موقف شيوخ الزيتونة من الحجاب
صفحة 1 من اصل 1
موقف شيوخ الزيتونة من الحجاب
بقلم: الدكتور محمد بوزغيبة أستاذ الفقه الإسلامي وعلومه ـ جامعة الزيتونة
الآن، وبعد ان تجاوز الامر حده، واصبحنا نسمع كلاما يجانب الصواب وينال من هيبة دولة مسلمة، كان لها شرف نشر الدين الاسلامي عموما والمذهب المالكي خصوصا في كامل القارة الافريقية وفي غرب أوروبا وجنوبها. وكان لها السبق في عدة علوم شرعية، وهذا افراط من بعض الاصوات والاقلام التي تهجمت على تونس دون موضوعية.
وبعد قراءة أطروحات بعض الباحثين التونسيين غير المتخصصين في الفقه الاسلامي، الذين استغلوا طرح السلطة المعتدل في مسألة الحجاب، الذي نادى بستر المرأة بناء على ماقالته شريعتنا الاسلامية الغراء، وهو معلوم من الدين بالضرورة، وذلك باستعمال اللباس التونسي التقليدي الذي استعملته امهاتنا وجداتنا منذ عدة قرون، وتهجموا على الحجاب عموما وعلى الستر والحياء والحشمة خصوصا.
أقول لهؤلاء وأولئك اقرؤوا آراء وفتاوى شيوخ الزيتونة القدامى والمتأخرين في موضوع الحجاب، وترفعوا عن السباب ولا تنسوا ان تونس متمسكة بالدين الاسلامي كهوية ومعتقد لا يقبل اي تونسي النيل منها، واتركوا الاختصاص لاهله وذويه.
* قيمة التخصص:
لماذا لا يتكلم عن الجراحة الا الطبيب المختص، ولماذا لا يتكلم عن التكنولوجيا الا المهندس والخبير والتقني المختص فيها، في حين يتكلم الجميع في التشريع الاسلامي، ويفسر الجميع كلام العزيز الرحمان على هواه، او ينتقي بعض الشوارد ويجمع الشتات ويلفق اراء الاقدمين على مزاجه لاطماع ثمنها بخس ولحسابات ضيقة الافق.
لقد تدخل المتفيقهون والوصوليون فحادوا عن الموضوعية وتفرقت بهم السبل، فتفاوتت اسهاماتهم بين ناقد للنص الشرعي عن جهل، وبين متبرم من النص الشرعي ومستخف به، لكنه متقنع بلباس الايمان والله يعلم ما تخفيه الصدور. أصبحنا باسم الحداثة نقرأ لمن يتهجم على عمر الفاروق وعلى عائشة ام المؤمنين اول فقيهة في الاسلام، ومن يتشدق بنكران القبور والبعث والنشور، ومن يستهزئ من الصحابة ويتهمهم بجمع السبايا والاسيرات عند الغزوات لمآرب شهوانية خاصة، وقد وصل الامر الى النيل من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم من كتاب الله العزيز دستور المسلمين..
وفي قضية الساعة، أصبحنا نقرأ لمن يدعي ان الحجاب خاص بالمومسات لكي لا يعرفن عند مغادرتهن دور الخناء والدعارة، ونقرأ لمن يعتبر ان الحجاب لا يخص الا الحرائر قديما أما الاماء فلم يطالبن بذلك، وهب أن الحجاب خاص بالحرائر في صدر الاسلام، أنرضى بأن تكون نساؤنا وبناتنا وامهاتنا اماء وجواري وعبيد او حرائر يرتدين لباس الحشمة والوقار، ونقرأ لمن لم يرض بموقف السلطة المتمسك بالحشمة والستر والرافض للعراء وللباس الخليع بدعوى ان زمن غض البصر وزمن الشهوات قد ولى، وان التبرج واللباس الخليع وكثرة المساحيق هو رمز التقدم، متغاض عن الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ولا تبديل لخلق الله.
وهناك من اعتبر ان الايات 31 من سورة النور و59 من سورة الاحزاب الخاصة بالحجاب، لم ترتق الى الوجوب الشرعي..
مقالات نشرتها الصحف التونسية باللغتين العربية والفرنسية وأقاويل بثتها بعض الهوائيات ان الدولة التونسية تتمسك بالحجاب كستر وتطالب بالبديل التونسي لتكريس ذلكم الستر، والدليل على ذلك هو اليوم الوطني للباس التقليدي الذي يقصد من خلاله المحافظة على لباس المرأة التونسية المحتشم.
لتوضيح هذه الاشكاليات سأبدأ بتقديم نبذة موجزة عن السبق التونسي في العلوم الشرعية، ثم الوقوف عند مصطلح الحجاب وتعريفه وتوضيح الكلمات المرادفة له، ثم توضيح قضية الحجاب وتقديم اراء شيوخ الزيتونة..
* السبق التونسي: المسألة المجمع عليها والواضحة في رابعة النهار، والتي لا يختلف فيها اثنان ولا يتناطح حولها عنزان ان تونس افريقية اقتنعت بالاسلام دينا منذ زمن الخلفاء الراشدين وتحملت عبء نشر رسالته شرقا وغربا.
فتونس سميت بذلك لانها تؤنس من يأتيها ضيفا، لقد وهبت اسمها الاصلي «افريقية» الى القارة التي هي جزء منها فمن الاراضي التونسية أسلم المغرب العربي والاندلس وصقلية وجنوب الصحراء الافريقية.
ومن الجامعات الاسلامية التونسية الاولى «عقبة القيروان» و«جامع الزيتونة المعمور» اخذ ضيوف تونس العلوم الشرعية من ابنائها.
ومن تونس انتشر المذهب المالكي في الغرب الاسلامي، وان مصادر المذهب المالكي تونسية الاصل.
ـ المدونة للامام سحنون وتهذيبها للبراذعي
ـ الرسالة لعبد الله بن أبي زيد القيرواني
ـ مختصر خليل المصري الذي ألفه باعتماده على ثلاثة علماء من تونس ذكرهم في مقدمة المختصر وهم: أبو الحسن اللخمي والامام محمد المازري وعبد الحق الصقلي.
ان المعول عند المالكية على هذه المصادر التونسية فتونس أنجبت احمد بن الجزار مؤسس الصيدلة، وعبد الرحمان بن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وان افضل كتاب في علم اللغة هو «لسان العرب» لجمال الدين بن منظور القفصي..
وتواصل السبق التونسي الى الفترة الاصلاحية، حيث نجد ان اول تقنين للفقه الاسلامي في العالم هو «قانون الجنايات والاحكام العرفية» الصادر سنة 1861 الذي جاء قبل «مجلة الاحكام العدلية» التي طبقت احكامها في الدول الاسلامية بـ15 سنة لان المجلة ظهرت سنة 1876.
وفي علوم القرآن مثلا فان اقدم تفسير في العالم هو تفسير يحيى بن سلام (200هـ) وان افضل تفسير متكامل في هذه الازمان هو «التحرير والتنوير» للامام العلامة مبتكر علم مقاصد الشريعة محمد الطاهر ابن عاشور..
ذكرت نماذج من السبق التونسي في العلوم الشرعية لاثبت بدليل ساطع وبرهان قاطع مدى تجذر هذه الارض المضيافة في الشريعة الاسلامية، اقول ذلك بهدوء واتزان لمن يبحث عن النيل منها من الخارج، ولمن يصطاد في الماء العكر ويبحث عن تمفصلها عن جذورها الشرعية من الداخل بدعوى حرية الفكر والتأويل..
* مصطلح الحجاب:
وردت كلمة الحجاب في القرآن الكريم في ثمانية مواضع وهي (الاعراف: 46 ـ الاسراء: 45 ـ مريم: 17 ـ الأحزاب: 53 ـ ص: 32 ـ فصّلت: 5 ـ الشورى: 51 ـ المطففين: 15). ولقد ورد جميعها بمعنى الستر والمنع.
كما استعمل الحجاب في علم المواريث، والقصد منه منع بعض الورثة من الميراث عند وجود من هم اولى واقرب من الميت.
فالحجاب لغة الستر والحاجز والحيلولة، ولقد استعمله علماء اللغة في عدة معان، فقيل العجز حجاب بين الانسان وربه، والمعصية حجاب بين العبد وربه..
ومن الالفاظ ذات الصلة بالحجاب: الخمار ـ النقاب.. القناع ـ البرقع..
* الخمار: اصله الستر، فكل ما يستر شيئا فهو خماره، قال صلى الله عليه وسلم: «خمرّوا آنيتكم» (أخرجه الشيخان). وغلب في التعارف ان الخمار اسم لما تغطي به المرأة رأسها(1) ويعرّف الفقهاء الخمار بأنه ما يستر الرأس والصدغين او العنق(2) وعندهم ان الحجاب ساتر عام لجسم المرأة، اما الخمار فهو في الجملة ما تستر به المرأة رأسها.
* القناع: هو ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها، ويطلق بعض الفقهاء القناع على الثوب الذي يلقيه الرجل على كتفه ويغطي به رأسه، ويرد طرفه على كتفه الآخر(3) فالقناع أعم واشمل من الستر في الخمار، او هو يخالفه عند بعض الفقهاء.
* النقاب: جاء في لسان العرب بأن النقاب هو القناع على مارن الانف. ثم يقول ابن منظور: النقاب على وجوه
قال الفراء: اذا أدنت المرأة النقاب الى عينيها فتلك الوصوصة، فان انزلته دون ذلك الى المحجر فهو النقاب، فان كان على طرف الانف فهو اللفام (اي اللثام).
قال ابن منظور: الوصواص البرقع الصغير(4)
قال الفقهاء كل من الخمار والنقاب يغطى به جزء من الجسم: الخمار يغطى به الرأس والنقاب يغطى به الوجه. والفرق بين الحجاب والنقاب ان الحجاب ساتر عام، اما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط.
* البرقع: ما تستر به المرأة وجهها(5)
ولقد وردت مسألة الحجاب والخمار الخاص بالمرأة في الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الاحزاب، ولقد اجمع الفقهاء والمفسرون على ان المرأة مطالبة بستر ماعدا الوجه والكفين.
* اجماع الفقهاء: جاء في مختصر كتاب «النظر في احكام النظر في المسألة رقم 27: ان الوجه والكفين والقدمين هل يجوز للمرأة ابداؤها او لا يجوز اعني للاجانب؟ وهو موضوع الخلاف، فنقل عن ابن مسعود رضي الله عنه ان المرأة لا تبدي وجهها ولا غيره، وللشافعية قولان في جواز النظر الى الاجنبية احدهما المنع وهو الاشهر، والآخر الاجازة ما لم يخف الفتنة وقول ثان انه يجوز ابداء وجهها دون كفيها، يروى عن ابن جبير والحسن البصري.
وقول ثالث انه يجوز لها ابداء وجهها وكفيها، يروى عن ابن عباس وابن عمر وانس بن مالك وعائشة وابي هريرة وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وابوثور، وكلهم يقولون: تغطي في الصلاة جسدها الا الوجه والكفين(7).
وجاء في موسوعة الاجماع في الفقه الاسلامي ما يلي:
ـ المسألة عدد 2971: حدّ عورة المرأة: اتفقوا على ان شعر الحرة وجسمها وحاشا وجهها وكفيها عورة.
ـ المسألة عدد 2972: على من فرض حجاب الوجه والكفين: لا خلاف في ان فرض الحجاب في الوجه والكفين ما اختصت به نساء النبي صلى الله عليه وسلم وان كن مستترات الا مادعت اليه ضرورة.
ـ المسألة عدد 2252: وجه المرأة وشعرها في الصلاة: اجمعوا ان على المرأة ان تكشف وجهها في الصلاة ولو رآه الغرباء، وقد اجمع اهل العلم على ان المرأة الحرة تخمر رأسها اذا صلت.
ـ المسألة عدد 94: ما تلبسه المرأة المحرمة في الحج: اجمعوا على ان المرأة تلبس المخيط كله، وان لها ان تغطي رأسها وتستر شعرها الا وجهها، وقد اجمع الكل على ان لها ان تغطي اذنيها ظاهرهما وباطنهما ولا تلبس القفازين..(
* المقاربة التونسية: لم تشذ البلاد التونسية عما قاله الفقهاء، فما تقدم به رئيس الجمهورية ووضحه الناطق الرسمي باسمه وحلله وزير الشؤون الدينية هو الحفاظ على احتشام المرأة وستر وعدم ابداء مفاتنها بلباس خليع، فقط يتم ذلك بلباس تونسي لان الفقهاء تحدثوا عن الستر ولم ينظروا البتة الى نوعية اللباس لان عرف البلاد هو الفيصل بناء على القاعدة الاصولية: «العادة محكمة».
اذا هناك لباس تقليدي تونسي، اصرت السلطة على الذود عنه والتمسك به، لانه يكرس الهوية والمواطنة. جاء في كلمة وزير الشؤون الدينية لجريدة «الصباح: «نعم لأزيائنا التونسية المحتشمة الريفية والحضرية مثل «المحرمة» (الفولارة التونسية) «والتقريطة» و«البخنوق» و«الملية» و«البشكير» والسفساري» وما الى ذلك، نعم للجبة التونسية والبلوزة والكدرون»(9)
لكن نجد من لم يرض بتمسك الدولة بقيم دينها الحنيف، حيث قال احدهم وهو يعلن رفضه للسفساري: «اعتقد ان التراجع امام خطاب الحجاب بما فيه عبر الدعوة الى بديل «السفساري» كجزء من تراثنا التقليدي، لكن مع قناعتنا انه لا ينسجم مع مقتضيات الحياة العصرية لامرأة تطمح للمشاركة في الحياة العامة عملا وتعليما يمثل انتكاسة في حق مكاسب التحديث»..(10)
* شيوخ الزيتونة والحجاب:
سأكتفي بنقل أجوبة المشائح الذين استفتاهم الطاهر الحداد قبل تأليف كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع سنة 1930.
* رأي شيوخ الزيتونة في الحجاب من خلال كتاب «امرأتنا في الشريعة» للحداد
السؤال رقم 12: ما الذي يجب ستره من بدنها عن الانظار صونا للاخلاق؟(11)
ـ جواب الشيخ الحطاب بوشناق (12): «أما ما يتعلق بالنظر اليها وسماع صوتها، فالمحرر ان الوجه ليس بعورة يحل النظر اليه لمن لا يخشى الافتتان، وقال القهستاني تمنع الشابة في عصرنا من كشف وجهها لانتشار الفساد. والحجاب ادعى الى العفة وآمن عليها ان تنظر اليها العين الفاجرة. واما صوتها قيل عورة وهو ضعيف، وانما العورة تمطيط الصوت وترقيقه بكيفية تستهوي الرجل.
ـ جواب الشيخ محمد العزيز جعيط (13): يجب بالنسبة للاجانب غير المحارم ستر جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين، ويجب عليها ستر الوجه ايضا اذا خشي منها الفتنة.
ـ جواب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (14): «ان الذي يجب ستره من المرأة الحرة هو ما بين السرة والركبة عن عين الزوج، وماعدا الوجه والاطراف عن المحارم، والمراد بالاطراف الذراع والشعر وما فوق النحر، ويجوز لها ان تظهر لابيها ما لا تظهره لغيره ماعدا العورة المغلظة، وكذلك لابنها، ولا يجب عليها ستر وجهها ولا كفيها عن احد من الناس.
ففي الموطأ قال مالك: لا بأس أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم على الوجه الذي يعرف للمرأة ان تأكل به، وهذا يقضتي ابداء وجهها ويديها للاجنبي، فوجه المرأة عند مالك وغيره من العلماء ليس بعورة، واستدلوا على هذا بقوله تعالى:
«قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم. وقوله: وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن».
وانما يستحب للمرأة ستر وجهها كما قال ابن عباس، ويحرم على الرجل النظر لوجه المرأة لريبة او قصد فاسد، واختلف في ستر قدميها على قولين.
وقد تفاوتت عصور المسلمين واقطارهم في كيفية ما ابيح لهم من احتجاب المرأة تفاوتا له مزيد مناسبة لاحوال الاداب والمعارف الغالبة في عامتهم وفي نسائهم. وله مزيد تأثر بالحوادث الحادثة من اعتداء اهل الدعارة والوقاحة على المحرمات، فيجب ان يكون حال الاداب والتربية في بلاد الاسلام هو مقياس هذه الاحكام.
وقال الشيخ الامام في الفتوى رقم: 76 من كتاب الفتاوى حول لبس الجلابيب
قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله عفوا رحيما»
جاء في التحرير والتنوير:
والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب اصغر من الرداء واكبر من الخمار والقناع، تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على ذراعيها وينسدل سائره على كتفها وظهرها، تلبسه عند الخروج والسفر، وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف احوال النساء تبينها العادات، والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى: «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين».
والادناء: التقريب، وهو كناية عن اللبس والوضع، اي يضعن عليهن جلابيبهن، وكان لبس الجلباب على شعار الحرائر، فكانت الاماء لا يلبسن الجلابيب، وكانت الحرائر يلبسن الجلابيب عند الخروج الى الزيارات ونحوها، فكن لا يلبسنها في الليل عند الخروج الى المناصع، وما كن يخرجن اليها الا ليلا، فأمرن بلبس الجلابيب في كل خروج، ليعرف انهن حرائر، فلا يتعرض اليهن شباب الدعار يحسبهن اماء، او يتعرض اليهن المنافقون استخفافا بهن بالاقوال التي تخجلهن فيتأذين من ذلك، وربما يسببن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين، فهذا من سد الذريعة.
والاشارة بـ«ذلك» الى الادناء المفهوم من «يدنين» أي ذلك اللباس اقرب الى تعرف انهن حرائر بشعار الحرائر، فيتجنب الرجال ايذاءهن فيسلموا ويسلمن، وكان عمر بن الخطاب مدة خلافته يمنع الاماء من التقنع كي لا يلتبسن بالحرائر، ويضرب من تتقنع منهن بالذرة ثم زال ذلك بعد.
«فتاوى الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور جمع وتحقيق د.محمد ابن ابراهيم بوزغيبة، ط: مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث دبي 2004، ص350 ـ 351»
ـ جواب الشيخ بلحسن النجار (15): يجب على المرأة ستر وجهها وسائر بدنها عن الاجانب منها بحيث لا تظهر منها الا عيناها.
قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما».
والجلباب هو ثوب اوسع من الخمار، وقيل هو الرداء، وادناؤه هو ان تلويه على وجهها حتى لا تظهر الا عين واحدة تبصر منها، وقيل لا تظهر الا عيناها.
وقوله تعالى: «وأدنى أن يعرفن فلا يؤذين» أي حتى يميزن بين الاماء اللاتي يمشين حاسرات.
ـ جواب الشيخ أحمد بيرم (16): يجب سترها كلها في وقت انتشر فيه الفساد، حتى الوجه والكفين، وتحديد العورة للحرة بكذا والامة بكذا منظور فيه لصحة الصلاة وبطلانها حال الانكشاف.
ـ جواب الشيخ عثمان ابن الخوجة (17):
الجواب عن السؤال (12) إن الذي نص عليه الفقهاء في فصل النظر واللمس من كتاب الكرهة والاستحسان هو ان الرجل لا ينظر الى غير وجه الحرة وكفيها، ومن خاف الفتنة فما عليه الا ان يغض بصره. قال تعالى:
«قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» الاية
هذا حكم المسألة من الوجهة الفقية واما تحليلها من حيث الاخلاق والآداب العامة وبيان المعاني التي اشارت اليها النصوص الواردة في هذا الغرض فان الافهام اضطربت في ذلك فمن ثم رأيت ان اجيب عن هذا السؤال من هذه الجهة ايضا بما فيه نوع تفصيل.
لا شك ان المرأة كالرجل لا فرق بينهما من حيث ان كلا منهما مضطر الى مد البصر واستنشاق الهواء، والتنقل من مكان الى اخر، والسفر لقضاء المآرب، او الاطلاع على صفات الكون وتنزيه النفس بشرط امن التعدي على كرامتها، وهذا القدر متفق عليه بين جميع العقلاء لا فرق بين من يدين بدين الاسلام وغيره وليس لنا دين من الاديان يجعل المرأة دون الرجل في شيء من ذلك.
لكن بما ان الدين الاسلامي جاء مؤيدا ومقررا لما اتفق عليه جميع العقلاء من اهل المدنيات وهو المحافظة على الآداب العامة والتباعد من هتك ستار الحياء اوجب على المرأة حال بروزها بين العموم ان تستر من جسدها ما يستلفت انظار الرجال اليها بوجه خاص ولا ضرورة تدعو الى كشفه، وذلك كالصدر والمعصم والساق وبالجملة ماعدا الوجه والكفين والقدمين، حيث لا ضرورة تدعو الى كشف غير ما ذكر وقد اتفق العقلاء من اهل المدنيات على ان كشف غير ما استثني مخل بالمحافظة على الاداب العامة ومن لم يكن من اهل الدين الاسلامي يعترف بأن ما يفعله المتبرجات من نسائهم انما هو من انواع التهتك وصنوف الخلاعة.
ثم لما كانت مبادئ الدين الاسلامي ما علم آنفا منع المرأة ايضا من ان تظهر بين العموم بادية الزينة متجملة بما تستميل به القلوب مثل تكحيل العينين وتزجيج الحواجب، واستعمال الطيب وما اشبه ذلك من مثيرات الشهوة الطبيعية. ولا يخفى ان ظهور المرأة بين الرجال بهذا المظهر لا يرتضيه اهل العقول السليمة لا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم فمن ثم كانت تعاليم الدين في هذا الغرض مؤيدة لما اتفق عليه العقلاء من اهل المدنيات.
ان تأييد الدين لما ذكر نزداد به يقينا بأنه ليس مقتصرا على التوحيد والعبادات، بل هو ملتفت نحو النظام الدنيوي الاجتماعي حاث على المحافظة على الاداب العامة بوجه خاص سالك مسلك التوسط، والاعتدال في جميع اجراءاته، فالمرأة مثلا لم يعطها حرية تبلغ بها حدّ التهتك والتبرج بين العموم ولم يسلب عنها حقوقها الحيوية بحيث يذرها موؤودة وهي بقيد الحياة. ولاشك ان هذا القدر يقبله جميع العقلاء بسعة صدر وكل اطمئنان.
ان ما ينسبونه الى الدين الاسلامي من ارهاق المرأة بستر وجها بين العموم تقول عليه وشرع لما لم يأذن به الله منشؤه اندفاع بعض من المفسرين والفقهاء وراء تأثير القوميات والاوساط التي ينشؤون بها حتى اعتقدوا ان ستر المرأة وجهها بين العموم من الواجبات الدينية، واخترعوا لهذه العادة المحضة اسما مفخما سموه بالحجاب ونسبوا بعض آي الكتاب اليه اذ يقولون كان كذا قبل نزول اية الحجاب، بحيث ان الواقف على هذه الكلمات ينتقش في نفسه ان ارهاق المرأة بستر وجهها مما نص عليه القرآن بالصراحة ولشدة ما انطبعت نفوسهم بتأثير العادات القومية اقتحموا تفسير آي الكتاب العزيز بوجوه طبق ما يزعمون فحرفوا الكلام عن مواضعه وارهقوا فصيح الآيات بما ارهقوا به وجوه الغانيات، فمن مقدر لمضاف لا يقتضيه نظم الكلام الى مخرج اللفظ عن مدلوله اللغوي وهكذا. فخبطوا خبط عشواء وركبوا متن عمياء والانكى من هذا ان سموا قتلهم للروح القرآني دينا ولكن سبق الوعد بحفظه وما قتلوه يقينا.
ثم لما كان من الامر ما علم وجب التعرض لبيان معاني الآيات التي ارهقت بما لا تطيقه قال تعالى:
«وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن».
الخمار لغة ثوب تضعه المرأة على رأسها كالعمامة بالنسبة للرجل، والجيب شق في اعلى القميص ينفتح على النحر، فمعنى الآية حينئذ امرهن وقت البروز بين العموم بستر نحورهن واعلى صدورهن لان كشف ما ذكر بين عموم الناس، زيادة على كونه لا تدعو اليه الضرورة، مخل بصون الاداب العامة ومستلفت انظار الرجال اليهن اوجه خاص. فمن فهم ان الخمار اسم لما يغطى به الوجه فقد اخطأ لان غطاء الوجه يسمى برقعا فلو اريد ستر الوجه لقيل وليضربن ببراقعهن على وجوههن.
«ولا يبدين زينتهن».
الزينة اجلى من ان تعرف والمرأة منهية عن ان تظهر بها بين العموم الا ما كان ظاهرا لا يستلفت النظر بوجه خاص مثل نعل جديد ورداء حرير، فان الشرع ارقى من ان يلزم المرأة عند البروز بلبس نعلن مرقوع ورداء رث، بل منعها من ابداء الزينة الخفية المستميلة للقلوب واستثنى من كان التزين عادة من اجله وهو البعل ومن في اخفاء الزينة عنه تحرير للمرأة بسبب ضرورة المساكنة او ارتباط المصالح وهو من عداه من المذكور في الآية فمن قدر مضافا في نظم الكلام وصير المعنى ولا يبدين محل زينتهن وهو الوجه وما شاكله فقد ابعد لان تقدير المضاف لا يلتجأ اليه الا عند الاضطرار لتصحيح المعنى او قيام قرينة تدل عليه. ولا يخفى انتفاء الامرين هنا ويا ليت شعري كيف يفعل في الزينة المذكورة في آخر الآية عند قوله تعالى ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فهل يقدر المضاف مرة اخرى ويقتحم التحريف وافساد المعنى او يبقيها على معناها ويمزق الاية حسبما يهواه.
«يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن».
الجلباب القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة او ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة او هو الخمار وايا ما كان فهو ليس اسما لما يغطى به الوجه خاصة وهو في الآية صالح لان يراد منه كل معانيه اذ سوق الاية للاعلام بأن المرأة مأمورة بادناء ثيابها من بدنها بحيث لا تنكشف اعطافها، وظاهر ان رخاء الثياب وتركها متباعدة عن البدن بحيث تبدو من خلالها اعطاف البدن ضربا من التبرج الممقوت عند كل العقلاء. فليس في الآية دلالة على اكثر من الحث على مراعاة الآداب واظهار العفاف وهو امر محمود عند العقلاء.
ومن المعلوم ان المرأة اذا تظاهرت بالعفة قل طمع اهل الفساد في اقتفاء اثرها وقصروا من اذايتها بفحش الكلام وهذا صريح بقية الآية:
«ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين».
«وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب».
سوق الآية للاعلام بأن من اراد سؤال شيء من ازواج النبي ليس له ان يلج عليهن في بيوتهن، اذ لا يخفى ان المرأة في بيتها قد تكون كاشفة عن شيء من بدنها او مشتغلة بتزيين وجهها او ما اشبه ذلك مما تفعله المرأة في خلوتها فيقبح بالرجل ان يلج عليها في حالة لا ترضى ان يراها الاجنبي ملتبسة بها، فامر الرجل اذا اراد سؤال متاع بأن يقف خلف الباب او الحائط او ما اشبه ذلك مما يكون حاجبا لها عنه حتى لا يخجلها. فالامر وان ورد في ازواج النبي غير مختص بهن لاطراد العامة كما لا يخفى فمن اراد ان يأخذ ستر الوجه بين العموم من هذه الاية فقد تكلف شططا، فقد ظهر مما تقدم بسطه ان ما هو جار بين بعض الناس من حمل المرأة على ستر وجهها بين العموم امر عادي محض وقومي صرف لا علاقة له بالدين اصلا ولا نقصد بهذا ان نحرض الناس على ترك عادتهم وتبديل قوميتهم كلا وانما الذي نقصده ان نحط عن كاهل الدين ما اثقلوه به غلطا واشتباها بسبب الاندفاع وراء التأثيرات القومية. ومن اغرب ما يسمع ان بعض الفقهاء بلغ به التطرف في هذا المقام حتى منع المرأة من الكلام بين العموم وادعى ان صوتها عورة يجب عليها ستره بين الناس ولو نظر في قوله تعالى:
«فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا».
لقصر من غلوائه وعلم ان النهي عن التليين والخضوع لان ذلك يستميل القلب اليها فنهيت عن ذلك وامرت بأن تسلك المسلك المتعارف بين الناس بحيث تكون بعيدة عن مظان الشبهات. قال تعالى: «وقلن قولا معروفا». وظاهر ان الامر هنا للاباحة، فالقرآن مصرح باباحة القول المعروف لهن، فالنص وان ورد في ازواج النبي، فالحكم بتناول غيرهن لاطراد العلة كما لا يخفى(18).
فالمجمع عليه عند الشيوخ الذين استفتاهم الطاهر الحداد هو ضرورة الستر، وان اعتمد البعض منهم على امكانية تغطية الوجه فان الارجح في هذه الازمان مثلما ألمع لذلك الشيخ ابن عاشور عدم الالتجاء لذلك والاكتفاء بتغطية الشعر دون الوجه والكفين.
* وفي سنة 1941 طرح السؤال على الشيخ محمد البشير النيفر(19) ضمن مجموع، وهذا نص السؤال:
«هل يجوز للمرأة المفاهمة مع رجل أجنبي عنها في أمر من الامور مكشوفة»؟
وكان جوابه كالتالي: يتلخص الكلام في الجواب عن هذا السؤال في نقطتين:
1 ـ كشف المرأة وجهها لأجنبي غير محرم
2 ـ وحديثها معه
اما كشف المرأة وجهها ومثله كفاها فحرام عليها مع خوف الفتنة او قصد اللذة، ويجب عليها والحالة ما ذكر ستر وجهها وكفيها، وما ذكرنا من الوجوب هو الذي لابن مرزوق القائل: انه مشهور المذهب. ونقل الحطاب عن القاضي عبد الوهاب الوجوب ايضا، ومقابله ان ذلك لا يجب عليها، ولكن على الرجل غض بصره، نقل هذا كله الشيخ البناتي في حواشيه على الزرقاني في بحث ستر العورة.
والمراد من الاجنبي، الاجنبي المسلم واما غيره فعورة المسلمة معه جميع بدنها، فيجب عليها ستره كله ولو مع عدم خوف الفتنة او قصد اللذة.. ثم تحدث الشيخ البشير النيفر عن صوت المرأة فبين ان حديثها للتعليم والبيع والشراء ونحوهما جائز..(20)
وبعد اربع سنوات اي في سنة 1945 طلب من الشيخ محمد القروي(21) أن يلقي محاضرة بعنوان:
* السفور والحجاب» ونظرا لطولها وغزارة علمها والمقارنة بين اراء المفسرين والفقهاء فيها، نشرتها المجلة الزيتونية في عدة حلقات (22)، جاء في مقدمة المحاضرة قول الشيخ محمد القروي:
«.. لقد انتدبني رئيس جمعيتكم صديقي الحقوقي الاستاذ الطيب غشام للقيام بمسامرة يكون موضوعها الحجاب والسفور، فترددت في اجابته وبقيت اقدم رجلا وأؤخر أخرى، لان موضوعا كهذا ليس بسهل التناول، اذ ترتبط به كثير من الشؤون الدينية الخلقية، وله اثر بيّن في الهيئة الاجتماعية، فهو امر هام قد تداولته الافكار قديما وحديثا، ومسألة خطيرة قد بسطت ووضعت تحت محك الانظار منذ زمن طويل، بل قد أفردت بالتأليف، واهتم بها المتأخرون اهتماما لم يحظ به غيرها من المسائل التالد منها والطريف.
والحق يقال انها اعظم واهم من ان تكون موضوع مسامرة، وذلك لتشعبها وكثرة فروعها وغزارة مادتها وصعوبة مرامها وخطورة شأنها، وتحرج موقف المتكلم فيها، واي موقف احرج واخطر من موقف رجل يقرر حقائق ويبدي اراء امام فريقين، اتجه احدهما الى التغالي المفرط في امر الحجاب، وسلك الى ذلك سبيلا لا يوافق عليه حديث صحيح ولا يرشد اليه نص صريح من أي كتاب.
والآخر أباح السفور بدون قيد ورغب فيه، وقام حاثا عليه بكيفية تؤدي الى الفساد العاجل والعقاب الآجل، وتؤذن باضمحلال مكارم الاخلاق وتقوض صروح الفضيلة والانحطاط بها الى الدرك الاسفل من انواع الرذيلة، ولم يكن بين هذين الفريقين من تحلى بحلة التوسط والاعتدال، الا نفر قليل، فهؤلاء في رأيي هم الذين تحروا رشدا وسلكوا الى الغاية المطلوبة طريق الهدى..
* (أقول فحلة التوسط التي نادى بها الشيخ محمد القروي طيب الله ثراه منذ الاربعينات، هي التي دأبت عليها بلادنا وأمرت بالتوسط في اللباس والتمسك بالاصالة التونسية دون افراط ووضع البرقع مع الخمار والنقاب مع الحجاب، ودون تفريط والتفسخ والانحلال).
ثم قدم الشيخ القروي تعريف الحجاب، وافاض القول في مسألة النظر وفي قضية غض البصر، ونقل شروح بعض المفسرين المتأخرين كالالوسي والغلاييني وقارن بينها، واهتدى الى جواز ابداء الوجه والكفين وستر كامل البدن..
* الحجاب من نواميس العمران: في نفس السنة ـ اي في سنة 1945 ـ ينشر الشيخ محمد الناصر الصدام(23) بحثا مطولا في المجلة الزيتونية، عنوانه: «الحجاب من نواميس العمران واسباب التناسل(24) ومما ورد في دراسته قوله: «.. ان السبب في تفاضل الامم الاسلامية في التمسك بالحجاب تابع لتفاضلهم في التخلق بخلق الحياء، فان الامة اذا لقنت ذلك في تربيتها الاولى وارتكزت عليه اصول تعاليمها بالغت في التحفظ بالحجاب والوصاية به، فلن يضرها دعاة السفور على وفرتهم وتزيينهم سوء عملهم».. الى ان قال ـ.. «ذلك ان علماء الشريعة مجمعون على ان وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، كما انهم مجمعون على وجوب ستر الوجه عند خوف الفتنة وتوقعها..
ثم قام الشيخ الصدام بشرح آية الحجاب شرحا مستفيضا شفعه بأبيات شعرية كثيرة..
* فتوى الشيخ محمد المهيري الصفاقسي (25): سئل الشيخ المهيري حول حكم كشف المرأة لصدرها وعضديها امام اقاربها، فأجاب: اعلم ان المرأة لا يجوز لها ان يرى منها الاجنبي غير الوجه والكفين، وهذا مثل اخي زوجها، ومثل المرأة مع خال زوجها، ومثلها مع عمه وابن عمه وبقية اقاربه عدا والده، ولا يخلون بها وذلك الموت الاحمر. ويرى منها محارمها الوجه والاطراف، فيحرم النظر الى صدرها، وانما يرون منها ما فوق المنحر والقدمين والذراعين.
اذا علمنا هذا الخلق الجميل الذي دعت اليه الشريعة، فكيف يحل للانسان ان يترك زوجته ينكشف منها ما امره الله بستره، والحال انها زوجة له لا لغيره، فماذا يقصد بابداء زينة زوجه لسواه؟ أفلا توجد فيه غيرة دينية، وعلى الاقل حتى حمية؟ ان الحيوان يغار على انثاه ان يدنو منها سواه، والنظر هو نوع من التلذذ..
وللتوضيح فان الشيخ المهيري من الشيوخ الذين اوجدوا سندا فقهيا للفصول الواردة في مجلة الاحوال الشخصية، والتي اوقعت جدلا علميا بين الفقهاء عند صدورها.
* فتوى الشيخ محمد الهادي ابن القاضي: من الفتاوى الصادرة بعد استقلال البلاد فتوى مفتي الجمهورية في السبعينات الشيخ محمد الهادي ابن القاضي(26) الذي ورد عليه السؤال التالي: «أنا فتاة كثيرة التساؤل اعرف اشياء عامة عن ديني.. ولكني مع الاسف أرى من واقع مجتمعي اشياء مخالفة لواقع ديني، ثم نقلت آية النور، واضافت هل هذا امر ونص ثابت بتحريم ابداء زينة المرأة او وجهها او جسمها لأولي الاربة؟ نرى في المجتمعات العربية بصفة عامة ان النساء يخرجن مكشوفات، فهل هذا حرام؟ ارجو ان تجيبوني بأكثر دقة ممكنة، وتنبئوني كيف يمكن التوفيق بين الدين والعصر (سوسة).
قال الشيخ ابن القاضي: «لا يجوز للمرأة ان تكشف عما سوى الوجه والكفين خوف الفتنة الا لضرورة، كالكشف عن موضع المرض للطبيب المعالج، الذي يتوقف العلاج منه على مشاهدة العضو المصاب بالمرض او غيره من جسم المريض، لتوقف العلاج عليه، وما جاز للضرورة يقدر بقدرها، وانما جاز الكشف والنظر الى الوجه والكفين من المرأة دون ما سواهما، لقوله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها». قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: والمراد بما ظهر منها في الآية موضعهما، وهو الوجه واليدان لانهما يبدوان منها عند الخروج لقضاء حاجتها في السوق، ومنعها من الخروج للسوق لقضاء ضرورياتها فيه حرج عليها، والحرج مدفوع بالنص.
فالآية المذكورة نص على وجوب ستر المرأة ماعدا الوجه والكفين، وألحق بهما أبوحنيفة القدمين. واما ما سوى ذلك من اعضائها كالصدر والذراعين، فلا يجوز لها كشفه للاجانب الا لضرورة كما بيناه سابقا، وكون ذلك مخالفا لم يقتضيه حال العصر فهذا لا تأثير له على الحكم الشرعي، الذي ينبغي ان يكون المرجع فيه الى الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وما كان عليه سلف هذه الامة، لمن كان يرجو الله واليوم الاخر(27).
* فتويان للشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة: ورد للشيخ ابن الخوجة السؤال التالي: «هل السروال محرم ام جائز لباسه للمرأة في الصلاة وفي لباسها العادي؟ فأجاب: «ان كلمة السروال ويقال له لغة «السراويل» تطلق على نوعين: نوع واسع لا يحصر البدن وهو جائز بلا كراهة في الصلاة وغيرها. ونوع يحصر البعض من اجزاء البدن ولكنه يستر البدن سترا كافيا شرعا، وهذا النوع تصح به الصلاة مع قول بعضهم بكراهة ذلك. أما لباسه عادة فينكره بعضهم بدعوى انه من التبرج المغري، ولكن لا نعلم نصا شرعيا يحرمه مادام البدن مستورا، وتحريم امر بمجرد اجتهاد بعضهم لا يفتى به الا بدليل شرعي(28).
ـ وسئل الشيخ محمد الحبيب بلخوجة مفتي الجمهورية في سنة 1984 قيل له: من المعلوم من الدين ان جسد المرأة كله عورة ماعدا وجهها وكفيها، هذا في الصلاة ولكن هل يجوز لها ان تعمل وتنشط وتمشي في الاسواق مستورة البدن باستثناء وجهها وكفيها ام لا؟
ـ الجواب: يجوز للمرأة ان تعمل وتنشط وتمشي في الاسواق مستورة البدن غير الوجه والكفين، ومها لا يدل على تبرج ممنوع روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أذن الله لكنّ أن تخرجن لحوائجكن»(29).
* الخاتمة: الآن وقد تحصحص الحق، فان فتاوى وآراء شيوخ الزيتونة طيلة كامل القرن العشرين تطالب بستر المرأة ماعدا الوجه والكفين وبتنقلها للشغل والتجارة وغيرها دون ان تحدد الكيفية، والسلطة الحالية لم تخالف ذلك، ولكنها فضلت ارتداء الكيفية التونسية التقليدية المحتشمة فلا تناقض ولا تنافر والله الهادي الى سواء السبيل.
***
الهوامش
1) راجع كتب اللغة: مادة خمر
2) مثلا: النووي الشافعي: المجموع: 171/1 ـ حاشية الصعيدي المالكي: 137/1
3) الموّاق: جواهر الاكليل على مختصر خليل: 52/1
4) ابن منظور: لسان العرب: مادة نقب + مادة وصوص
5) ألفيّومي: المصباح المنير: مادة برقع
6) راجع من التفاسير المالكية مثلا: تفسير يحيى بن سلام: 440/1 وما بعدها ـ أحكام القرآن لابن العربي: 1366/3 وما بعدها. و1573 وما بعدها ـ اضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي: 126/6 وما بعدها و383 وما بعدها
7) أبوالعباس القباب: مختصر كتاب النظر في احكام النظر بحاسة البصر: تحقيق الدكتور محمد أبو الاجفان: 131 ـ 134: مكتبة التوبة
أبوجيب: سعدي: موسوعة الاجماع في الفقه الاسلامي: دار الفكر
9) جريدة الصباح 2006/10/14
10) جريدة الصباح: 2006/10/19 دون تعليق
11) الحداد: الطاهر: كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع: 92 وما بعدها: الدار التونسية للنشر 1977
12) الشيخ محمد الحطاب بوشناق من فقهاء الحنفية المتأخرين (1984) له بعض الفتاوى والدراسات المنشورة بالمجلة الزيتونية: راجع مجلة الهداية: س11 ع6: 1984
13) الشيخ محمد العزيز جعيط: شيخ الاسلام المالكي ووزير العدل التونسي ومفتي الديار التونسية (1970) لقد تخصصت في شخصيته: راجع كتابي: فتاوى شيخ الاسلام في تونس محمد العزيز جعيط واجتهاداته وترجيحاته: دار بن حزم بيروت: 2005
14) الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور شيخ الجامع الاعظم وفروعه (1973) له تآليف علمية كثيرة وهو مفخرة العالم الاسلامي في القرن العشرين: راجع فتاوى الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور: جمع وتحقيق صاحب هذه الورقة: طبع دبي 2004
15) أبومحمد بلحسن بن محمد النجار من كبار فقهاء المالكية بتونس (1953): مخلوف: محمد: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: 429 رقم 1691
16) الشيخ أحمد بيرم شيخ الاسلام الحنفي وابن العلامة محمد بيرم الخامس (1935): الجحوي: محمد الثعالبي: الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي: 202/2
17) الفقيه المربي الحنفي عثمان ابن الخوجة (1933) راجع جريدة الزهرة عدد 8279: 1934
18) امرأتنا في الشريعة والمجتمع: 92 ـ 100
19) الفقيه المالكي محمد البشير النيفر له بعض الكتب المطبوعة (1974): مقدمة كتابه نبراس المرشدين: 5
20) المجلة الزيتونية ج7م4: 1941
21) العلامة الشيخ محمد القروي قاضي سوسة في الاربعينات والخمسينات ومن الشيوخ الذين قننوا مجلة الاحوال الشخصية عند استقلال البلاد.
22) راجع المجلة الزيتونية: المجلدان 6 ـ 7: 1945
23) الشيخ محمد الناصر الصدام شاعر وفقيه حنفي (1956): راجع مجلة الندوة س4 ع3: 1956
24) المجلة الزيتونية م6 ج1: 1945
25) الشيخ محمد المهيري باش مفتي صفاقس في الاربعينات (1973) راجع كتاب: فتاوى الشيخ محمد المهيري الصفاقسي: جمع وتحقيق الاستاذ حامد المهيري والدكتور محمد بوزغيبة س2002 ص199
26) الشيخ محمد الهادي ابن القاضي (1979) مفتي الجمهورية التونسية الثالث بعد الاستقلال، ومن مؤسسي المجلة الزيتونية، راجع الهداية س7 ع1: 1979
27) مجلة الهداية س2 عدد 3: 1975
28) مجلة الهداية س10 عدد 1: 1982
29) مجلة الهداية س11 عدد 3: 1984
الآن، وبعد ان تجاوز الامر حده، واصبحنا نسمع كلاما يجانب الصواب وينال من هيبة دولة مسلمة، كان لها شرف نشر الدين الاسلامي عموما والمذهب المالكي خصوصا في كامل القارة الافريقية وفي غرب أوروبا وجنوبها. وكان لها السبق في عدة علوم شرعية، وهذا افراط من بعض الاصوات والاقلام التي تهجمت على تونس دون موضوعية.
وبعد قراءة أطروحات بعض الباحثين التونسيين غير المتخصصين في الفقه الاسلامي، الذين استغلوا طرح السلطة المعتدل في مسألة الحجاب، الذي نادى بستر المرأة بناء على ماقالته شريعتنا الاسلامية الغراء، وهو معلوم من الدين بالضرورة، وذلك باستعمال اللباس التونسي التقليدي الذي استعملته امهاتنا وجداتنا منذ عدة قرون، وتهجموا على الحجاب عموما وعلى الستر والحياء والحشمة خصوصا.
أقول لهؤلاء وأولئك اقرؤوا آراء وفتاوى شيوخ الزيتونة القدامى والمتأخرين في موضوع الحجاب، وترفعوا عن السباب ولا تنسوا ان تونس متمسكة بالدين الاسلامي كهوية ومعتقد لا يقبل اي تونسي النيل منها، واتركوا الاختصاص لاهله وذويه.
* قيمة التخصص:
لماذا لا يتكلم عن الجراحة الا الطبيب المختص، ولماذا لا يتكلم عن التكنولوجيا الا المهندس والخبير والتقني المختص فيها، في حين يتكلم الجميع في التشريع الاسلامي، ويفسر الجميع كلام العزيز الرحمان على هواه، او ينتقي بعض الشوارد ويجمع الشتات ويلفق اراء الاقدمين على مزاجه لاطماع ثمنها بخس ولحسابات ضيقة الافق.
لقد تدخل المتفيقهون والوصوليون فحادوا عن الموضوعية وتفرقت بهم السبل، فتفاوتت اسهاماتهم بين ناقد للنص الشرعي عن جهل، وبين متبرم من النص الشرعي ومستخف به، لكنه متقنع بلباس الايمان والله يعلم ما تخفيه الصدور. أصبحنا باسم الحداثة نقرأ لمن يتهجم على عمر الفاروق وعلى عائشة ام المؤمنين اول فقيهة في الاسلام، ومن يتشدق بنكران القبور والبعث والنشور، ومن يستهزئ من الصحابة ويتهمهم بجمع السبايا والاسيرات عند الغزوات لمآرب شهوانية خاصة، وقد وصل الامر الى النيل من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم من كتاب الله العزيز دستور المسلمين..
وفي قضية الساعة، أصبحنا نقرأ لمن يدعي ان الحجاب خاص بالمومسات لكي لا يعرفن عند مغادرتهن دور الخناء والدعارة، ونقرأ لمن يعتبر ان الحجاب لا يخص الا الحرائر قديما أما الاماء فلم يطالبن بذلك، وهب أن الحجاب خاص بالحرائر في صدر الاسلام، أنرضى بأن تكون نساؤنا وبناتنا وامهاتنا اماء وجواري وعبيد او حرائر يرتدين لباس الحشمة والوقار، ونقرأ لمن لم يرض بموقف السلطة المتمسك بالحشمة والستر والرافض للعراء وللباس الخليع بدعوى ان زمن غض البصر وزمن الشهوات قد ولى، وان التبرج واللباس الخليع وكثرة المساحيق هو رمز التقدم، متغاض عن الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ولا تبديل لخلق الله.
وهناك من اعتبر ان الايات 31 من سورة النور و59 من سورة الاحزاب الخاصة بالحجاب، لم ترتق الى الوجوب الشرعي..
مقالات نشرتها الصحف التونسية باللغتين العربية والفرنسية وأقاويل بثتها بعض الهوائيات ان الدولة التونسية تتمسك بالحجاب كستر وتطالب بالبديل التونسي لتكريس ذلكم الستر، والدليل على ذلك هو اليوم الوطني للباس التقليدي الذي يقصد من خلاله المحافظة على لباس المرأة التونسية المحتشم.
لتوضيح هذه الاشكاليات سأبدأ بتقديم نبذة موجزة عن السبق التونسي في العلوم الشرعية، ثم الوقوف عند مصطلح الحجاب وتعريفه وتوضيح الكلمات المرادفة له، ثم توضيح قضية الحجاب وتقديم اراء شيوخ الزيتونة..
* السبق التونسي: المسألة المجمع عليها والواضحة في رابعة النهار، والتي لا يختلف فيها اثنان ولا يتناطح حولها عنزان ان تونس افريقية اقتنعت بالاسلام دينا منذ زمن الخلفاء الراشدين وتحملت عبء نشر رسالته شرقا وغربا.
فتونس سميت بذلك لانها تؤنس من يأتيها ضيفا، لقد وهبت اسمها الاصلي «افريقية» الى القارة التي هي جزء منها فمن الاراضي التونسية أسلم المغرب العربي والاندلس وصقلية وجنوب الصحراء الافريقية.
ومن الجامعات الاسلامية التونسية الاولى «عقبة القيروان» و«جامع الزيتونة المعمور» اخذ ضيوف تونس العلوم الشرعية من ابنائها.
ومن تونس انتشر المذهب المالكي في الغرب الاسلامي، وان مصادر المذهب المالكي تونسية الاصل.
ـ المدونة للامام سحنون وتهذيبها للبراذعي
ـ الرسالة لعبد الله بن أبي زيد القيرواني
ـ مختصر خليل المصري الذي ألفه باعتماده على ثلاثة علماء من تونس ذكرهم في مقدمة المختصر وهم: أبو الحسن اللخمي والامام محمد المازري وعبد الحق الصقلي.
ان المعول عند المالكية على هذه المصادر التونسية فتونس أنجبت احمد بن الجزار مؤسس الصيدلة، وعبد الرحمان بن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وان افضل كتاب في علم اللغة هو «لسان العرب» لجمال الدين بن منظور القفصي..
وتواصل السبق التونسي الى الفترة الاصلاحية، حيث نجد ان اول تقنين للفقه الاسلامي في العالم هو «قانون الجنايات والاحكام العرفية» الصادر سنة 1861 الذي جاء قبل «مجلة الاحكام العدلية» التي طبقت احكامها في الدول الاسلامية بـ15 سنة لان المجلة ظهرت سنة 1876.
وفي علوم القرآن مثلا فان اقدم تفسير في العالم هو تفسير يحيى بن سلام (200هـ) وان افضل تفسير متكامل في هذه الازمان هو «التحرير والتنوير» للامام العلامة مبتكر علم مقاصد الشريعة محمد الطاهر ابن عاشور..
ذكرت نماذج من السبق التونسي في العلوم الشرعية لاثبت بدليل ساطع وبرهان قاطع مدى تجذر هذه الارض المضيافة في الشريعة الاسلامية، اقول ذلك بهدوء واتزان لمن يبحث عن النيل منها من الخارج، ولمن يصطاد في الماء العكر ويبحث عن تمفصلها عن جذورها الشرعية من الداخل بدعوى حرية الفكر والتأويل..
* مصطلح الحجاب:
وردت كلمة الحجاب في القرآن الكريم في ثمانية مواضع وهي (الاعراف: 46 ـ الاسراء: 45 ـ مريم: 17 ـ الأحزاب: 53 ـ ص: 32 ـ فصّلت: 5 ـ الشورى: 51 ـ المطففين: 15). ولقد ورد جميعها بمعنى الستر والمنع.
كما استعمل الحجاب في علم المواريث، والقصد منه منع بعض الورثة من الميراث عند وجود من هم اولى واقرب من الميت.
فالحجاب لغة الستر والحاجز والحيلولة، ولقد استعمله علماء اللغة في عدة معان، فقيل العجز حجاب بين الانسان وربه، والمعصية حجاب بين العبد وربه..
ومن الالفاظ ذات الصلة بالحجاب: الخمار ـ النقاب.. القناع ـ البرقع..
* الخمار: اصله الستر، فكل ما يستر شيئا فهو خماره، قال صلى الله عليه وسلم: «خمرّوا آنيتكم» (أخرجه الشيخان). وغلب في التعارف ان الخمار اسم لما تغطي به المرأة رأسها(1) ويعرّف الفقهاء الخمار بأنه ما يستر الرأس والصدغين او العنق(2) وعندهم ان الحجاب ساتر عام لجسم المرأة، اما الخمار فهو في الجملة ما تستر به المرأة رأسها.
* القناع: هو ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها، ويطلق بعض الفقهاء القناع على الثوب الذي يلقيه الرجل على كتفه ويغطي به رأسه، ويرد طرفه على كتفه الآخر(3) فالقناع أعم واشمل من الستر في الخمار، او هو يخالفه عند بعض الفقهاء.
* النقاب: جاء في لسان العرب بأن النقاب هو القناع على مارن الانف. ثم يقول ابن منظور: النقاب على وجوه
قال الفراء: اذا أدنت المرأة النقاب الى عينيها فتلك الوصوصة، فان انزلته دون ذلك الى المحجر فهو النقاب، فان كان على طرف الانف فهو اللفام (اي اللثام).
قال ابن منظور: الوصواص البرقع الصغير(4)
قال الفقهاء كل من الخمار والنقاب يغطى به جزء من الجسم: الخمار يغطى به الرأس والنقاب يغطى به الوجه. والفرق بين الحجاب والنقاب ان الحجاب ساتر عام، اما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط.
* البرقع: ما تستر به المرأة وجهها(5)
ولقد وردت مسألة الحجاب والخمار الخاص بالمرأة في الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الاحزاب، ولقد اجمع الفقهاء والمفسرون على ان المرأة مطالبة بستر ماعدا الوجه والكفين.
* اجماع الفقهاء: جاء في مختصر كتاب «النظر في احكام النظر في المسألة رقم 27: ان الوجه والكفين والقدمين هل يجوز للمرأة ابداؤها او لا يجوز اعني للاجانب؟ وهو موضوع الخلاف، فنقل عن ابن مسعود رضي الله عنه ان المرأة لا تبدي وجهها ولا غيره، وللشافعية قولان في جواز النظر الى الاجنبية احدهما المنع وهو الاشهر، والآخر الاجازة ما لم يخف الفتنة وقول ثان انه يجوز ابداء وجهها دون كفيها، يروى عن ابن جبير والحسن البصري.
وقول ثالث انه يجوز لها ابداء وجهها وكفيها، يروى عن ابن عباس وابن عمر وانس بن مالك وعائشة وابي هريرة وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وابوثور، وكلهم يقولون: تغطي في الصلاة جسدها الا الوجه والكفين(7).
وجاء في موسوعة الاجماع في الفقه الاسلامي ما يلي:
ـ المسألة عدد 2971: حدّ عورة المرأة: اتفقوا على ان شعر الحرة وجسمها وحاشا وجهها وكفيها عورة.
ـ المسألة عدد 2972: على من فرض حجاب الوجه والكفين: لا خلاف في ان فرض الحجاب في الوجه والكفين ما اختصت به نساء النبي صلى الله عليه وسلم وان كن مستترات الا مادعت اليه ضرورة.
ـ المسألة عدد 2252: وجه المرأة وشعرها في الصلاة: اجمعوا ان على المرأة ان تكشف وجهها في الصلاة ولو رآه الغرباء، وقد اجمع اهل العلم على ان المرأة الحرة تخمر رأسها اذا صلت.
ـ المسألة عدد 94: ما تلبسه المرأة المحرمة في الحج: اجمعوا على ان المرأة تلبس المخيط كله، وان لها ان تغطي رأسها وتستر شعرها الا وجهها، وقد اجمع الكل على ان لها ان تغطي اذنيها ظاهرهما وباطنهما ولا تلبس القفازين..(
* المقاربة التونسية: لم تشذ البلاد التونسية عما قاله الفقهاء، فما تقدم به رئيس الجمهورية ووضحه الناطق الرسمي باسمه وحلله وزير الشؤون الدينية هو الحفاظ على احتشام المرأة وستر وعدم ابداء مفاتنها بلباس خليع، فقط يتم ذلك بلباس تونسي لان الفقهاء تحدثوا عن الستر ولم ينظروا البتة الى نوعية اللباس لان عرف البلاد هو الفيصل بناء على القاعدة الاصولية: «العادة محكمة».
اذا هناك لباس تقليدي تونسي، اصرت السلطة على الذود عنه والتمسك به، لانه يكرس الهوية والمواطنة. جاء في كلمة وزير الشؤون الدينية لجريدة «الصباح: «نعم لأزيائنا التونسية المحتشمة الريفية والحضرية مثل «المحرمة» (الفولارة التونسية) «والتقريطة» و«البخنوق» و«الملية» و«البشكير» والسفساري» وما الى ذلك، نعم للجبة التونسية والبلوزة والكدرون»(9)
لكن نجد من لم يرض بتمسك الدولة بقيم دينها الحنيف، حيث قال احدهم وهو يعلن رفضه للسفساري: «اعتقد ان التراجع امام خطاب الحجاب بما فيه عبر الدعوة الى بديل «السفساري» كجزء من تراثنا التقليدي، لكن مع قناعتنا انه لا ينسجم مع مقتضيات الحياة العصرية لامرأة تطمح للمشاركة في الحياة العامة عملا وتعليما يمثل انتكاسة في حق مكاسب التحديث»..(10)
* شيوخ الزيتونة والحجاب:
سأكتفي بنقل أجوبة المشائح الذين استفتاهم الطاهر الحداد قبل تأليف كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع سنة 1930.
* رأي شيوخ الزيتونة في الحجاب من خلال كتاب «امرأتنا في الشريعة» للحداد
السؤال رقم 12: ما الذي يجب ستره من بدنها عن الانظار صونا للاخلاق؟(11)
ـ جواب الشيخ الحطاب بوشناق (12): «أما ما يتعلق بالنظر اليها وسماع صوتها، فالمحرر ان الوجه ليس بعورة يحل النظر اليه لمن لا يخشى الافتتان، وقال القهستاني تمنع الشابة في عصرنا من كشف وجهها لانتشار الفساد. والحجاب ادعى الى العفة وآمن عليها ان تنظر اليها العين الفاجرة. واما صوتها قيل عورة وهو ضعيف، وانما العورة تمطيط الصوت وترقيقه بكيفية تستهوي الرجل.
ـ جواب الشيخ محمد العزيز جعيط (13): يجب بالنسبة للاجانب غير المحارم ستر جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين، ويجب عليها ستر الوجه ايضا اذا خشي منها الفتنة.
ـ جواب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (14): «ان الذي يجب ستره من المرأة الحرة هو ما بين السرة والركبة عن عين الزوج، وماعدا الوجه والاطراف عن المحارم، والمراد بالاطراف الذراع والشعر وما فوق النحر، ويجوز لها ان تظهر لابيها ما لا تظهره لغيره ماعدا العورة المغلظة، وكذلك لابنها، ولا يجب عليها ستر وجهها ولا كفيها عن احد من الناس.
ففي الموطأ قال مالك: لا بأس أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم على الوجه الذي يعرف للمرأة ان تأكل به، وهذا يقضتي ابداء وجهها ويديها للاجنبي، فوجه المرأة عند مالك وغيره من العلماء ليس بعورة، واستدلوا على هذا بقوله تعالى:
«قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم. وقوله: وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن».
وانما يستحب للمرأة ستر وجهها كما قال ابن عباس، ويحرم على الرجل النظر لوجه المرأة لريبة او قصد فاسد، واختلف في ستر قدميها على قولين.
وقد تفاوتت عصور المسلمين واقطارهم في كيفية ما ابيح لهم من احتجاب المرأة تفاوتا له مزيد مناسبة لاحوال الاداب والمعارف الغالبة في عامتهم وفي نسائهم. وله مزيد تأثر بالحوادث الحادثة من اعتداء اهل الدعارة والوقاحة على المحرمات، فيجب ان يكون حال الاداب والتربية في بلاد الاسلام هو مقياس هذه الاحكام.
وقال الشيخ الامام في الفتوى رقم: 76 من كتاب الفتاوى حول لبس الجلابيب
قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله عفوا رحيما»
جاء في التحرير والتنوير:
والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب اصغر من الرداء واكبر من الخمار والقناع، تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على ذراعيها وينسدل سائره على كتفها وظهرها، تلبسه عند الخروج والسفر، وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف احوال النساء تبينها العادات، والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى: «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين».
والادناء: التقريب، وهو كناية عن اللبس والوضع، اي يضعن عليهن جلابيبهن، وكان لبس الجلباب على شعار الحرائر، فكانت الاماء لا يلبسن الجلابيب، وكانت الحرائر يلبسن الجلابيب عند الخروج الى الزيارات ونحوها، فكن لا يلبسنها في الليل عند الخروج الى المناصع، وما كن يخرجن اليها الا ليلا، فأمرن بلبس الجلابيب في كل خروج، ليعرف انهن حرائر، فلا يتعرض اليهن شباب الدعار يحسبهن اماء، او يتعرض اليهن المنافقون استخفافا بهن بالاقوال التي تخجلهن فيتأذين من ذلك، وربما يسببن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين، فهذا من سد الذريعة.
والاشارة بـ«ذلك» الى الادناء المفهوم من «يدنين» أي ذلك اللباس اقرب الى تعرف انهن حرائر بشعار الحرائر، فيتجنب الرجال ايذاءهن فيسلموا ويسلمن، وكان عمر بن الخطاب مدة خلافته يمنع الاماء من التقنع كي لا يلتبسن بالحرائر، ويضرب من تتقنع منهن بالذرة ثم زال ذلك بعد.
«فتاوى الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور جمع وتحقيق د.محمد ابن ابراهيم بوزغيبة، ط: مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث دبي 2004، ص350 ـ 351»
ـ جواب الشيخ بلحسن النجار (15): يجب على المرأة ستر وجهها وسائر بدنها عن الاجانب منها بحيث لا تظهر منها الا عيناها.
قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما».
والجلباب هو ثوب اوسع من الخمار، وقيل هو الرداء، وادناؤه هو ان تلويه على وجهها حتى لا تظهر الا عين واحدة تبصر منها، وقيل لا تظهر الا عيناها.
وقوله تعالى: «وأدنى أن يعرفن فلا يؤذين» أي حتى يميزن بين الاماء اللاتي يمشين حاسرات.
ـ جواب الشيخ أحمد بيرم (16): يجب سترها كلها في وقت انتشر فيه الفساد، حتى الوجه والكفين، وتحديد العورة للحرة بكذا والامة بكذا منظور فيه لصحة الصلاة وبطلانها حال الانكشاف.
ـ جواب الشيخ عثمان ابن الخوجة (17):
الجواب عن السؤال (12) إن الذي نص عليه الفقهاء في فصل النظر واللمس من كتاب الكرهة والاستحسان هو ان الرجل لا ينظر الى غير وجه الحرة وكفيها، ومن خاف الفتنة فما عليه الا ان يغض بصره. قال تعالى:
«قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» الاية
هذا حكم المسألة من الوجهة الفقية واما تحليلها من حيث الاخلاق والآداب العامة وبيان المعاني التي اشارت اليها النصوص الواردة في هذا الغرض فان الافهام اضطربت في ذلك فمن ثم رأيت ان اجيب عن هذا السؤال من هذه الجهة ايضا بما فيه نوع تفصيل.
لا شك ان المرأة كالرجل لا فرق بينهما من حيث ان كلا منهما مضطر الى مد البصر واستنشاق الهواء، والتنقل من مكان الى اخر، والسفر لقضاء المآرب، او الاطلاع على صفات الكون وتنزيه النفس بشرط امن التعدي على كرامتها، وهذا القدر متفق عليه بين جميع العقلاء لا فرق بين من يدين بدين الاسلام وغيره وليس لنا دين من الاديان يجعل المرأة دون الرجل في شيء من ذلك.
لكن بما ان الدين الاسلامي جاء مؤيدا ومقررا لما اتفق عليه جميع العقلاء من اهل المدنيات وهو المحافظة على الآداب العامة والتباعد من هتك ستار الحياء اوجب على المرأة حال بروزها بين العموم ان تستر من جسدها ما يستلفت انظار الرجال اليها بوجه خاص ولا ضرورة تدعو الى كشفه، وذلك كالصدر والمعصم والساق وبالجملة ماعدا الوجه والكفين والقدمين، حيث لا ضرورة تدعو الى كشف غير ما ذكر وقد اتفق العقلاء من اهل المدنيات على ان كشف غير ما استثني مخل بالمحافظة على الاداب العامة ومن لم يكن من اهل الدين الاسلامي يعترف بأن ما يفعله المتبرجات من نسائهم انما هو من انواع التهتك وصنوف الخلاعة.
ثم لما كانت مبادئ الدين الاسلامي ما علم آنفا منع المرأة ايضا من ان تظهر بين العموم بادية الزينة متجملة بما تستميل به القلوب مثل تكحيل العينين وتزجيج الحواجب، واستعمال الطيب وما اشبه ذلك من مثيرات الشهوة الطبيعية. ولا يخفى ان ظهور المرأة بين الرجال بهذا المظهر لا يرتضيه اهل العقول السليمة لا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم فمن ثم كانت تعاليم الدين في هذا الغرض مؤيدة لما اتفق عليه العقلاء من اهل المدنيات.
ان تأييد الدين لما ذكر نزداد به يقينا بأنه ليس مقتصرا على التوحيد والعبادات، بل هو ملتفت نحو النظام الدنيوي الاجتماعي حاث على المحافظة على الاداب العامة بوجه خاص سالك مسلك التوسط، والاعتدال في جميع اجراءاته، فالمرأة مثلا لم يعطها حرية تبلغ بها حدّ التهتك والتبرج بين العموم ولم يسلب عنها حقوقها الحيوية بحيث يذرها موؤودة وهي بقيد الحياة. ولاشك ان هذا القدر يقبله جميع العقلاء بسعة صدر وكل اطمئنان.
ان ما ينسبونه الى الدين الاسلامي من ارهاق المرأة بستر وجها بين العموم تقول عليه وشرع لما لم يأذن به الله منشؤه اندفاع بعض من المفسرين والفقهاء وراء تأثير القوميات والاوساط التي ينشؤون بها حتى اعتقدوا ان ستر المرأة وجهها بين العموم من الواجبات الدينية، واخترعوا لهذه العادة المحضة اسما مفخما سموه بالحجاب ونسبوا بعض آي الكتاب اليه اذ يقولون كان كذا قبل نزول اية الحجاب، بحيث ان الواقف على هذه الكلمات ينتقش في نفسه ان ارهاق المرأة بستر وجهها مما نص عليه القرآن بالصراحة ولشدة ما انطبعت نفوسهم بتأثير العادات القومية اقتحموا تفسير آي الكتاب العزيز بوجوه طبق ما يزعمون فحرفوا الكلام عن مواضعه وارهقوا فصيح الآيات بما ارهقوا به وجوه الغانيات، فمن مقدر لمضاف لا يقتضيه نظم الكلام الى مخرج اللفظ عن مدلوله اللغوي وهكذا. فخبطوا خبط عشواء وركبوا متن عمياء والانكى من هذا ان سموا قتلهم للروح القرآني دينا ولكن سبق الوعد بحفظه وما قتلوه يقينا.
ثم لما كان من الامر ما علم وجب التعرض لبيان معاني الآيات التي ارهقت بما لا تطيقه قال تعالى:
«وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن».
الخمار لغة ثوب تضعه المرأة على رأسها كالعمامة بالنسبة للرجل، والجيب شق في اعلى القميص ينفتح على النحر، فمعنى الآية حينئذ امرهن وقت البروز بين العموم بستر نحورهن واعلى صدورهن لان كشف ما ذكر بين عموم الناس، زيادة على كونه لا تدعو اليه الضرورة، مخل بصون الاداب العامة ومستلفت انظار الرجال اليهن اوجه خاص. فمن فهم ان الخمار اسم لما يغطى به الوجه فقد اخطأ لان غطاء الوجه يسمى برقعا فلو اريد ستر الوجه لقيل وليضربن ببراقعهن على وجوههن.
«ولا يبدين زينتهن».
الزينة اجلى من ان تعرف والمرأة منهية عن ان تظهر بها بين العموم الا ما كان ظاهرا لا يستلفت النظر بوجه خاص مثل نعل جديد ورداء حرير، فان الشرع ارقى من ان يلزم المرأة عند البروز بلبس نعلن مرقوع ورداء رث، بل منعها من ابداء الزينة الخفية المستميلة للقلوب واستثنى من كان التزين عادة من اجله وهو البعل ومن في اخفاء الزينة عنه تحرير للمرأة بسبب ضرورة المساكنة او ارتباط المصالح وهو من عداه من المذكور في الآية فمن قدر مضافا في نظم الكلام وصير المعنى ولا يبدين محل زينتهن وهو الوجه وما شاكله فقد ابعد لان تقدير المضاف لا يلتجأ اليه الا عند الاضطرار لتصحيح المعنى او قيام قرينة تدل عليه. ولا يخفى انتفاء الامرين هنا ويا ليت شعري كيف يفعل في الزينة المذكورة في آخر الآية عند قوله تعالى ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فهل يقدر المضاف مرة اخرى ويقتحم التحريف وافساد المعنى او يبقيها على معناها ويمزق الاية حسبما يهواه.
«يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن».
الجلباب القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة او ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة او هو الخمار وايا ما كان فهو ليس اسما لما يغطى به الوجه خاصة وهو في الآية صالح لان يراد منه كل معانيه اذ سوق الاية للاعلام بأن المرأة مأمورة بادناء ثيابها من بدنها بحيث لا تنكشف اعطافها، وظاهر ان رخاء الثياب وتركها متباعدة عن البدن بحيث تبدو من خلالها اعطاف البدن ضربا من التبرج الممقوت عند كل العقلاء. فليس في الآية دلالة على اكثر من الحث على مراعاة الآداب واظهار العفاف وهو امر محمود عند العقلاء.
ومن المعلوم ان المرأة اذا تظاهرت بالعفة قل طمع اهل الفساد في اقتفاء اثرها وقصروا من اذايتها بفحش الكلام وهذا صريح بقية الآية:
«ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين».
«وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب».
سوق الآية للاعلام بأن من اراد سؤال شيء من ازواج النبي ليس له ان يلج عليهن في بيوتهن، اذ لا يخفى ان المرأة في بيتها قد تكون كاشفة عن شيء من بدنها او مشتغلة بتزيين وجهها او ما اشبه ذلك مما تفعله المرأة في خلوتها فيقبح بالرجل ان يلج عليها في حالة لا ترضى ان يراها الاجنبي ملتبسة بها، فامر الرجل اذا اراد سؤال متاع بأن يقف خلف الباب او الحائط او ما اشبه ذلك مما يكون حاجبا لها عنه حتى لا يخجلها. فالامر وان ورد في ازواج النبي غير مختص بهن لاطراد العامة كما لا يخفى فمن اراد ان يأخذ ستر الوجه بين العموم من هذه الاية فقد تكلف شططا، فقد ظهر مما تقدم بسطه ان ما هو جار بين بعض الناس من حمل المرأة على ستر وجهها بين العموم امر عادي محض وقومي صرف لا علاقة له بالدين اصلا ولا نقصد بهذا ان نحرض الناس على ترك عادتهم وتبديل قوميتهم كلا وانما الذي نقصده ان نحط عن كاهل الدين ما اثقلوه به غلطا واشتباها بسبب الاندفاع وراء التأثيرات القومية. ومن اغرب ما يسمع ان بعض الفقهاء بلغ به التطرف في هذا المقام حتى منع المرأة من الكلام بين العموم وادعى ان صوتها عورة يجب عليها ستره بين الناس ولو نظر في قوله تعالى:
«فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا».
لقصر من غلوائه وعلم ان النهي عن التليين والخضوع لان ذلك يستميل القلب اليها فنهيت عن ذلك وامرت بأن تسلك المسلك المتعارف بين الناس بحيث تكون بعيدة عن مظان الشبهات. قال تعالى: «وقلن قولا معروفا». وظاهر ان الامر هنا للاباحة، فالقرآن مصرح باباحة القول المعروف لهن، فالنص وان ورد في ازواج النبي، فالحكم بتناول غيرهن لاطراد العلة كما لا يخفى(18).
فالمجمع عليه عند الشيوخ الذين استفتاهم الطاهر الحداد هو ضرورة الستر، وان اعتمد البعض منهم على امكانية تغطية الوجه فان الارجح في هذه الازمان مثلما ألمع لذلك الشيخ ابن عاشور عدم الالتجاء لذلك والاكتفاء بتغطية الشعر دون الوجه والكفين.
* وفي سنة 1941 طرح السؤال على الشيخ محمد البشير النيفر(19) ضمن مجموع، وهذا نص السؤال:
«هل يجوز للمرأة المفاهمة مع رجل أجنبي عنها في أمر من الامور مكشوفة»؟
وكان جوابه كالتالي: يتلخص الكلام في الجواب عن هذا السؤال في نقطتين:
1 ـ كشف المرأة وجهها لأجنبي غير محرم
2 ـ وحديثها معه
اما كشف المرأة وجهها ومثله كفاها فحرام عليها مع خوف الفتنة او قصد اللذة، ويجب عليها والحالة ما ذكر ستر وجهها وكفيها، وما ذكرنا من الوجوب هو الذي لابن مرزوق القائل: انه مشهور المذهب. ونقل الحطاب عن القاضي عبد الوهاب الوجوب ايضا، ومقابله ان ذلك لا يجب عليها، ولكن على الرجل غض بصره، نقل هذا كله الشيخ البناتي في حواشيه على الزرقاني في بحث ستر العورة.
والمراد من الاجنبي، الاجنبي المسلم واما غيره فعورة المسلمة معه جميع بدنها، فيجب عليها ستره كله ولو مع عدم خوف الفتنة او قصد اللذة.. ثم تحدث الشيخ البشير النيفر عن صوت المرأة فبين ان حديثها للتعليم والبيع والشراء ونحوهما جائز..(20)
وبعد اربع سنوات اي في سنة 1945 طلب من الشيخ محمد القروي(21) أن يلقي محاضرة بعنوان:
* السفور والحجاب» ونظرا لطولها وغزارة علمها والمقارنة بين اراء المفسرين والفقهاء فيها، نشرتها المجلة الزيتونية في عدة حلقات (22)، جاء في مقدمة المحاضرة قول الشيخ محمد القروي:
«.. لقد انتدبني رئيس جمعيتكم صديقي الحقوقي الاستاذ الطيب غشام للقيام بمسامرة يكون موضوعها الحجاب والسفور، فترددت في اجابته وبقيت اقدم رجلا وأؤخر أخرى، لان موضوعا كهذا ليس بسهل التناول، اذ ترتبط به كثير من الشؤون الدينية الخلقية، وله اثر بيّن في الهيئة الاجتماعية، فهو امر هام قد تداولته الافكار قديما وحديثا، ومسألة خطيرة قد بسطت ووضعت تحت محك الانظار منذ زمن طويل، بل قد أفردت بالتأليف، واهتم بها المتأخرون اهتماما لم يحظ به غيرها من المسائل التالد منها والطريف.
والحق يقال انها اعظم واهم من ان تكون موضوع مسامرة، وذلك لتشعبها وكثرة فروعها وغزارة مادتها وصعوبة مرامها وخطورة شأنها، وتحرج موقف المتكلم فيها، واي موقف احرج واخطر من موقف رجل يقرر حقائق ويبدي اراء امام فريقين، اتجه احدهما الى التغالي المفرط في امر الحجاب، وسلك الى ذلك سبيلا لا يوافق عليه حديث صحيح ولا يرشد اليه نص صريح من أي كتاب.
والآخر أباح السفور بدون قيد ورغب فيه، وقام حاثا عليه بكيفية تؤدي الى الفساد العاجل والعقاب الآجل، وتؤذن باضمحلال مكارم الاخلاق وتقوض صروح الفضيلة والانحطاط بها الى الدرك الاسفل من انواع الرذيلة، ولم يكن بين هذين الفريقين من تحلى بحلة التوسط والاعتدال، الا نفر قليل، فهؤلاء في رأيي هم الذين تحروا رشدا وسلكوا الى الغاية المطلوبة طريق الهدى..
* (أقول فحلة التوسط التي نادى بها الشيخ محمد القروي طيب الله ثراه منذ الاربعينات، هي التي دأبت عليها بلادنا وأمرت بالتوسط في اللباس والتمسك بالاصالة التونسية دون افراط ووضع البرقع مع الخمار والنقاب مع الحجاب، ودون تفريط والتفسخ والانحلال).
ثم قدم الشيخ القروي تعريف الحجاب، وافاض القول في مسألة النظر وفي قضية غض البصر، ونقل شروح بعض المفسرين المتأخرين كالالوسي والغلاييني وقارن بينها، واهتدى الى جواز ابداء الوجه والكفين وستر كامل البدن..
* الحجاب من نواميس العمران: في نفس السنة ـ اي في سنة 1945 ـ ينشر الشيخ محمد الناصر الصدام(23) بحثا مطولا في المجلة الزيتونية، عنوانه: «الحجاب من نواميس العمران واسباب التناسل(24) ومما ورد في دراسته قوله: «.. ان السبب في تفاضل الامم الاسلامية في التمسك بالحجاب تابع لتفاضلهم في التخلق بخلق الحياء، فان الامة اذا لقنت ذلك في تربيتها الاولى وارتكزت عليه اصول تعاليمها بالغت في التحفظ بالحجاب والوصاية به، فلن يضرها دعاة السفور على وفرتهم وتزيينهم سوء عملهم».. الى ان قال ـ.. «ذلك ان علماء الشريعة مجمعون على ان وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، كما انهم مجمعون على وجوب ستر الوجه عند خوف الفتنة وتوقعها..
ثم قام الشيخ الصدام بشرح آية الحجاب شرحا مستفيضا شفعه بأبيات شعرية كثيرة..
* فتوى الشيخ محمد المهيري الصفاقسي (25): سئل الشيخ المهيري حول حكم كشف المرأة لصدرها وعضديها امام اقاربها، فأجاب: اعلم ان المرأة لا يجوز لها ان يرى منها الاجنبي غير الوجه والكفين، وهذا مثل اخي زوجها، ومثل المرأة مع خال زوجها، ومثلها مع عمه وابن عمه وبقية اقاربه عدا والده، ولا يخلون بها وذلك الموت الاحمر. ويرى منها محارمها الوجه والاطراف، فيحرم النظر الى صدرها، وانما يرون منها ما فوق المنحر والقدمين والذراعين.
اذا علمنا هذا الخلق الجميل الذي دعت اليه الشريعة، فكيف يحل للانسان ان يترك زوجته ينكشف منها ما امره الله بستره، والحال انها زوجة له لا لغيره، فماذا يقصد بابداء زينة زوجه لسواه؟ أفلا توجد فيه غيرة دينية، وعلى الاقل حتى حمية؟ ان الحيوان يغار على انثاه ان يدنو منها سواه، والنظر هو نوع من التلذذ..
وللتوضيح فان الشيخ المهيري من الشيوخ الذين اوجدوا سندا فقهيا للفصول الواردة في مجلة الاحوال الشخصية، والتي اوقعت جدلا علميا بين الفقهاء عند صدورها.
* فتوى الشيخ محمد الهادي ابن القاضي: من الفتاوى الصادرة بعد استقلال البلاد فتوى مفتي الجمهورية في السبعينات الشيخ محمد الهادي ابن القاضي(26) الذي ورد عليه السؤال التالي: «أنا فتاة كثيرة التساؤل اعرف اشياء عامة عن ديني.. ولكني مع الاسف أرى من واقع مجتمعي اشياء مخالفة لواقع ديني، ثم نقلت آية النور، واضافت هل هذا امر ونص ثابت بتحريم ابداء زينة المرأة او وجهها او جسمها لأولي الاربة؟ نرى في المجتمعات العربية بصفة عامة ان النساء يخرجن مكشوفات، فهل هذا حرام؟ ارجو ان تجيبوني بأكثر دقة ممكنة، وتنبئوني كيف يمكن التوفيق بين الدين والعصر (سوسة).
قال الشيخ ابن القاضي: «لا يجوز للمرأة ان تكشف عما سوى الوجه والكفين خوف الفتنة الا لضرورة، كالكشف عن موضع المرض للطبيب المعالج، الذي يتوقف العلاج منه على مشاهدة العضو المصاب بالمرض او غيره من جسم المريض، لتوقف العلاج عليه، وما جاز للضرورة يقدر بقدرها، وانما جاز الكشف والنظر الى الوجه والكفين من المرأة دون ما سواهما، لقوله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها». قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: والمراد بما ظهر منها في الآية موضعهما، وهو الوجه واليدان لانهما يبدوان منها عند الخروج لقضاء حاجتها في السوق، ومنعها من الخروج للسوق لقضاء ضرورياتها فيه حرج عليها، والحرج مدفوع بالنص.
فالآية المذكورة نص على وجوب ستر المرأة ماعدا الوجه والكفين، وألحق بهما أبوحنيفة القدمين. واما ما سوى ذلك من اعضائها كالصدر والذراعين، فلا يجوز لها كشفه للاجانب الا لضرورة كما بيناه سابقا، وكون ذلك مخالفا لم يقتضيه حال العصر فهذا لا تأثير له على الحكم الشرعي، الذي ينبغي ان يكون المرجع فيه الى الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وما كان عليه سلف هذه الامة، لمن كان يرجو الله واليوم الاخر(27).
* فتويان للشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة: ورد للشيخ ابن الخوجة السؤال التالي: «هل السروال محرم ام جائز لباسه للمرأة في الصلاة وفي لباسها العادي؟ فأجاب: «ان كلمة السروال ويقال له لغة «السراويل» تطلق على نوعين: نوع واسع لا يحصر البدن وهو جائز بلا كراهة في الصلاة وغيرها. ونوع يحصر البعض من اجزاء البدن ولكنه يستر البدن سترا كافيا شرعا، وهذا النوع تصح به الصلاة مع قول بعضهم بكراهة ذلك. أما لباسه عادة فينكره بعضهم بدعوى انه من التبرج المغري، ولكن لا نعلم نصا شرعيا يحرمه مادام البدن مستورا، وتحريم امر بمجرد اجتهاد بعضهم لا يفتى به الا بدليل شرعي(28).
ـ وسئل الشيخ محمد الحبيب بلخوجة مفتي الجمهورية في سنة 1984 قيل له: من المعلوم من الدين ان جسد المرأة كله عورة ماعدا وجهها وكفيها، هذا في الصلاة ولكن هل يجوز لها ان تعمل وتنشط وتمشي في الاسواق مستورة البدن باستثناء وجهها وكفيها ام لا؟
ـ الجواب: يجوز للمرأة ان تعمل وتنشط وتمشي في الاسواق مستورة البدن غير الوجه والكفين، ومها لا يدل على تبرج ممنوع روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أذن الله لكنّ أن تخرجن لحوائجكن»(29).
* الخاتمة: الآن وقد تحصحص الحق، فان فتاوى وآراء شيوخ الزيتونة طيلة كامل القرن العشرين تطالب بستر المرأة ماعدا الوجه والكفين وبتنقلها للشغل والتجارة وغيرها دون ان تحدد الكيفية، والسلطة الحالية لم تخالف ذلك، ولكنها فضلت ارتداء الكيفية التونسية التقليدية المحتشمة فلا تناقض ولا تنافر والله الهادي الى سواء السبيل.
***
الهوامش
1) راجع كتب اللغة: مادة خمر
2) مثلا: النووي الشافعي: المجموع: 171/1 ـ حاشية الصعيدي المالكي: 137/1
3) الموّاق: جواهر الاكليل على مختصر خليل: 52/1
4) ابن منظور: لسان العرب: مادة نقب + مادة وصوص
5) ألفيّومي: المصباح المنير: مادة برقع
6) راجع من التفاسير المالكية مثلا: تفسير يحيى بن سلام: 440/1 وما بعدها ـ أحكام القرآن لابن العربي: 1366/3 وما بعدها. و1573 وما بعدها ـ اضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي: 126/6 وما بعدها و383 وما بعدها
7) أبوالعباس القباب: مختصر كتاب النظر في احكام النظر بحاسة البصر: تحقيق الدكتور محمد أبو الاجفان: 131 ـ 134: مكتبة التوبة
أبوجيب: سعدي: موسوعة الاجماع في الفقه الاسلامي: دار الفكر
9) جريدة الصباح 2006/10/14
10) جريدة الصباح: 2006/10/19 دون تعليق
11) الحداد: الطاهر: كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع: 92 وما بعدها: الدار التونسية للنشر 1977
12) الشيخ محمد الحطاب بوشناق من فقهاء الحنفية المتأخرين (1984) له بعض الفتاوى والدراسات المنشورة بالمجلة الزيتونية: راجع مجلة الهداية: س11 ع6: 1984
13) الشيخ محمد العزيز جعيط: شيخ الاسلام المالكي ووزير العدل التونسي ومفتي الديار التونسية (1970) لقد تخصصت في شخصيته: راجع كتابي: فتاوى شيخ الاسلام في تونس محمد العزيز جعيط واجتهاداته وترجيحاته: دار بن حزم بيروت: 2005
14) الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور شيخ الجامع الاعظم وفروعه (1973) له تآليف علمية كثيرة وهو مفخرة العالم الاسلامي في القرن العشرين: راجع فتاوى الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور: جمع وتحقيق صاحب هذه الورقة: طبع دبي 2004
15) أبومحمد بلحسن بن محمد النجار من كبار فقهاء المالكية بتونس (1953): مخلوف: محمد: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: 429 رقم 1691
16) الشيخ أحمد بيرم شيخ الاسلام الحنفي وابن العلامة محمد بيرم الخامس (1935): الجحوي: محمد الثعالبي: الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي: 202/2
17) الفقيه المربي الحنفي عثمان ابن الخوجة (1933) راجع جريدة الزهرة عدد 8279: 1934
18) امرأتنا في الشريعة والمجتمع: 92 ـ 100
19) الفقيه المالكي محمد البشير النيفر له بعض الكتب المطبوعة (1974): مقدمة كتابه نبراس المرشدين: 5
20) المجلة الزيتونية ج7م4: 1941
21) العلامة الشيخ محمد القروي قاضي سوسة في الاربعينات والخمسينات ومن الشيوخ الذين قننوا مجلة الاحوال الشخصية عند استقلال البلاد.
22) راجع المجلة الزيتونية: المجلدان 6 ـ 7: 1945
23) الشيخ محمد الناصر الصدام شاعر وفقيه حنفي (1956): راجع مجلة الندوة س4 ع3: 1956
24) المجلة الزيتونية م6 ج1: 1945
25) الشيخ محمد المهيري باش مفتي صفاقس في الاربعينات (1973) راجع كتاب: فتاوى الشيخ محمد المهيري الصفاقسي: جمع وتحقيق الاستاذ حامد المهيري والدكتور محمد بوزغيبة س2002 ص199
26) الشيخ محمد الهادي ابن القاضي (1979) مفتي الجمهورية التونسية الثالث بعد الاستقلال، ومن مؤسسي المجلة الزيتونية، راجع الهداية س7 ع1: 1979
27) مجلة الهداية س2 عدد 3: 1975
28) مجلة الهداية س10 عدد 1: 1982
29) مجلة الهداية س11 عدد 3: 1984
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت مايو 21, 2011 12:37 am من طرف Admin
» خطرات بيانية لمعنى التناسق الفني في بعض المقاطع القرآنية بين القدامى و المحدثين ج 1 بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
السبت مايو 21, 2011 12:32 am من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 3
الجمعة مايو 20, 2011 10:10 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 2
الجمعة مايو 20, 2011 10:00 pm من طرف Admin
» تجديد التفسير القرآني من تعدّد القراءات إلى توحيدها نسقيّا بقلم د: يوسف بن سليمان ج 1
الجمعة مايو 20, 2011 9:17 pm من طرف Admin
» القرآن بين دعوى الحداثيين و القراءة التراثية بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 9:08 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثالث بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:50 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الثاني بقلم الدكتور يوسف بن سليمان
الجمعة مايو 20, 2011 8:21 pm من طرف Admin
» تاريخ القراءات القرآنيّة في عهدها الأول الجزء الأول
الجمعة مايو 20, 2011 7:38 pm من طرف Admin