في ما نحن بصدد استنطاقه وفر معجزه خاصة و أنه وقع آخر الترتيب و لعل في ذلك الترتيب إيماء إلى ذلك التراجح الواقع بين آلتي الاستكناه ( البصر و البصيرة ) و ذلك أن من معاني اللف و النشر " ذكر ما لكل من آحاد التعدد إلى ما له لعلمه بذلك بالقرائـن اللفظية " فلا غرابة أن يرد الإبصار بمعنييه مثبتا و منفيا عملا بالقاعدة / الملمح البلاغي المذكور.
إن في دراية الإعجاز في مسألة اللون المدرك بالإحالة على الحاسة البصرية لفا و نشرا، يرتد إلى البدايات إلى الاستنكار المفعم بالإنكار على كل ذي صلة بالمعنويات. إن لم يكن بد من الإنكار على كل ما يأتي من السلوكات ما لا يقره العقل و آية الفهم لما عد من المعلوم، و هو قرين الوهم و التحريف – Fabulation – أو هو في أسعد الحالات من قبيل المعارف الخفية السرية – Les sciences occultes - التي تتحكم دوما في الذهنية العربية الإسلامية و تهيمن في كل حين على الثقافة التاريخية المتباينة.
إذا كانت بعض سياقات المقطع القرآني ذات تحولات من وحدة موضوعية إلى وحدة تصويرية ذات أبعاد تستجيب لمقتضيات السياق أو المعنى فإن الوحدة الفنية إحدى ركائز الجملة القرآنية. كما يزيد الوحدة تناسقا و تشاكلا ما تستبطنه من ملامح تصويرية. بيد أن تلك الملامح و تلك الظواهر، و التي هي خصيصة القرآن و عنصر قوته لا تبدو جلية إلا لمن جد في فك رموزها، و أخلص جهده للنفاذ إلى بنية الكلمة من حيث بنائها في ذاتها. و من خلال موقعها توسطا، أو تقديما، أو تأخيرا في مقطع معين. و بناء على ذلك فإن الإخلال بالنظم في مجال العبارة تحريفا أو تصحيفا، يجعل من بعض الوحدات التركيبية قلقة في ظلال الفوضى و اللانظام. إذ ينفر من النطق بها اللسان الذرب أو صاحب الراووق و العلم الغزير بسنن العرب في كلامها.
و النظم القرآني لا يعتمد الرصف أو الجزالة لوحدهما، و إنّما مكمن الوحدة فيه عائدة إلى سبك من نوع خاص يمكن أن نستدل عليه برأي أحد البلاغيين في إحدى مظاهر مزاياه، التي يردها كون بيان المقطع في الشيء " إنه لا يحتمل إلا الوجه الذي هو عليه، حتى لا يشكل، و حتى لا يحتاج في العلم بأن ذلك حقه. و أنه الصواب إلى فكر و روية فلا رمزية. و إنما تكون المزية و يجب الفضل إذا احتمل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجها آخر. ثم رأيت النفس تنبو عن ذلك الوجه الآخر. و رأيت للذي جاء بل زاد عليه حسنا و قبولا لا يعد منهما إذا أنت تركته إلى الثاني" ، و ليس ذلك فحسب بل زاد بعضهم إلى النظم حسن الفهم و التعقل بعد عن التقليد " إذ التقليد لظواهر معاني القرآن و الجمود عليها مثلبة لأن ذلك حجاب عظيم عن الفهم، إذ الحق الذي كلف الخلق اعتقاده له درجات، و له مبدأ ظاهر، و هو كالقشر، و المثال و له غور باطن و هو كاللباب (...) فالجامد على الظاهر لظان أنه ليس وراءه مرقى يرقى إليه كيف يتصور أن تنكشف له الأسرار إذا اقتصر على اقتباس الأنوار دون اقتباس الأحوال و الآثار" .
و هكذا تستمر معاني القرآن الفنية تتناهى و تتبدل بلاغيا، لا ترسو على حال ما دام مستنطق النص قوي العريكة يحفر في أتون الكلمات و العبارات. إذ المعنى المراد يفيض بالقدر الذي يحدد فيه باحثه ناصية امتلاك آليات التحليل ( لغة و مناهج و تأملات ).
و من بين أجل المظاهر التي سنتحدث عنها إضافة إلى المرئيات و الألوان و (القلب / الفؤاد) و متعلقاته، سنعرض إلى جوانب بيانية للتناسق الفني في القرآن الكريم.
جوانب من التناسق الفني في القرآن الكريم
إن موضوع التناسق الفني في كتاب الله العزيز وجد لمساته في أعمال عديد الباحثين القدامى أمثال: عبد القاهر الجرجاني( ت371 هـ) في كتابيه أسرار البلاغة و دلائل الإعجاز، كما نجد صدى الموضوع نفسه متناثرة في البيان و التبيين للجاحظ (ت 255 هـ) و الهوامـل و الشوامل للتوحيدي و مسكويه (ت 421 هـ) كما لا يجب إغفال جهود كل من فخر الدين الرازي (ت 606هـ) في نهاية الإيجاز و ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ) في الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن و أبو بكر الباقلاني (ت 373 هـ) في إعجاز القرآن فضلا عما سطره كل من عبد القاهر الجرجاني ( ت...) و الخطابي (ت 388هـ) و الرماني (ت 386 هـ) في مؤلفهم: " ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ". و التناسق الفني في أشرف كتاب ليس خطرة بيانية عابرة و لا هو مبحث بلاغي عابر على مشارف علم البيان و البديع و المعاني. و إنّما هو ملمح لغوي و فني تداركه أولئك الذين ذكرنا و أعاد البحث فيه مراجع مستحدثون أمثال: محمد أحمد خلف الله و سيد قطب ( 1906-1966) و عبد الغني عضيمة.
و قد وردت على التناسق الفني في القرآن الكريم اعتراضات من قبل المحافظين إذ لم يقبلوا كما لم يستوعبوا إضافة النسبة الفنية إلى القرآن. غير أن تلك الموجة الاحتجاجية لم تدم طويلا فمجرد وقوع أعينهم على الدراسات المطروحة في ( التناسق الفني )، و التي تناولت أوجه قرآنية متعددة، أدرك المعترضون أن سهامهم لم تكن غير رمية طائشة.
و للوقوف على أسرار ذلك التناسق في مواضع في القرآن الكريم نبين معنى كل من التناسق و الفني.
في معنى التناسق:
هذا المصطلح سيلامس ألوان الرسم بالكلمات تحت لافتة الإيقاع الموسيقي ( النبر و الاحتكاك، و القرع، و الهمس ) في تشكيل بياني يأخذ بعضه برقاب بعض.
و التناسق من الألفاظ غير الغريبة عن نواميس لغتنا العربية. و لا هو من المعرب أو الدخيل أو المستورد من لدن آخرين. إذ التناسق مصدر تناسق مثل تقادم تقادم و تكاثر تكاثر و تفاهم تفاهم و قد أورده صاحب لسان العرب تحت مادة : ( ن، س، ق ) قوله: النسق من كل شيء ما كان على طريقة نظام واحد عام في الأشياء و قد نسقته تنسيقا، و يضيف ابن سيده الأندلسي نسق الشيء ينسقه نسقا نسقا و نسقا و نسقه، نظمه على السواء، و انتسق هو تتناسق و الاسم النسق، و ثغر نسق، إذا كانت الأسنان مستوية. و التنسيق، التنظيم، و النسق ما جاء من الكلام على نظام واحد. و التنسيق يقال للكلام إذا كان مسجعا قيل له نسق حسن، قال ابن الأعرابي : اتسق الرجل إذا تكلم سجعا و التناسق التعبيري أن يهيئ الأديب أو الباحث في علوم القرآن لحظة التعبير للألفاظ نظاما و نسقا و جوا يسمح لها أن تشع شحنتها من الصور و الظلال و الإيقاع و أن تتناسق ظلالها و إيقاعها مع الجو الشعوري الذي تريد أن ترسمه و ألا يقف عند الدلالة المعنوية الذهنية، و ألا يقيم اختياره للألفاظ على هذا الأساس وحده و قد يجر الحديث عن التناسق التعبيري بيان معنى قريبا منه و هو تناسق الأسلوب:
فماذا يعني بهذا المكون ( المركب النعتي ) ؟
و هو أن يتم تنظيم العبارات فيه على الأساس السابق ذكره بحيث يكون متلائما على طريقة واحدة و نظام واحد متناسق النظم متناسب الفقرات حسن الإيقاع. و التناسق بعد ذلك ألوان درجات منها.
التناسق في تأليف العبارات:
و يعني به التنسيق في تأليف العبارات يتخير الألفاظ ثم نظمها في نسق خاص حيث يبلغ في الفصاحة أبلغ درجاتها و قديما قيل: " كي يكون الكلام بليغا لا بد من اختيار أحسن الألفاظ ملاءمة للغرض المقصود مع حذف ما لا يضر حذفه و لا ينطوي على كبير غناء ذكره، بل الغناء كل الغناء في حذفه " . و لا بد من إخراج محترز الإيجاز عما نريده من معنى – التناسق في تأليف العبارات و الذي هو حد البلاغة عند البعض كابن المعتز (ت 908م) و ابن المقفع (ت 759م) و الخليل بن أحمد (ت 170 هـ) و غيرهم ممن عرف البلاغة بالإيجاز. بيد أنّ ذلك لا يصدق دوما على ما جاء في كتاب الله العزيز، نعم إننا واجدون فيه من الإيجاز الكم الذي لا يحصى كثرة كقوله تعالى: { و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} البقرة، الآية 189. و التي تحتصر قول الجاهلين " القتل أنفى القتل ". كما نجد فيه من الإطالة في بعض المواضع غير المملة بتنسيق عجيب مثالها قولـه تعـالى:{ و ما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها و أهش بها على غنمي و لي فيها مآرب أخرى } طه، الآيات 17 و18. أو ليس الله جل جلاله هو الذي خلق موسى، و خلق عصاه و يعرف السبب الذي من أجله حمل موسى عصاه ؟ إذن لماذا كان السؤال أولا و لماذا كانت هذه الإجابة المسهبة المفصلة ؟ ألم يكن أولى بالسائل ألا يسأل و بالمجيب أن يختصر، و لا سيما أنه في حضرة مالك الملوك، و من يعرف الظاهر و الباطن، و السر و أخفى ؟ ألم يكن بعيدا عن البلاغة في رأي ابن المقفع و الجاحظ الذي ينحو بالبلاغة نحو الإيجاز" .
و التناسق المتحدث عنه " التناسق في تأليف العبارات " و الذي عماده " تناسق الأسلوب " أنماط من ذلك:
أ- الإيقاع الموسيقي الناشئ من تخير الألفاظ و نظمها في نسق خاص.
ب- التسلسل المعنوي بين الأغراض، إذ التناسق النفسي بين الخطوات المتدرجة في بعض النصوص من خواصها و منها تناسق التعبير مع الحالة المراد تصويرها كذلك أحد خواصها.
ج- التناسق بين أجزاء الصورة المرسومة.
د- تناسق الموسيقا فيها و تناسق لونها معها و إطارها مع أجزائها و غير ذلك من ألوان التناسق كثير، حيث سنعرض لبعض ألوانه تطبيقا على بعض المقاطع القرآنية.
و التناسق في القرآن الكريم بلغ حد الإعجاز في ألوانه و درجاته و آفاقه. فمن نظم فصيح إلى سرد عذب، إلى معنى مترابط إلى نسق متسلسل، إلى لغة مشعة، إلى تعبير مصور، إلى تصوير مشخص، إلى تخيل مجسم، إلى موسيقا منغمة، إلى اتساق في الأجزاء إلى تناسق في الإطار، إلى توافق في الموسيقا، إلى افتنان في الإخراج. و بين هذا الكل يتم الإبداع و يتحقق الإعجاز بالرسم و الرصف، بالعبارة و الإشارة و النظم وفق الآفاق البلاغية المذكورة، و إن كان هناك من الباحثين القدامى و المحدثين من لا يوافقنا الرأي و يشاطرنا المنزع فلهم في ذلك أعذار قد توافق ميولنا و اعتقاداتنا و قد تقف إزاءها. من ذلك القول بالصّرفة عند البعض و القول بتحدي العرب بأقصر سورة منه. و القول بالإخبار بالغيوب عند آخرين. و القول بالنظم و الجزالة و الطرافة على الوجوه البلاغية و الفنية التي نحلل بعضها. و قد ألمح إلى جلها أحدهم عندما قال: ذكر أصحابنا و غيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز:
" أحدها: يتضمن الإخبار عن الغيوب.
ثانيها: أنه كان معلوما من حال النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان أميا لا يكتب و لا يحسن أن يقرأ.
ثالثها: إنه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه " .
و إثر هذا البيان الوافي لمعنى التناسق و فنونه و ألوانه النظرية وجب التعرف على المعنى المراد من مصطلح " الفني ".
و الفنّي نسبة إلى الفنّ. و الفنّ كلمة مشتركة تدل على معان شتى منها: الفنـون الجميلـة كلها ( الرسم و النحت و التصوير ) و فن الموسيقا إضافة إلى فنون أخرى يتحدث عنها كالحياكة و التجارة و الزراعة و الإعلام و غيرها من الفنون كما عدّ الشعر و النثر صناعة. من ذلك إطلاق أبي هلال العسكري (ت 1005 م ) الصناعتين على الشعر و النثر في مؤلف معروف، ناهيك عن تسمية " المنظوم صناعة " عند ابـن رشيـق ( ت 356هـ ) و لعل نعت القول في تحليل آليات الخطاب القرآني " بالفن " هو الذي جلب على القائلين به أي بإضافة المصطلح إلى التناسق الويلات. و قد خفي أن المصطلح مضاف إلى غيره من سنن العرب في كلامها كيف لا و قد وسم ابن خلدون بحوثه التاريخية به أي " الفـن " . فمع ما اختلاف ما يضاف إليه مصطلـح " فنـّي " فإن له معنى أساسيّ هو الحذق أو المهارة التي يبلغ بها المرء مقصده بعد تدبر و تمعن و بحث و تمحيص.
و إذا ورد المصطلح في لسـان العـرب تحت مادة ( ف، ن، ن ) فإنّ من بين معانيـه:" و الرجل يفنن الكلام أي يشتق في فن بعد فن، و رجل مفن، يأتي بالعجائب، و افتن الرجل في حديثه، أي جاء بالأفانين، و أفتن الرجل، أخذ في فنون من القول، و فن الرجل رأيه إذا لونه و لم يثبت على رأي واحد، و الإثنين الأساليب، و هي أجناس، و رجل متفن أي ذو فنون" . و نظرا إلى كون كل حذق في مجال من المجالات المعرفية فنّا فإنّ المعنى يقصد منه: كلّ عمل راق يهدف إلى ابتكار ما هو جميل من الصور و الأصوات و الحركات و الأقوال.
و إذا تعلق الفن بالإنساني و كذلك يجب أن يكون فنحن لا نعني سواه إذ الغاية التي نتغياها هي الوصول إلى الابتكار و الجدة و كل ما يتعلق بالجمال و الجمال وحده كبر مجاله أم انحسر.
و نظرا إلى أن هذا المبحث الفني إن عدم بإرادة التعرف عليه بضده أو بآثاره فغير ممكن و ذلك أنه متعلق بالوجدان و التأثر الوجداني و هذا الأخير هو الركح و المسرح الذي يتم به إدراك الفن. إن بواعث الجمال و الاستجابة لها رهين الإرهاف الوجداني و الإحساس العاطفي، و منبع الأحاسيس تظل ( العين و الأذن ) مركزا السيطرة و القيادة عليه و ربما كان ذلك مبعثا لأن يركز عليهما يشار بن برد فن أحاسيسه الشيء الذي دعا ابن رشيق وصفه بالمنفرد في باب التركيز على الأذن استعاضه بها عن العين، و من البسيط قول بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة // و الأذن تعشق قبل العين أحيانا
فمحبة الفنّ و تذوق الجمال فطري في النفس الإنسانية السويّة بيد أن قيمة الفن تتوقف على الزاوية التي تنظر منها إليه.
و الأدب لون من ألوان الفن بل هو أهم ألوان الفنون على الإطلاق يزيده الحس الإيقاعي و الذوقي البلاغي سموقا. إذا وظفت آليات تذوّق بديع صنع الباري تعالى في رصف كلماته، و انتثارها اللاإعتباطي في كتابه العزيز. إذ كل خطرة و كل تقديم أو تأخير له من النحت الفنّي خصوبة و إبداعا. و الأدب الحذق و المهارة، و هو أي الفنّ في الأدب جودة العرض و حسن السبك و جمال الأسلوب و قوّة العاطفة و نشاط الخيال.
و تأسيسا على ذلك سنثبت شأننا شأن أصحاب اللمحات البيانية كأولئك الذين ذكرنا و غيرهم كثر من أصحاب الدراسات البلاغية بأن الفن التناسقي القـرآني أداء بارع له أصـول و مناهج، لا على شاكلة ما رام قوله محمد أحمد خلف الله في أطروحته: " الفن القصصي في القرآن ": إذ ادّعى وجوده في القرآن لكن ليس دليل إثبات و إنما دليل التواء و تعمية على الحقائق فهو لديه شكل خاص يقوم على التلفيق و الخيال. مصرحا: " فالقصص القرآني لا يتصف بالصدق التاريخي لأن الصيغ البلاغية للقرآن تقوم على تلخيص العناصر القصصية من أحداث و أشخاص و أخبار من معانيها التاريخية، و جعلها صالحة كل الصلاحية لاستثارة العواطف و الانفعالات حتى تكون العبرة و الموعظة (...) و أن ما بالقصص القرآني من وسائل تاريخية ليست إلا الصور الذهنية لما يعرفه المعاصرون للنبي عليه الصلاة و السلام عن التاريخ، و ما يعرفه هؤلاء، و لا يلزم أن يكون هو الحق و الواقع " . ثم يضيف " و هذا القصص القرآني يمثل نفسية النبي صلى الله عليه و سلم، بل و يمثلها في أدنى مراحلها و في أعنف صورها" .
لقد وصل الأستاذ خلف الله إلى نتيجة خطرة و هي الفهم المنحرف لكلمة " الفنّ" في الكتاب العزيز. و هي عنده مقتصرة على الملفق أو المخترع أو القائم على مجرد الخيال. و لم يكن بد من أن ينهض من يذب عن سقم الفكرة فيبلور آفاقها الفنيّة الصحيحة، و يبرز المغزى الحقيقي من الفنّ في القرآن و ما حدود ما يراد منه، فانبرى سيد قطب يذب عن الفكرة فجلا الحقيقة و دفع عنها غوائل جهلها في مؤلفيه "مشاهد القيامة في القرآن الكريم" و " التصوير الفني في القرآن" مخصّصا القسم الأخير من ذلك المؤلف " مشاهد القيامة في القرآن " في الشأن الدفاعي تحت عنوان " التصوير الفني في القرآن " موضحا الملابسات حوله و من ذلك ما يعنيه هو بالفن في القرآن الكريم حيث قال: " و إني لأعترف حين اتخذت عنوان التصوير الفني في القرآن كتابي الأول منذ حوالي ثلاثة أعوام لم يكن لها في نفسي إلا مدلول واحد هو:
- أ – جمال العرض.
- ب- و تنسيق الأداء.
- ج- و براعة الاختراع " .
و لم يجل بخاطري قط أن الفن بالقياس إلى القرآن معناه: الملفق أو المخترع أو القائم على مجرد الخيال، و ذلك أن دراستي الطويلة للقرآن لم يكن فيها ما يلجئني إلى هذا الفهم أن النأي (...) و إني لأعجب لم تنصرف كلمة الفنّ حتما إلى الملفق و المخترع و الابتداع الذي لا يسنده الواقع، و الاختراع الذي يخرج على المعقول، لماذا ؟
ثم يحدد المذكور معالم الفن في القرآن فيقول: " الفن في القرآن، إبداع في العرض و جمال في التنسيق و قوة في الداء، و شيء من هذا كله لا يقتضي أنه يعتمد على الخيال، و التلفيق و الاختراع متى استقام التفكير و صحت الأفهام " .
إنّ القرآن الكريم لم يغفل ما للفنّ من تأثير في النفوس لذلك استخدمه أداة مقصودة للتأثير الوجداني. فالتعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني و الغرض الفني فيما يعرضه من الصور و المشاهد. بل يلاحظ أنه يحمل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني، فيخاطب الحاسة الدينية بلغة الجمال الفنية. إذ الفن و الدين صنوان في أعماق النفس البشرية و في قرارة الحس الإنساني. و إدراك الجمال الفني دليل استعداد النفس لتلقى التأثير ديني و حين يرتفع به المستوى الرفيع حين تصفو النفس لتلقي رسالة الجمال الفني" .
الإيقاع الموسيقي: نشير إلى أن ما نقصده هنا التنظير إلى الجملة العربية أولا و الجملة القرآنية في المجال التطبيقي الآتي، و هو أنواع منها:
أولا الإيقاع: هذه الكلمة وردت في لسان العرب على النحو التالي: " التوقيع: رمى قريب لا تباعده كأنك تريد أن توقعه على شيء. و التوقيع الإصابة، إصابة المطر بعض الأرض و أخطاؤه بعضا، و قيل هو إنبات بعضها دون بعض، و التوقيع في الكتاب إلحاق شيء فيه بعد الفراغ منه، و قيل هو مشتق من التوقيع الذي هو مخالفه الثاني للأول و الإيقاع: من إيقاع اللحن و الغناء، و هو أن يوقع الألحان فيبينها" . و قد سمى الخليل بن لأحمد الفراهيدي (ت 170هـ) كتابين لذلك المعنى / الإيقاع و بناء على ما أورده صاحب لسان العرب في الإيقاع و التوقيع، ندرك أن أصلهما واحد و هو أن يوقع الشيء على الشيء المتعدد الأجزاء فيصب قسما منها، و يترك الباقي، يتجلى ذلك في التوقيع في الرمي وتوقيع المطر، و توقيع الكتاب و إيقاع الألحان، و هذا المعنى وارد في الإيقاع الموسيقي للآلات الموسيقية، و الإيقاع الموسيقى للألفاظ. فالعازف على الآلة الموسيقية، يوقع بأصابعه على بعض أوتار تلك الآلة دون بعضها فينبعث من تلك الأوتار نغمة خاصة هي المسماة الإيقاع الموسيقي. و المتحدث عندما ينطق لفظا فكأنه و نظرا لاختلاف مخارج خروف اللفظ يوقع على أوتاره الصوتية دون الآخر، فتنبعث من الفم نغمة خاصة هي الإيقاع الموسيقي لللفظ.
يعتبر " جهازنا الصوتي أشبه بمجموعة من الآلات الموسيقية تخرج منها الألفاظ بنغمات مختلفة و درجات متباينة من الشدة و الضعف و السرعة و البطء و غير ذلك من الصفات التي بينها شرحا علماء الأصوات و علماء القراءات و التجويد " .
ثانيا: الموسيقا " هي لغة العواطف و الوحدات، و لنغماتها درجات من الشدة أو الضعف أو اللين أو القوة أو السرعة، أو البطء و نحو ذلك(...) و تؤثر الموسيقـا في العواطف لما في نغمـاتها و إيقاعها من جمال و ما ينشأ عن هذه النغمات من إحساس و أثر في النفوس" . فبين الأدب و الموسيقا قدر كبير من الاشتراك فكلاهما يستعمل مادة الأصوات الزمنية، و الموسيقا تستعمل أصواتا لا معنى لها كمادة أولية و هو ما أشرنا إليه آنفا في حين أن الأدب يستعمل أصواتا مليئة بالمعاني هي الألفاظ.
و الكتابة التي توقع معانيها عبر الأحرف و الكلمات بنسق معين نوعان:
أ- الكتابة الأدبية العادية: و هي التي تدون فيها الألفاظ و لا تدل إلا على دلالتها الذهنية لا تتجاوزها فكأنها لا تعتمد إلا غير الرصف دون سواه.
ب- الكتابة الأدبية الفنية الموسيقية: و هي تلك التي يهيئ فيها الأديب الشاعر للألفـاظ نظاما و نسقا و جوا يسمح لها بأن تشع بشحناتها من الصور و الظلال و الإيقاع و أن تتناسق ظلالها و إيقاعها مع الجو الشعوري الذي تريد الألفاظ أن ترسمه، و ألا يقف عند الدلالة المعنوية الذهنية، و أن للألفاظ أرواحا، فوظيفة التعبير الجيد أن يطلق هذه الأرواح من جوها الملائم لطبيعتها، فتستطيع الإيحاء الكامل و التعبير المثير.
إن اللغة العربية الشاعرة لغة فنية موسيقية، إن عناصر الموسيقا الشاعرية تتجلى فيها أكثر من غيرها من اللغات، و يرجع ذلك لسببين هما: الغناء و بناء اللغة نفسها على الأوزان. و تبدو موسيقية اللغة من اختلاف مخارج الحروف و اختلاف صفاتها، و اختلاف حركاتها و سكناتها كما تبدو في اختلاف الكلمات من حيث جرسها و نغماتها و في اختلاف العبارات من حيث إيقاعها(...) و لاختلاف المخارج و الصفات في الحروف التي تتكون منها الكلمات تكون الكلمات تبعا لذلك مختلفة في الوضوح و الشدة و السرعة و في رنينها و نغماتها الموسيقية و غير ذلك. فبعض الكلمات تبدو خافتة، و بعضها يظهر مجلجلا، و بعضها حفيف التموجات يجري كالماء و بعضها يجري فتسمع له ما يشبه الحقيق أو الخرير أو التدفق، و بعضها له نقرات كالدفوف، أو الطرقات كمطرقة الحداد، و بعضها تحس فيه صلابة، و بعضها تلمح فيه الرخاوة و اللين، و بعضها له رنين سابح أثير، و بعضها هواء يسمع بالتموج الصوتي أو الطوعية الموسيقية، و ذلك مثل حروف المدّ. هذا عن مخارج الحروف و صفاتها.
و مما يلاحظ أن دراسة ذلك تطبيقا على آيات القرآن الكريم مما سنعرض لنماذج منه يتطابق تماما مع كل القراءات المتواترة منها و الشاذ. إذ المخارج و الصفات ليستا محل نزاع بين القراء و أصحاب الروايات، فأبن الجزري في أرجوزته المنظومة على بحر الرجز هي الميزان الذي إليه يعود القراء و من يشتغل بالإقراء ليست محل نزاع فهي بالنسبة إلى غريها الميزان الصوتي الذي عليه يضبط الإيقاع رسما و نطقا.
و لئن اعتمدنا على الصفة و المخرج في دراسة موسيقية العبارة فإن ذلك ما يدعم خاصية الأثر التوقيعي العباري نبرا و همسا رخوا و استيفالا و استعلاء و إطباقا(...) و ليس غيره. كذلك الحروف و سكناتها و نوع هذه الحركات أثر في موسيقية الكلمة فالحركات الثلاث: (الضمة والفتحة و الكسرة) (...) و تتابعها في الكلمة أو الكلمات أو الانتقال من حركة إلى أخرى كالانتقال من الكسرة إلى الضمة أو العكس. أو جريان هذه الحركات دون أن يعرضها السكون. أو تكرار السكون على فترات منظمة أو مختلفة كل ذلك له أثر في جرس الكلمات و العبارات.
فكل هذه العوامل الصوتية من مخارج الحروف و صفاتها، و حركاتها و تتابع هذه الحركات أو تفرقها تجعل للكلمة قوة موسيقية خاصة، و رنينها يطبعها بطابع خاص. أما موسيقية العبارات فإنها حين تجتمع في الكلمات و الجمل و في العبارات تكتسب جرسا موسيقيا آخر زيادة على ما كان لها من موسيقا فردية، و ذلك مثل تشابه الكلمات في الوزن و في المكان من الجملة. أو تعاقب كلمتين متشابهتين في الوزن و الرنين أو تجانس فقرتين أو جملتين في عدد الكلمات و في وزن كل منهما، أو في التجانس في الكلمتين الأخيرتين في جملتين أو في التشابه الذي يبرز في فترات متكافئة، أو في التدرج المتعادل، أو في التتابع المقرون بسرعة الجرس.
فاللغة العربية إذن ليست مجرد ألفاظ أو عبارات أو معان. إنها بالإضافة إلى الإيحاء و الإيماء و الإيقاع و الرمز تحوي الكثير من النواة الموسيقية و الوجدانية و الخيالية. و تتجلى موسيقية اللغة في الشعر و هو أكثر الفنون الأدبية ارتباطا بالموسيقا لأن الإيقاع المنغم المقسم في الشعر يجعله مصاحبا للتعبير الجسدي بالرقص عن الانفعالات الحسية. كما يجعله أقدر على تلبية التعبير الوجداني بالغناء(...) و موضوع الشعر و وظيفته هو الغناء المطلق بما في النفس من مشاعر و أحاسيس و انفعالات. إن الإيقاع الموسيقي عنصر مشترك في كل الفنون الجميلة: فالإيقاع الصوتي و الإيقاع المعنوي متساويان في الأدب و هما جزءان أساسيان في التعبير. لأن الدلالة اللغوية وحدها لا تكفي في العمل الأدبي و الإيقاع في التصوير كذلك كائن. و لكنه إيقاع تتولى العين تمييزه بدل الأذن و تلحظه في تناسق الألوان و الخطوط. و كذلك في النحت فهو ملحوظ في الانحناءات و الأوضاع و الأبعاد. و لكن الإيقاع في هذه المواضع و تلك مجازي. و قد استخدم لفظه بدل لفظ " التناسق " و ما يزال لكل من خصائصها و الإيقاع بمعناه الحقيقي لا يتحقق كاملا إلا في الموسيقا، و يتحقق جزئيا من أوزان الشعر و تنغيم النثر.
أما قوانين الإيقاع الموسيقي فسبعة: النظام، و التغيير، و التساوي، و التوازي، و التوازن، و التلازم، و التكرار. و لأن اللغة العربية لغة موسيقية شاعرة، و لأن القرآن الكريم إعجاز بياني كامل، و يتمثل فيه الأسلوب الفني المعجز، فلا بد من أن يوجد فيه الإيقاع الموسيقي المعجز(...) و لا ضرر في نسبة الجرس و الإيقاع أو الموسيقا إلى أسلوب القرآن، و أن نلحظ وجودها فيه و أن نبينها للناس كافة لأن القرآن الكريم يسير على سنن العربية و أساليبها.
إن الموسيقا تكمن في أسلوب القرآن، و إن الإيقاع الموسيقي فيه يتألف من عدة عناصر هي:
1- مخارج الحروف في الكلمة الواحدة.
2- تناسق الإيقاعات بين كلمات وفقرات.
3- اتجاهات المد في الكلمات.
4- اتجاهات المد في نهاية الفاصلة المطردة في الآية.
5- حرف الفاصلة ذاته.
الجانب التطبيقي لنظرية التنـاسق الفني في القـرآن و آفاقه بين القدامـى و المعاصرين:
إن الإرهاصات النظرية لهذا الموضوع الخطر و الحساس و الذي قد لا تستسيغه القرائح التي لم تترب على الأساليب الفنية و البلاغية توجد عند القدامى حيث وضعوا أساسها و إن تلميحا و معالجات بيانية تطوح بين إفادة في مجال الدراسات البلاغية و اللسانية و الإجابة عن تساؤل مركزي مفاده: هل الفائدة و المزية لللفظ أم للمعنى داخل نسق معين من الكلام ؟ و ربما تطور الموضوع ليلامس نظرية النظم حيث نجد بواطنها الأولى و روافدها عند مدرسة الاعتزال قطب رحاها القاضي عبد الجبار (ت 415هـ) في المغنى في أبواب التوحيد و العدل و تحديدا في الجزء السادس عشر من طبعة دار الكتب المصرية. كما توجد المسألة نفسها كإجابة عن سؤال لا تتربع على عرشه الأساليب النثرية أو الشعرية ( الأمثال و الحكم و الشعر الجاهلي أو الإسلامي ) خلال عصر الاستشهاد، قبل حلول القرن الثاني، ذلك السؤال يتمثل في هذه المرة في الآتي: هل الإعجاز القرآني بياني أم أنه رديف الإخبار عن الغيوب أو أنه عائد إلى القول بالصرفة أم إنه راجع إلى نوع من النظم اللغوي المتحدّى به في أقصر سورة، أم هو رهين نسيج معين لصورة تركيبية وفق نسق معيّن لا يوجد له قرين مرجع إلى الإبداع فيه للبشر؟
لقد سبقت الإشارة في بداية بحثنا إلى جهابذة البلاغة بفنونها المختلفة، و عملهم بل مساهماتهم في هذا المجال، كما يمكن أن نضيف إليها جهود آخرين كالجاحظ في البيان و التبيين و العسكري في " الصناعتين" و الراغب الإصفهاني في " مفردات القرآن " و النيسابوري في " تفسير غرائب القرآن" و الطبرسي في " لمحات مجمع البيان" و الزمخشري في " الكشاف" و العلوي اليمني في" الطراز " و ابن رشيق في "العمدة " و غيرهم كثير.
في حين نجد المدرسة الحديثة بأعمدتها و مداميكها كصادق الرافعي (1881-1937م) في" إعجاز القرآن" و " وحي القلم " و الشهيد سيد قطب في " مشاهد القيامة في القرآن " و " التصوير الفني في القرآن " و مالك بن نبي في " الظاهرة القرآنية ". كما لا نعدم صاحب " اللمسات البيانية و الإعجازية " بجامعة الأمير عبد القادر بالجزائر خلال تسعينات القرن الماضي و خريج كلية دار العلوم الحسيني
للتعبير الفني أشكال يتبلور من خلالها، و لا يمكنه أن يكون كذلك إلا باعتبار واحد هو مراعاة النظر، و احترام المتشكل بالفعل لا بالصفة. أما في الجانب الأول فيمكن أن يؤثر في الجانب الجمالي الذي سماه القدامى ( الجانب البلاغي ) بكل إيحاءاته و دلالاته. أما في الجانب الثاني فيمكن أن ترتسم عوامل التأثير في المؤثر فيه بصيغة الفاعل، و هو المستهدف بالخطاب إذا اعتبرنا أن القيمة الإبلاغية لأي رسالة مهما تنوعت غاياتها كونها ( مرسل و مرسل إليه و وسائط ) و هي الشفرة الإبلاغية التي محورها الكلمة.
إن الكلمة باعتبارها شفرة إبلاغية ( أداة ) و الرسالة اعتبارا من كونها ( محتوى ) رمزها الأساس هو البعد الإيحائي الذي يمكن أن تبلغ مداه تعبيرا و تقريرا و تنظيرا تمثل سلطة معنوية أولا، و سلطة ارتهانية بالنظر إلى مصيرها الذي حارت العقول في درك غاياته الإفهامية و تحديه بالسبك العباري التعبيري جهابذة اللغة و أساطين فن قولها ثانيا.
إن العبارة القرآنية في مدار إرسالها و محتوى استقبالها و شروط عملها تتخذ أشكالا من التصوير الفني و السبك الترابطي و الإيحاء الرمزي ما تحار العقول في كنهه و سبر أغوار غاياته كما قلنا.
و القـرآن الكريم المتحدي عبيده بأشكال مختلفة ( أشكال التعبير ) اعتبارا من الرسـم بالكلمات ( طالت مكوناتها أم قصرت محتوياتها ) ضاقت عباراتها أن اجتزئت إشارتها، فإن العقل العربي و العربي وحده، المدرك آليات السبك، العارف بمنطوق لغة الضاد المتمرس بآفاقها الجمالية يجد نفسه أمام مستغلقات بيانية: ( تشبيهات، مجازات، كنايات، استعارات ) تحار الفهوم فك نسيجها. و لا يعود ذلك إلى قصر في النظر أو عجز في التحليل و لكن مكمن المقاطع القرآنية في بنائها ( رموزا و دلالات، سبكا و إشارات ) فضلا عن تعدد الوسائط التي يتشكل منها أو بها المقطع القرآني وهو اللغز. و قد يكون هذا الملمح البلاغي أو الإبلاغي ما نهفو إلى تحرير مستغلقاته البلاغية هو غايتنا. فإن غايات و ملامح أخرى يمكن أن تعدد جوانب جمالية و ارتسامات مفهومية قد نغفل عنها، و تستهلك بواطننا الإدراكية دون الوصول إلى درك المغزى من مجادلة الأعلى للأدنى، إفهاما و لفت نظر و ربما تعدى ذلكما إلى الإبكات و المحاججة من خلال الكلمة وحدها طالت آليات التشكل اللغوي أم قصرت.
و إذا كان الإنسان الكائن الوحيد الذي لا يفتأ يطاول الأعلى محاولا رأب الهوة بين قدرته المحدودة و مطاولاته التي لا يحدها حد. فإن محاولاته تلك هل تجد لها سبيلا للبروز لحل الإشكالات المطروحة على المنظومة الإسلامية التي أضحت في أحيان كثيرة إما قاصرة و ذلك عائد إلى التقيد بالمنطوق دون العروج إلى المفهوم. كما يمكن رد القصور لا إلى انعدام العقلية، و امتلاك ناصية الأساليب و المناهج المستحدثة و إنّما تعود آليات تحليل الخطاب القرآني إلى فقدان النموذج الموضوعي الذي يدرس الوحدات القرآنية بالاستفادة من المتاح الأسلوبي و في كل لابد من مراعاة ( النقل المتواتر و سنن العرب في كلامها / مراعاة وجه من وجوه اللغة العربية ) و كذا ( خط المصحف / رسمه).
يعتبر القرآن الكريم بكل مساحته التصويرية و كيفياته الأسلوبية و غاياته الرمزية، أدوات التصوير، أعني آليات تعبيره عن المدرك الأداتي بالمدرك الوسيلي نسيج وحده. و ذلك أنه يختلف عن التعبير البشري ( أسلوبا و غاية و وسيلة ) و ذلك أنه كما قيل في طرق التعبير الأسلوبية الغربية ( الرجل هو الأسلوب ذاته )،L’homme c’est le style même إذن إذ عرف الرجل بدا أسلوبه و العكس صحيح فالمتمرس الأرب يمكنه و بسهولة لا محيص عنها تحصيل المبنى من خلال صاحبه أو درك الرجل فدرك أسلوبه. بيد أن تشكل القرآن في مساحة هائلة تنغيمية و شبكة علاقات نحوية تركيبية مختلفة ( تقديما و تأخيرا إيجازا و إسهابا، إعلانا و إسرارا، شرحا و طرحا ) يختلف عن سواه.
و الأديب الباحث في منجزات المدركات البيانية القرآنية يحاول دوما مماهاتها. و قد يتعدى ذلك المدى بأن يقوم بمقاربات تصويرية إذا احترم إمكاناته أو أن يتعدى ذلك بأن ينتصب منافحا عن القدرة البشرية بالقول الجازم: إن القرآن نص و النص مرادف للممكن فلم لا يعمل فيه بالمجادلة أو محاججة و المناجزة و ربما تعدى البعض أبعادا أخرى تتمثل في استعمال آليات الإدراك، بصرف النظر عن مصدرية ما يعالج أو احترام القدرة البشرية. على أن مساحة الإنجاز ارتهان لمحدودية المنجز ( بضم الميم و كسر الجيم ) من منطلق تناهي القدرة الإدراكية و النتيجة في الحالتين آنات وجودية تنتهي عند تخوم المساحة العمرية و الإبداعية المتناهية في زمن و تحولات لا تنتهي ( لا متناهية ).
فعل الإبداع في مجال استقراء المقاطع القرآنية (ملاحظات منهجية إجرائية):
إذا كان المبدع يتلمس طرق إبداعه و مجالات ذلك الإبداع في قدرته على امتلاك ناصية تعبيرية. فإنه قد يلتزم بها صارفا نظره عن سواها اعتبارا من كون الالتزام إلزام أي رسم خط سير إبداعي ينحت الذات و يصقل الواقع بعيدا عما يشيع عند البعض ( أن الأديب الفنان ) أعني فيما سلف صاحب التوقيعات ( بالنبر و السبك و التقديم و التأخير) و الذي تعضد مجالات إبداعه اليراع الموقّع على جدار الأوراق (موسيقى اللفظ و إشراق الجمل الموسيقية). أي ذلك الذي يبدع إبداع السماع و إبداع يراع صارفا نظره عما يشيع من " أن الأديب الفنان لا يستطيع أن يبدع إبداعه الحق و يتجلى تجليه الواسع المدى إلا إذا رفعت عنه الحواجز و السدود و القيود. حتى لو كانت قيودا فنية تقتضيها طبيعة فنه، و أزيلت من قدامه كل عوامل الحجر و الحضر عن كل شيء " .
و لسنا ندري ماذا سيبقى من حدود الالتزام إذا أرسلت مجالات الإبداع تعمل على عواهنها ؟
إن إرسال العقل البشري في مجال العمل دون حدود قد يؤدي إلى التباس مسألتان:
- الواقع
- الحقيقة الواقعية.
أما الواقع فيعنى به ارتسامات النص في مجالات عمله الممتدة بين طرفي إنجازه ( النص المتناهي و المدى المدرك من حدود تناهيه ) في حين تمثل الحقيقة الواقعية تمثلات النص و ترسبات مدركها و مبدعها بصرف النظر عن وقائعها التاريخية و إمكانات ظفرها بالمدرك، سواء كان مدركا ميتافيزيقيا أم مدركا وجوديا. كل ذلك في حدود آليات إدراك مجالات العمل البشري ( الإبداع في مجال المقدس ) بصرف النظر عن المجالات الأداتية أو المستكنهات الإجرائية ( مادية كانت أم لا مادية ). في حين أن آليات الإدراك الإسلامية التي سنتعرف على مجالات عملها في ما سنأتي على تحليله ( مجالات إبداع المقاطع القرآنية، إيحاء و رسما و رمزا ) الواقع في النظرية الإسلامية ذو بعد واحد أولا: إنه الأرض و الحقيقة ذات بعد واحد أيضا يقابل البعد الأول و هو السماء، إنها الواقع ( الميتافيزيقي ) أما الواقعية الإسلامية فهي الرباط السليم المتوازن الذي يجمع بين الأرض و السماء، بين الطبيعة المحسوسة و الطبيعة غير المحسوسة " .
و لئن كان بإمكان الفكر البشري أن يعمل في حدود العقل و الممكن لا حجر على مساحات دركه للحقائق إلا أنه واجب احترام حدود عمل مدركات النص المقدس، إذ للنص المقدس عموم و خصوص، عمومه يتمثل في حدود مصدريته و ارتهانه لمجالات تدخل البشري في صياغة أصوله، نعني به تدخل الآلة البشرية في نحت كيانه ( التوراة و الإنجيل ) أما خصوص النص ( مجازا ) و القرآن هنا هو المقصود واجب احترام مجال حدود قدسيته. فالمتعامل معه يدرك أنه يتعامل مع وحدة مقدسة لا مع إبداع فني موسيقي و إن كانت للقرآن الكريم موسيقاه التي سنستدل على أبعادها في مقاطع نحللها في الآتي من هذا البحث، كما سبق أن ذكّرنا إذ سنستقرئ الآيات القرآنية و نستنطق ما فيها و ما تفيض به من دلالات إلهية، و تصوير لمختلف المعاني. و تبعا لذلك سنستكنه سرّ ما فيها من علاقات بين الحروف و الكلمات، و ما تشمله من أحكام و حكم و نظم. إذ لاحظنا ما فيها من سلاسة في العرض، و جمال في السرد، و إيقاع في النطق، و دقة في أداء اللفظ لوظائفه و اكتمال للصورة التي تبين عنها الآية أو الآيات المتتاليات فتنساب في شعور المتلقي إيمانا و ثقة و جمالا. و قد يبلغ الانشداه و الأخذ فيتصاعد التفاعل انفعالا فتنثال الدموع من المآقي و تخفق القلوب و تسمو الأرواح.
و كي تغدو المراكز المستهدفة من آليات عمل قوة القرآن الكريم ذات فعالية تأثيرية لا بد أن تلامس في الإنسان مراكز اهتمام عديدة. و ذلك التعدد مرتهن بمراكز اهتمام ضرب المثل أو طرق التعبير عن مواطن قوة عمل الحواس أو مكامن شغاف القلب و ربما تتعدى مراكز الاهتمام إلى اللاشعور حيث يضحي اللامفكر فيه قطب وعي المعرفة الوجودية و المفكر فيه رافد إيحاء باطن الإيمان و طرق عمل الجبلة البشرية.
- فما مراقي سلطة و معالم القرآن التي ستنهض في الكائن البشري أحاسيسه فتتحول من إطار الكمون إلى إطار العمل فالوجود فالتواجد فالوجد ؟ و أي قمة للانتشاء و التعالق بين تعبير جميل و لفظ موحي و نفس متقبلة شغوفة ؟
معالم قرآنية توجيهية:
تتعدد تلك المعالم إذ لا يمكن حصرها فهي تعمل و تتشكل بمقدار تشكل الإيمان و القدرة على استنطاق الذات و العالم، فنجد من ضمنها:
أولا، معالم الألوان و نحت الذات البشرية:
إن أبسط المدركات المادية التي يلفت القرآن الكريم إليها النظر هي، عالم الألوان. حيث مركز العمل و آلياته النظر ( البصر / الحاسة ). غير أن تلك الحاسة قد تجد نفسها غير قادرة على العمل فتعوض بالبصيرة و في حالتي مجال العمل، نجد مدار سكنى الأشياء و المشترك الاشتقاقي بل الرسم و التوقيع (بالكلمة / المفردة) فـ ( ب، ص، ر) ربّما يدل على ذلك إيحاء الباري تعالى عندما نبه إلى أن الذات البشرية المستكنة في الجسد لا يمكن أن تتعطل عن العمل أبدا، إذ كلما تعدد المدارك زادت مدارات التكليف ومن ثم تضحي المعادلة مصاغة كالآتي:
( عضو + استعمال + إدراك + قدرة ) = تكليف. و هذا التكليف سواء أ كان ببصر أم ببصيرة. فإنه يوجد عبر توجيه القرآن الكريم له كي يتدبر صاحبه شأنه فيستنهض عقله كي يعمل. و من ثم ينبه حواسه مستنفرا في نفسه القدرة على التفاعل.
و عالم الألوان حافل بالإيحاء، مترع بالصور المرئية و غير المرئية، إذ المرئي فيها مدار العمل فيه البصر و اللامرئي مركز الاهتمام فيه البصيرة، ألا ترى كيف تتعالق الدالتان لتدلان على تناغم عجيب بين الصورة في جانبها المرئي و ظلالها في نطاق نبراتها الوجودية الخفية. فكلا الصورتين ( المرئية و اللامرئية )، ( البصر و البصيرة ) تكونان وحدة معنوية يزيدها البعد الاشتقاقي قوة مزاوجة بين الرمز و أشكال تعبيره.
و ليس غريبا أن نجد مقطعا قرآنيا يسبح في كون طافح بالمدركات البصرية التي تحيل على عالم تتألف فيه القيم السماوية مع القيم الأرضية و تتزاوج فيه الجماعات مع غيرها من الكائنات الحية، و تختلط في دنياه الناس و الدواب و الأنعام. قال تعالى: { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود. و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيز غفور} سورة فاطر، الآيتان 27-28.
ففي هاتين الآيتين لفتة كونية عجيبة، لفتة طافت الأرض كلها و لامست السماء. بدت فيها الأوان و الأصباغ في عوالمها كلها و هي اللفتة التي قال فيها ابن كثير في تفسيره: تلك العوالم تنبه إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، فاللفتة اللونية عجيبة، إذ الجـدد البيض مختلف ألوانها فيما بينها و الجـدد الحمـر مختلف ألوانها فيما بينها كذلك " ، مختلف في درجة اللون و الظلال و الألوان الأخرى المتداخلة فيه. ناهيك من جدد غرابيب سود، حالكة شديدة السواد. كل هذه المسحة الموحية تدعونا إلى لفت نظر ذي البصيرة كما الشأن لذي البصر. إلاّ أنّ في اللفتة إلى ألوان الصخور و تعددها و تنوعها داخل اللون الواحد، بعد ذكرها إلى جانب ألوان الثمار تهز القلب هزا، و توقظ حاسة الذوق الجمالي التي تنظر إلى الجمال نظرة تجريدية فتراه في الصخرة كما تراه في الثمرة.
و من عوامل إثارة مكامن القلب، و شغاف اللب التعبير عن المدركات بالأسلوبين الدالين. بل باللفظ المباشر و رمزه و إن شئت قلت باللفـظ و أبعاده التوليدية ذات الرحم الاشتقـاقي الواحد ( ب، ص، ر ) بين المبنى و المعنى. فبين اللفظ و إحالته البعد نفسه الذي نجده بين الجامد و المتحرك. بين عالم الحيوان و عالم الإنسان من جهة، و بين عالم الإنسان و عالم الجماد من جهة أخرى. فضلا عن البون الواسع في المساحة بين الأرض و السماء. فكما تبدو المسافة بعيدة قريبة بين الأرض و السماء تبدو أشكال التعبير بين البصر و البصيرة بعيدة قريبة و ذلك أنها كما تتشكل في العالم الظاهر صورا إبداعية محسوسة فإن مدار الكلام في كنهها بصرا و بصيرة ذو المحتوى نفسه إدراكا و رسما، قياسا و نظما.
إن اللمحات البيانية القرآنية في معالجتها للألوان كظاهرة فيزيائية لا تبدو كذلك و إن شاع في جنسها التعبير بالمشتق للدلالة على الأصل. إن الأبعاد البيانية أعمق من ذلك بكثير و ذلك أن ورود لفظ " تبصرون " كفعل مسند إلى ضمير المخاطب الجمع يحيل أولا على الكثرة كما يحيل على ظاهرة التعقل و إن شئت قلت " البصيرة " بدليل ما ذهب إليه ( صاحب التحـرير و التنوير ) عندما قال: إن أبدع استدلال يعني الألوان ( الليل و النهار ) " أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيـب المتكرر كل يوم مرتين و الذي يستوي في إدراكه كل مميز " .
و لأجل اجتماع نغم المشترك اللفظي ( الاشتقاق ) وقع التركيز على التعقل بملكة التمييز و هي الوحدة الإدراكية التي تجمع مطلق البشر (مؤمنـه و كافـره) / (مسلم قيـاده لخـالقه و جاحده). و ذلك لإقامة الحجة على الكل. فالكل بعطاء المنح متساوون و في الآن نفسه مختلفون في القدرة على كنه الغاية من إبصار الأشياء.
و من عجيب قضايا البصر أو الإبصار اطرادا و عكسا ما عثرنا عليه لما كنا بصدد محاورة هذه القضية في القرآن الكريم. و تحديدا إذا أسندت المسألة إلى ضمير المخاطب الجمع كما ذكرنا آنفا. فمدار العجب أن مساحة الاستعمال بلغت تسع مرات و هي كالآتي:
1/ { أفتأتون السحر و أنتم تبصرون } – الأنبياء، الآية 03-
2/ { أفتأتون الفاحشة و أنتم تبصرون }– النحل، الآية 54-
3/ { من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون } – القصص، الآية 72-
4/ { و هذه الأنهار تجري من تحتها / أفلا تبصرون } – الزخرف، الآية 53-
5/ { و في أنفسكم أفلا تبصرون } – الذاريات، الآية 21-
6/ { أ فسحر هذا أم أنتم لا تبصرون } – الطور، الآية 15-
7/ { و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون } – الواقعة، الآية 85-
8/ { فلا أقسم بما تبصرون } – الحاقة، الآية 38-
9/ { و ما لا تبصرون } – الحاقة، الآية 39-
يبدو أن الآيات الكريمة في معالجتها لقضايا البصر كآلة أو دلالة إبصار سمتها الجامعة و الفارقة الإنكار أو العتاب. يبدو ذلك في السياق الإنكاري الابتدائي في المثل الأول و الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و السادس، أما المثل السابع فإن دليل الاستدراك " لكن " يفيد معنى العتاب الرقيق، " و انتفاء مجرد العطف " غير قائم لأنه " قد وليها كلام " .
إن إدراك الألوان بدليلي ( البصر و البصيرة ) خاصية عقلية تعقلية، تمييزية. و كل إغضاء لمعنى غيرها مآله التبكيت أو التثريب على صاحبه. لأنّ صاحب الإدراك / التمييز و إن تعمقت خاصته المذكورة و علا شأنها " فإن المدرك البشري ( اللون ) يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم حتى الأصنام تظلم و تسود أجسامها و تشرق و تضيء" .
فإذا كان ذلك كذلك فإن تعقل البشر مجال تقريع و تبكيت و معاتبة من قبل المبدع / الله جل و علا. فإن كان كنه اللون و تبينه بصرا مطلوبا من كل ذي حاسة. فإن عدم إدراكه أو الإحاطة به جدير بأن يأخذ تلك المساحة التي تكاد تمحي غيرها، و من ملح هذا التركيب البلاغية أن بين { لا أقسم بما تبصرون و ما لا تبصرون } طباق سلب. إذ المعنى كما يبدو من الوهلة الأولى تراجحا بين السلب و الإيجاب و لكنه بالتحقيق و التمحيص يظهر أن النفي المبدوء بـ " لا " في هذا الموضع، " لا " زائدة و القسم مستأنف و كان يمكن ألا يكون القسم ابتداء لظهور الأمر و استغنائه عن التحقيق و قد يحتمل الأمر القسم بضعف. بيد أن القسم فيما نحن بصدده تعلق " بالمشاهدات و المغيبات " و تأسيسا على ذلك فإن السياق يتناول الخالق و المخلوقات بأسرها و لئن ختمت المسيرة السردية بمعاني التحولات الإدراكية اللونية بواسطة آلة البصر بحسن تخلص مفتتح بالقسم الموجب { فلا أقسم بما تبصرون } و منتهي بصنوه لكن هذه المرة بأسلوب النفي { ما لا تبصرون } فإنّ في دلالة إعظام المرئي / المبصر غايات خفية و لا يهم بعد ذلك أن تكون ذاتا أو جمادا كائنا أرضيا أو كائنا سماويا، كما لا يهم بعدئذ أن يكون لونا أو معنى و ذلك أن ( عين البصر ) إن كانت سليمة فهي تدرك أو تتعقل و إن " الإعظام بالقسم بالمبصر، بضم الميم و فتح الصاد، كل إعظام أي أنه يستحق إعظاما، أي أنه يستحق إعظاما فوق ذلك " . و ليس ذلك فحسب بل إن الملمح البياني عند ترتيب ما تحيل عليه آلة إدراك الألوان البصر في خاتمة عرض الإسناد الفعلي إلى المتكلم الجمع ( تبصرون ) و في باب ( نظم الكلام ) ترتد إلى ما أطلق عليه البلاغيون ( اللف و النشر ) أو ( الطي و النشر )" و من ملامحه البلاغية الخفية في ما نحن بصدد استنطاقه وفر معجزه خاصة و أنه وقع آخر الترتيب و لعل في ذلك الترتيب إيماء إلى ذلك التراجح الواقع بين آلتي الاستكناه ( البصر و البصيرة ) و ذلك أن من معاني اللف و النشر " ذكر ما لكل من آحاد التعدد إلى ما له لعلمه بذلك بالقرائـن اللفظية " فلا غرابة أن يرد الإبصار بمعنييه مثبتا و منفيا عملا بالقاعدة / الملمح البلاغي المذكور.
إن في دراية الإعجاز في مسألة اللون المدرك بالإحالة على الحاسة البصرية لفا و نشرا، يرتد إلى البدايات إلى الاستنكار المفعم بالإنكار على كل ذي صلة بالمعنويات. إن لم يكن بد من الإنكار على كل ما يأتي من السلوكات ما لا يقره العقل و آية الفهم لما عد من المعلوم، و هو قرين الوهم و التحريف – Fabulation – أو هو في أسعد الحالات من قبيل المعارف الخفية السرية – Les sciences occultes - التي تتحكم دوما في الذهنية العربية الإسلامية و تهيمن في كل حين على الثقافة التاريخية المتباينة.
إذا كانت بعض سياقات المقطع القرآني ذات تحولات من وحدة موضوعية إلى وحدة تصويرية ذات أبعاد تستجيب لمقتضيات السياق أو المعنى فإن الوحدة الفنية إحدى ركائز الجملة القرآنية. كما يزيد الوحدة تناسقا و تشاكلا ما تستبطنه من ملامح تصويرية. بيد أن تلك الملامح و تلك الظواهر، و التي هي خصيصة القرآن و عنصر قوته لا تبدو جلية إلا لمن جد في فك رموزها، و أخلص جهده للنفاذ إلى بنية الكلمة من حيث بنائها في ذاتها. و من خلال موقعها توسطا، أو تقديما، أو تأخيرا في مقطع معين. و بناء على ذلك فإن الإخلال بالنظم في مجال العبارة تحريفا أو تصحيفا، يجعل من بعض الوحدات التركيبية قلقة في ظلال الفوضى و اللانظام. إذ ينفر من النطق بها اللسان الذرب أو صاحب الراووق و العلم الغزير بسنن العرب في كلامها.
و النظم القرآني لا يعتمد الرصف أو الجزالة لوحدهما، و إنّما مكمن الوحدة فيه عائدة إلى سبك من نوع خاص يمكن أن نستدل عليه برأي أحد البلاغيين في إحدى مظاهر مزاياه، التي يردها كون بيان المقطع في الشيء " إنه لا يحتمل إلا الوجه الذي هو عليه، حتى لا يشكل، و حتى لا يحتاج في العلم بأن ذلك حقه. و أنه الصواب إلى فكر و روية فلا رمزية. و إنما تكون المزية و يجب الفضل إذا احتمل في ظاهر الحال غير الوجه الذي جاء عليه وجها آخر. ثم رأيت النفس تنبو عن ذلك الوجه الآخر. و رأيت للذي جاء بل زاد عليه حسنا و قبولا لا يعد منهما إذا أنت تركته إلى الثاني" ، و ليس ذلك فحسب بل زاد بعضهم إلى النظم حسن الفهم و التعقل بعد عن التقليد " إذ التقليد لظواهر معاني القرآن و الجمود عليها مثلبة لأن ذلك حجاب عظيم عن الفهم، إذ الحق الذي كلف الخلق اعتقاده له درجات، و له مبدأ ظاهر، و هو كالقشر، و المثال و له غور باطن و هو كاللباب (...) فالجامد على الظاهر لظان أنه ليس وراءه مرقى يرقى إليه كيف يتصور أن تنكشف له الأسرار إذا اقتصر على اقتباس الأنوار دون اقتباس الأحوال و الآثار" .
و هكذا تستمر معاني القرآن الفنية تتناهى و تتبدل بلاغيا، لا ترسو على حال ما دام مستنطق النص قوي العريكة يحفر في أتون الكلمات و العبارات. إذ المعنى المراد يفيض بالقدر الذي يحدد فيه باحثه ناصية امتلاك آليات التحليل ( لغة و مناهج و تأملات ).
و من بين أجل المظاهر التي سنتحدث عنها إضافة إلى المرئيات و الألوان و (القلب / الفؤاد) و متعلقاته، سنعرض إلى جوانب بيانية للتناسق الفني في القرآن الكريم.
جوانب من التناسق الفني في القرآن الكريم
إن موضوع التناسق الفني في كتاب الله العزيز وجد لمساته في أعمال عديد الباحثين القدامى أمثال: عبد القاهر الجرجاني( ت371 هـ) في كتابيه أسرار البلاغة و دلائل الإعجاز، كما نجد صدى الموضوع نفسه متناثرة في البيان و التبيين للجاحظ (ت 255 هـ) و الهوامـل و الشوامل للتوحيدي و مسكويه (ت 421 هـ) كما لا يجب إغفال جهود كل من فخر الدين الرازي (ت 606هـ) في نهاية الإيجاز و ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ) في الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن و أبو بكر الباقلاني (ت 373 هـ) في إعجاز القرآن فضلا عما سطره كل من عبد القاهر الجرجاني ( ت...) و الخطابي (ت 388هـ) و الرماني (ت 386 هـ) في مؤلفهم: " ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ". و التناسق الفني في أشرف كتاب ليس خطرة بيانية عابرة و لا هو مبحث بلاغي عابر على مشارف علم البيان و البديع و المعاني. و إنّما هو ملمح لغوي و فني تداركه أولئك الذين ذكرنا و أعاد البحث فيه مراجع مستحدثون أمثال: محمد أحمد خلف الله و سيد قطب ( 1906-1966) و عبد الغني عضيمة.
و قد وردت على التناسق الفني في القرآن الكريم اعتراضات من قبل المحافظين إذ لم يقبلوا كما لم يستوعبوا إضافة النسبة الفنية إلى القرآن. غير أن تلك الموجة الاحتجاجية لم تدم طويلا فمجرد وقوع أعينهم على الدراسات المطروحة في ( التناسق الفني )، و التي تناولت أوجه قرآنية متعددة، أدرك المعترضون أن سهامهم لم تكن غير رمية طائشة.
و للوقوف على أسرار ذلك التناسق في مواضع في القرآن الكريم نبين معنى كل من التناسق و الفني.
في معنى التناسق:
هذا المصطلح سيلامس ألوان الرسم بالكلمات تحت لافتة الإيقاع الموسيقي ( النبر و الاحتكاك، و القرع، و الهمس ) في تشكيل بياني يأخذ بعضه برقاب بعض.
و التناسق من الألفاظ غير الغريبة عن نواميس لغتنا العربية. و لا هو من المعرب أو الدخيل أو المستورد من لدن آخرين. إذ التناسق مصدر تناسق مثل تقادم تقادم و تكاثر تكاثر و تفاهم تفاهم و قد أورده صاحب لسان العرب تحت مادة : ( ن، س، ق ) قوله: النسق من كل شيء ما كان على طريقة نظام واحد عام في الأشياء و قد نسقته تنسيقا، و يضيف ابن سيده الأندلسي نسق الشيء ينسقه نسقا نسقا و نسقا و نسقه، نظمه على السواء، و انتسق هو تتناسق و الاسم النسق، و ثغر نسق، إذا كانت الأسنان مستوية. و التنسيق، التنظيم، و النسق ما جاء من الكلام على نظام واحد. و التنسيق يقال للكلام إذا كان مسجعا قيل له نسق حسن، قال ابن الأعرابي : اتسق الرجل إذا تكلم سجعا و التناسق التعبيري أن يهيئ الأديب أو الباحث في علوم القرآن لحظة التعبير للألفاظ نظاما و نسقا و جوا يسمح لها أن تشع شحنتها من الصور و الظلال و الإيقاع و أن تتناسق ظلالها و إيقاعها مع الجو الشعوري الذي تريد أن ترسمه و ألا يقف عند الدلالة المعنوية الذهنية، و ألا يقيم اختياره للألفاظ على هذا الأساس وحده و قد يجر الحديث عن التناسق التعبيري بيان معنى قريبا منه و هو تناسق الأسلوب:
فماذا يعني بهذا المكون ( المركب النعتي ) ؟
و هو أن يتم تنظيم العبارات فيه على الأساس السابق ذكره بحيث يكون متلائما على طريقة واحدة و نظام واحد متناسق النظم متناسب الفقرات حسن الإيقاع. و التناسق بعد ذلك ألوان درجات منها.
التناسق في تأليف العبارات:
و يعني به التنسيق في تأليف العبارات يتخير الألفاظ ثم نظمها في نسق خاص حيث يبلغ في الفصاحة أبلغ درجاتها و قديما قيل: " كي يكون الكلام بليغا لا بد من اختيار أحسن الألفاظ ملاءمة للغرض المقصود مع حذف ما لا يضر حذفه و لا ينطوي على كبير غناء ذكره، بل الغناء كل الغناء في حذفه " . و لا بد من إخراج محترز الإيجاز عما نريده من معنى – التناسق في تأليف العبارات و الذي هو حد البلاغة عند البعض كابن المعتز (ت 908م) و ابن المقفع (ت 759م) و الخليل بن أحمد (ت 170 هـ) و غيرهم ممن عرف البلاغة بالإيجاز. بيد أنّ ذلك لا يصدق دوما على ما جاء في كتاب الله العزيز، نعم إننا واجدون فيه من الإيجاز الكم الذي لا يحصى كثرة كقوله تعالى: { و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} البقرة، الآية 189. و التي تحتصر قول الجاهلين " القتل أنفى القتل ". كما نجد فيه من الإطالة في بعض المواضع غير المملة بتنسيق عجيب مثالها قولـه تعـالى:{ و ما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها و أهش بها على غنمي و لي فيها مآرب أخرى } طه، الآيات 17 و18. أو ليس الله جل جلاله هو الذي خلق موسى، و خلق عصاه و يعرف السبب الذي من أجله حمل موسى عصاه ؟ إذن لماذا كان السؤال أولا و لماذا كانت هذه الإجابة المسهبة المفصلة ؟ ألم يكن أولى بالسائل ألا يسأل و بالمجيب أن يختصر، و لا سيما أنه في حضرة مالك الملوك، و من يعرف الظاهر و الباطن، و السر و أخفى ؟ ألم يكن بعيدا عن البلاغة في رأي ابن المقفع و الجاحظ الذي ينحو بالبلاغة نحو الإيجاز" .
و التناسق المتحدث عنه " التناسق في تأليف العبارات " و الذي عماده " تناسق الأسلوب " أنماط من ذلك:
أ- الإيقاع الموسيقي الناشئ من تخير الألفاظ و نظمها في نسق خاص.
ب- التسلسل المعنوي بين الأغراض، إذ التناسق النفسي بين الخطوات المتدرجة في بعض النصوص من خواصها و منها تناسق التعبير مع الحالة المراد تصويرها كذلك أحد خواصها.
ج- التناسق بين أجزاء الصورة المرسومة.
د- تناسق الموسيقا فيها و تناسق لونها معها و إطارها مع أجزائها و غير ذلك من ألوان التناسق كثير، حيث سنعرض لبعض ألوانه تطبيقا على بعض المقاطع القرآنية.
و التناسق في القرآن الكريم بلغ حد الإعجاز في ألوانه و درجاته و آفاقه. فمن نظم فصيح إلى سرد عذب، إلى معنى مترابط إلى نسق متسلسل، إلى لغة مشعة، إلى تعبير مصور، إلى تصوير مشخص، إلى تخيل مجسم، إلى موسيقا منغمة، إلى اتساق في الأجزاء إلى تناسق في الإطار، إلى توافق في الموسيقا، إلى افتنان في الإخراج. و بين هذا الكل يتم الإبداع و يتحقق الإعجاز بالرسم و الرصف، بالعبارة و الإشارة و النظم وفق الآفاق البلاغية المذكورة، و إن كان هناك من الباحثين القدامى و المحدثين من لا يوافقنا الرأي و يشاطرنا المنزع فلهم في ذلك أعذار قد توافق ميولنا و اعتقاداتنا و قد تقف إزاءها. من ذلك القول بالصّرفة عند البعض و القول بتحدي العرب بأقصر سورة منه. و القول بالإخبار بالغيوب عند آخرين. و القول بالنظم و الجزالة و الطرافة على الوجوه البلاغية و الفنية التي نحلل بعضها. و قد ألمح إلى جلها أحدهم عندما قال: ذكر أصحابنا و غيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز:
" أحدها: يتضمن الإخبار عن الغيوب.
ثانيها: أنه كان معلوما من حال النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان أميا لا يكتب و لا يحسن أن يقرأ.
ثالثها: إنه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه " .
و إثر هذا البيان الوافي لمعنى التناسق و فنونه و ألوانه النظرية وجب التعرف على المعنى المراد من مصطلح " الفني ".
و الفنّي نسبة إلى الفنّ. و الفنّ كلمة مشتركة تدل على معان شتى منها: الفنـون الجميلـة كلها ( الرسم و النحت و التصوير ) و فن الموسيقا إضافة إلى فنون أخرى يتحدث عنها كالحياكة و التجارة و الزراعة و الإعلام و غيرها من الفنون كما عدّ الشعر و النثر صناعة. من ذلك إطلاق أبي هلال العسكري (ت 1005 م ) الصناعتين على الشعر و النثر في مؤلف معروف، ناهيك عن تسمية " المنظوم صناعة " عند ابـن رشيـق ( ت 356هـ ) و لعل نعت القول في تحليل آليات الخطاب القرآني " بالفن " هو الذي جلب على القائلين به أي بإضافة المصطلح إلى التناسق الويلات. و قد خفي أن المصطلح مضاف إلى غيره من سنن العرب في كلامها كيف لا و قد وسم ابن خلدون بحوثه التاريخية به أي " الفـن " . فمع ما اختلاف ما يضاف إليه مصطلـح " فنـّي " فإن له معنى أساسيّ هو الحذق أو المهارة التي يبلغ بها المرء مقصده بعد تدبر و تمعن و بحث و تمحيص.
و إذا ورد المصطلح في لسـان العـرب تحت مادة ( ف، ن، ن ) فإنّ من بين معانيـه:" و الرجل يفنن الكلام أي يشتق في فن بعد فن، و رجل مفن، يأتي بالعجائب، و افتن الرجل في حديثه، أي جاء بالأفانين، و أفتن الرجل، أخذ في فنون من القول، و فن الرجل رأيه إذا لونه و لم يثبت على رأي واحد، و الإثنين الأساليب، و هي أجناس، و رجل متفن أي ذو فنون" . و نظرا إلى كون كل حذق في مجال من المجالات المعرفية فنّا فإنّ المعنى يقصد منه: كلّ عمل راق يهدف إلى ابتكار ما هو جميل من الصور و الأصوات و الحركات و الأقوال.
و إذا تعلق الفن بالإنساني و كذلك يجب أن يكون فنحن لا نعني سواه إذ الغاية التي نتغياها هي الوصول إلى الابتكار و الجدة و كل ما يتعلق بالجمال و الجمال وحده كبر مجاله أم انحسر.
و نظرا إلى أن هذا المبحث الفني إن عدم بإرادة التعرف عليه بضده أو بآثاره فغير ممكن و ذلك أنه متعلق بالوجدان و التأثر الوجداني و هذا الأخير هو الركح و المسرح الذي يتم به إدراك الفن. إن بواعث الجمال و الاستجابة لها رهين الإرهاف الوجداني و الإحساس العاطفي، و منبع الأحاسيس تظل ( العين و الأذن ) مركزا السيطرة و القيادة عليه و ربما كان ذلك مبعثا لأن يركز عليهما يشار بن برد فن أحاسيسه الشيء الذي دعا ابن رشيق وصفه بالمنفرد في باب التركيز على الأذن استعاضه بها عن العين، و من البسيط قول بشار بن برد:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة // و الأذن تعشق قبل العين أحيانا
فمحبة الفنّ و تذوق الجمال فطري في النفس الإنسانية السويّة بيد أن قيمة الفن تتوقف على الزاوية التي تنظر منها إليه.
و الأدب لون من ألوان الفن بل هو أهم ألوان الفنون على الإطلاق يزيده الحس الإيقاعي و الذوقي البلاغي سموقا. إذا وظفت آليات تذوّق بديع صنع الباري تعالى في رصف كلماته، و انتثارها اللاإعتباطي في كتابه العزيز. إذ كل خطرة و كل تقديم أو تأخير له من النحت الفنّي خصوبة و إبداعا. و الأدب الحذق و المهارة، و هو أي الفنّ في الأدب جودة العرض و حسن السبك و جمال الأسلوب و قوّة العاطفة و نشاط الخيال.
و تأسيسا على ذلك سنثبت شأننا شأن أصحاب اللمحات البيانية كأولئك الذين ذكرنا و غيرهم كثر من أصحاب الدراسات البلاغية بأن الفن التناسقي القـرآني أداء بارع له أصـول و مناهج، لا على شاكلة ما رام قوله محمد أحمد خلف الله في أطروحته: " الفن القصصي في القرآن ": إذ ادّعى وجوده في القرآن لكن ليس دليل إثبات و إنما دليل التواء و تعمية على الحقائق فهو لديه شكل خاص يقوم على التلفيق و الخيال. مصرحا: " فالقصص القرآني لا يتصف بالصدق التاريخي لأن الصيغ البلاغية للقرآن تقوم على تلخيص العناصر القصصية من أحداث و أشخاص و أخبار من معانيها التاريخية، و جعلها صالحة كل الصلاحية لاستثارة العواطف و الانفعالات حتى تكون العبرة و الموعظة (...) و أن ما بالقصص القرآني من وسائل تاريخية ليست إلا الصور الذهنية لما يعرفه المعاصرون للنبي عليه الصلاة و السلام عن التاريخ، و ما يعرفه هؤلاء، و لا يلزم أن يكون هو الحق و الواقع " . ثم يضيف " و هذا القصص القرآني يمثل نفسية النبي صلى الله عليه و سلم، بل و يمثلها في أدنى مراحلها و في أعنف صورها" .
لقد وصل الأستاذ خلف الله إلى نتيجة خطرة و هي الفهم المنحرف لكلمة " الفنّ" في الكتاب العزيز. و هي عنده مقتصرة على الملفق أو المخترع أو القائم على مجرد الخيال. و لم يكن بد من أن ينهض من يذب عن سقم الفكرة فيبلور آفاقها الفنيّة الصحيحة، و يبرز المغزى الحقيقي من الفنّ في القرآن و ما حدود ما يراد منه، فانبرى سيد قطب يذب عن الفكرة فجلا الحقيقة و دفع عنها غوائل جهلها في مؤلفيه "مشاهد القيامة في القرآن الكريم" و " التصوير الفني في القرآن" مخصّصا القسم الأخير من ذلك المؤلف " مشاهد القيامة في القرآن " في الشأن الدفاعي تحت عنوان " التصوير الفني في القرآن " موضحا الملابسات حوله و من ذلك ما يعنيه هو بالفن في القرآن الكريم حيث قال: " و إني لأعترف حين اتخذت عنوان التصوير الفني في القرآن كتابي الأول منذ حوالي ثلاثة أعوام لم يكن لها في نفسي إلا مدلول واحد هو:
- أ – جمال العرض.
- ب- و تنسيق الأداء.
- ج- و براعة الاختراع " .
و لم يجل بخاطري قط أن الفن بالقياس إلى القرآن معناه: الملفق أو المخترع أو القائم على مجرد الخيال، و ذلك أن دراستي الطويلة للقرآن لم يكن فيها ما يلجئني إلى هذا الفهم أن النأي (...) و إني لأعجب لم تنصرف كلمة الفنّ حتما إلى الملفق و المخترع و الابتداع الذي لا يسنده الواقع، و الاختراع الذي يخرج على المعقول، لماذا ؟
ثم يحدد المذكور معالم الفن في القرآن فيقول: " الفن في القرآن، إبداع في العرض و جمال في التنسيق و قوة في الداء، و شيء من هذا كله لا يقتضي أنه يعتمد على الخيال، و التلفيق و الاختراع متى استقام التفكير و صحت الأفهام " .
إنّ القرآن الكريم لم يغفل ما للفنّ من تأثير في النفوس لذلك استخدمه أداة مقصودة للتأثير الوجداني. فالتعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني و الغرض الفني فيما يعرضه من الصور و المشاهد. بل يلاحظ أنه يحمل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني، فيخاطب الحاسة الدينية بلغة الجمال الفنية. إذ الفن و الدين صنوان في أعماق النفس البشرية و في قرارة الحس الإنساني. و إدراك الجمال الفني دليل استعداد النفس لتلقى التأثير ديني و حين يرتفع به المستوى الرفيع حين تصفو النفس لتلقي رسالة الجمال الفني" .
الإيقاع الموسيقي: نشير إلى أن ما نقصده هنا التنظير إلى الجملة العربية أولا و الجملة القرآنية في المجال التطبيقي الآتي، و هو أنواع منها:
أولا الإيقاع: هذه الكلمة وردت في لسان العرب على النحو التالي: " التوقيع: رمى قريب لا تباعده كأنك تريد أن توقعه على شيء. و التوقيع الإصابة، إصابة المطر بعض الأرض و أخطاؤه بعضا، و قيل هو إنبات بعضها دون بعض، و التوقيع في الكتاب إلحاق شيء فيه بعد الفراغ منه، و قيل هو مشتق من التوقيع الذي هو مخالفه الثاني للأول و الإيقاع: من إيقاع اللحن و الغناء، و هو أن يوقع الألحان فيبينها" . و قد سمى الخليل بن لأحمد الفراهيدي (ت 170هـ) كتابين لذلك المعنى / الإيقاع و بناء على ما أورده صاحب لسان العرب في الإيقاع و التوقيع، ندرك أن أصلهما واحد و هو أن يوقع الشيء على الشيء المتعدد الأجزاء فيصب قسما منها، و يترك الباقي، يتجلى ذلك في التوقيع في الرمي وتوقيع المطر، و توقيع الكتاب و إيقاع الألحان، و هذا المعنى وارد في الإيقاع الموسيقي للآلات الموسيقية، و الإيقاع الموسيقى للألفاظ. فالعازف على الآلة الموسيقية، يوقع بأصابعه على بعض أوتار تلك الآلة دون بعضها فينبعث من تلك الأوتار نغمة خاصة هي المسماة الإيقاع الموسيقي. و المتحدث عندما ينطق لفظا فكأنه و نظرا لاختلاف مخارج خروف اللفظ يوقع على أوتاره الصوتية دون الآخر، فتنبعث من الفم نغمة خاصة هي الإيقاع الموسيقي لللفظ.
يعتبر " جهازنا الصوتي أشبه بمجموعة من الآلات الموسيقية تخرج منها الألفاظ بنغمات مختلفة و درجات متباينة من الشدة و الضعف و السرعة و البطء و غير ذلك من الصفات التي بينها شرحا علماء الأصوات و علماء القراءات و التجويد " .
ثانيا: الموسيقا " هي لغة العواطف و الوحدات، و لنغماتها درجات من الشدة أو الضعف أو اللين أو القوة أو السرعة، أو البطء و نحو ذلك(...) و تؤثر الموسيقـا في العواطف لما في نغمـاتها و إيقاعها من جمال و ما ينشأ عن هذه النغمات من إحساس و أثر في النفوس" . فبين الأدب و الموسيقا قدر كبير من الاشتراك فكلاهما يستعمل مادة الأصوات الزمنية، و الموسيقا تستعمل أصواتا لا معنى لها كمادة أولية و هو ما أشرنا إليه آنفا في حين أن الأدب يستعمل أصواتا مليئة بالمعاني هي الألفاظ.
و الكتابة التي توقع معانيها عبر الأحرف و الكلمات بنسق معين نوعان:
أ- الكتابة الأدبية العادية: و هي التي تدون فيها الألفاظ و لا تدل إلا على دلالتها الذهنية لا تتجاوزها فكأنها لا تعتمد إلا غير الرصف دون سواه.
ب- الكتابة الأدبية الفنية الموسيقية: و هي تلك التي يهيئ فيها الأديب الشاعر للألفـاظ نظاما و نسقا و جوا يسمح لها بأن تشع بشحناتها من الصور و الظلال و الإيقاع و أن تتناسق ظلالها و إيقاعها مع الجو الشعوري الذي تريد الألفاظ أن ترسمه، و ألا يقف عند الدلالة المعنوية الذهنية، و أن للألفاظ أرواحا، فوظيفة التعبير الجيد أن يطلق هذه الأرواح من جوها الملائم لطبيعتها، فتستطيع الإيحاء الكامل و التعبير المثير.
إن اللغة العربية الشاعرة لغة فنية موسيقية، إن عناصر الموسيقا الشاعرية تتجلى فيها أكثر من غيرها من اللغات، و يرجع ذلك لسببين هما: الغناء و بناء اللغة نفسها على الأوزان. و تبدو موسيقية اللغة من اختلاف مخارج الحروف و اختلاف صفاتها، و اختلاف حركاتها و سكناتها كما تبدو في اختلاف الكلمات من حيث جرسها و نغماتها و في اختلاف العبارات من حيث إيقاعها(...) و لاختلاف المخارج و الصفات في الحروف التي تتكون منها الكلمات تكون الكلمات تبعا لذلك مختلفة في الوضوح و الشدة و السرعة و في رنينها و نغماتها الموسيقية و غير ذلك. فبعض الكلمات تبدو خافتة، و بعضها يظهر مجلجلا، و بعضها حفيف التموجات يجري كالماء و بعضها يجري فتسمع له ما يشبه الحقيق أو الخرير أو التدفق، و بعضها له نقرات كالدفوف، أو الطرقات كمطرقة الحداد، و بعضها تحس فيه صلابة، و بعضها تلمح فيه الرخاوة و اللين، و بعضها له رنين سابح أثير، و بعضها هواء يسمع بالتموج الصوتي أو الطوعية الموسيقية، و ذلك مثل حروف المدّ. هذا عن مخارج الحروف و صفاتها.
و مما يلاحظ أن دراسة ذلك تطبيقا على آيات القرآن الكريم مما سنعرض لنماذج منه يتطابق تماما مع كل القراءات المتواترة منها و الشاذ. إذ المخارج و الصفات ليستا محل نزاع بين القراء و أصحاب الروايات، فأبن الجزري في أرجوزته المنظومة على بحر الرجز هي الميزان الذي إليه يعود القراء و من يشتغل بالإقراء ليست محل نزاع فهي بالنسبة إلى غريها الميزان الصوتي الذي عليه يضبط الإيقاع رسما و نطقا.
و لئن اعتمدنا على الصفة و المخرج في دراسة موسيقية العبارة فإن ذلك ما يدعم خاصية الأثر التوقيعي العباري نبرا و همسا رخوا و استيفالا و استعلاء و إطباقا(...) و ليس غيره. كذلك الحروف و سكناتها و نوع هذه الحركات أثر في موسيقية الكلمة فالحركات الثلاث: (الضمة والفتحة و الكسرة) (...) و تتابعها في الكلمة أو الكلمات أو الانتقال من حركة إلى أخرى كالانتقال من الكسرة إلى الضمة أو العكس. أو جريان هذه الحركات دون أن يعرضها السكون. أو تكرار السكون على فترات منظمة أو مختلفة كل ذلك له أثر في جرس الكلمات و العبارات.
فكل هذه العوامل الصوتية من مخارج الحروف و صفاتها، و حركاتها و تتابع هذه الحركات أو تفرقها تجعل للكلمة قوة موسيقية خاصة، و رنينها يطبعها بطابع خاص. أما موسيقية العبارات فإنها حين تجتمع في الكلمات و الجمل و في العبارات تكتسب جرسا موسيقيا آخر زيادة على ما كان لها من موسيقا فردية، و ذلك مثل تشابه الكلمات في الوزن و في المكان من الجملة. أو تعاقب كلمتين متشابهتين في الوزن و الرنين أو تجانس فقرتين أو جملتين في عدد الكلمات و في وزن كل منهما، أو في التجانس في الكلمتين الأخيرتين في جملتين أو في التشابه الذي يبرز في فترات متكافئة، أو في التدرج المتعادل، أو في التتابع المقرون بسرعة الجرس.
فاللغة العربية إذن ليست مجرد ألفاظ أو عبارات أو معان. إنها بالإضافة إلى الإيحاء و الإيماء و الإيقاع و الرمز تحوي الكثير من النواة الموسيقية و الوجدانية و الخيالية. و تتجلى موسيقية اللغة في الشعر و هو أكثر الفنون الأدبية ارتباطا بالموسيقا لأن الإيقاع المنغم المقسم في الشعر يجعله مصاحبا للتعبير الجسدي بالرقص عن الانفعالات الحسية. كما يجعله أقدر على تلبية التعبير الوجداني بالغناء(...) و موضوع الشعر و وظيفته هو الغناء المطلق بما في النفس من مشاعر و أحاسيس و انفعالات. إن الإيقاع الموسيقي عنصر مشترك في كل الفنون الجميلة: فالإيقاع الصوتي و الإيقاع المعنوي متساويان في الأدب و هما جزءان أساسيان في التعبير. لأن الدلالة اللغوية وحدها لا تكفي في العمل الأدبي و الإيقاع في التصوير كذلك كائن. و لكنه إيقاع تتولى العين تمييزه بدل الأذن و تلحظه في تناسق الألوان و الخطوط. و كذلك في النحت فهو ملحوظ في الانحناءات و الأوضاع و الأبعاد. و لكن الإيقاع في هذه المواضع و تلك مجازي. و قد استخدم لفظه بدل لفظ " التناسق " و ما يزال لكل من خصائصها و الإيقاع بمعناه الحقيقي لا يتحقق كاملا إلا في الموسيقا، و يتحقق جزئيا من أوزان الشعر و تنغيم النثر.
أما قوانين الإيقاع الموسيقي فسبعة: النظام، و التغيير، و التساوي، و التوازي، و التوازن، و التلازم، و التكرار. و لأن اللغة العربية لغة موسيقية شاعرة، و لأن القرآن الكريم إعجاز بياني كامل، و يتمثل فيه الأسلوب الفني المعجز، فلا بد من أن يوجد فيه الإيقاع الموسيقي المعجز(...) و لا ضرر في نسبة الجرس و الإيقاع أو الموسيقا إلى أسلوب القرآن، و أن نلحظ وجودها فيه و أن نبينها للناس كافة لأن القرآن الكريم يسير على سنن العربية و أساليبها.
إن الموسيقا تكمن في أسلوب القرآن، و إن الإيقاع الموسيقي فيه يتألف من عدة عناصر هي:
1- مخارج الحروف في الكلمة الواحدة.
2- تناسق الإيقاعات بين كلمات وفقرات.
3- اتجاهات المد في الكلمات.
4- اتجاهات المد في نهاية الفاصلة المطردة في الآية.
5- حرف الفاصلة ذاته.
الجانب التطبيقي لنظرية التنـاسق الفني في القـرآن و آفاقه بين القدامـى و المعاصرين:
إن الإرهاصات النظرية لهذا الموضوع الخطر و الحساس و الذي قد لا تستسيغه القرائح التي لم تترب على الأساليب الفنية و البلاغية توجد عند القدامى حيث وضعوا أساسها و إن تلميحا و معالجات بيانية تطوح بين إفادة في مجال الدراسات البلاغية و اللسانية و الإجابة عن تساؤل مركزي مفاده: هل الفائدة و المزية لللفظ أم للمعنى داخل نسق معين من الكلام ؟ و ربما تطور الموضوع ليلامس نظرية النظم حيث نجد بواطنها الأولى و روافدها عند مدرسة الاعتزال قطب رحاها القاضي عبد الجبار (ت 415هـ) في المغنى في أبواب التوحيد و العدل و تحديدا في الجزء السادس عشر من طبعة دار الكتب المصرية. كما توجد المسألة نفسها كإجابة عن سؤال لا تتربع على عرشه الأساليب النثرية أو الشعرية ( الأمثال و الحكم و الشعر الجاهلي أو الإسلامي ) خلال عصر الاستشهاد، قبل حلول القرن الثاني، ذلك السؤال يتمثل في هذه المرة في الآتي: هل الإعجاز القرآني بياني أم أنه رديف الإخبار عن الغيوب أو أنه عائد إلى القول بالصرفة أم إنه راجع إلى نوع من النظم اللغوي المتحدّى به في أقصر سورة، أم هو رهين نسيج معين لصورة تركيبية وفق نسق معيّن لا يوجد له قرين مرجع إلى الإبداع فيه للبشر؟
لقد سبقت الإشارة في بداية بحثنا إلى جهابذة البلاغة بفنونها المختلفة، و عملهم بل مساهماتهم في هذا المجال، كما يمكن أن نضيف إليها جهود آخرين كالجاحظ في البيان و التبيين و العسكري في " الصناعتين" و الراغب الإصفهاني في " مفردات القرآن " و النيسابوري في " تفسير غرائب القرآن" و الطبرسي في " لمحات مجمع البيان" و الزمخشري في " الكشاف" و العلوي اليمني في" الطراز " و ابن رشيق في "العمدة " و غيرهم كثير.
في حين نجد المدرسة الحديثة بأعمدتها و مداميكها كصادق الرافعي (1881-1937م) في" إعجاز القرآن" و " وحي القلم " و الشهيد سيد قطب في " مشاهد القيامة في القرآن " و " التصوير الفني في القرآن " و مالك بن نبي في " الظاهرة القرآنية ". كما لا نعدم صاحب " اللمسات البيانية و الإعجازية " بجامعة الأمير عبد القادر بالجزائر خلال تسعينات القرن الماضي و خريج كلية دار العلوم الحسيني
مواضيع مماثلة
» خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 2 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت مايو 21, 2011 12:37 am من طرف Admin
» خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
السبت مايو 21, 2011 12:32 am من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
الجمعة مايو 20, 2011 10:10 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
الجمعة مايو 20, 2011 10:00 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
الجمعة مايو 20, 2011 9:17 pm من طرف Admin
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 9:08 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:50 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:21 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
الجمعة مايو 20, 2011 7:38 pm من طرف Admin